نهاية عصر القذافي

سمير الحجاوي

أخيرا اجتاح الثوار معقل العقيد معمر القذافي في طرابلس، بعد ستة شهور من القتال والمعاناة والدماء والدموع، ليكون ثالث طاغية عربي يسقط بعد بن علي ومبارك، وليكون هذا السقوط علامة فارقة في التاريخ العربي الجديد، وبوابة الدخول إلى عصر الحرية والكرامة والعدالة.
لا أريد أن استخدم عبارات دبلوماسية ومصطلحات مواربة وسأعلن عن فرحي وسروري وحبوري بسقوط دكتاتور ليبيا المجنون الذي أبى إلا أن يسفك دماء الليبيين ويبدد ثرواتهم ويخرب حياتهم ويمارس الجرائم التي جعلته واحدا من أشرس المجرمين في التاريخ، قتل وسجن وعذب ونفى وفجر الطائرات وأدار ليبيا كمزرعة عائلية له ولأبنائه، وأضاع المليارات من ثروات ليبيا وتركها في الفقر وسوء البنية التحتية.
القذافي كان علامة سوداء في تاريخ ليبيا والعرب، فهو رجل موهوم كما قال نائبه السابق عبد السلام جلود، وهو مريض بالعظمة يعميه الغرور، استعلى على الشعب وشتمه بأقذع الأوصاف ولم يرهم أكثر من "جرذان تستحق القتل.
سقوط القذافي ينهي مرحلة ثالثة من مراحل الطغاة في العالم العربي بانتظار سقوط طاغيتي سوريا واليمن، وينهي مرحلة من القهر والظلم والأساطير المؤسسة للاستبداد، فهو لم يبن وطنا بل أسس ميليشيا وكتائب أمنية لقتل الشعب دفاعا عن حكمه وسلطته، وبدل أن يبني امة بنى مجمع العزيزية وأحاطه بالأسوار العالية والأسلحة وأدوات القتل، وأسس دولة "باب العزيزية" بدلا من الدولة في ليبيا التي غير اسمها إلى الجماهيرية وغير أسماء شهورها ليبدأ بشهر النار وهو الشهر الذي احرقه.
حرر الشعب الليبي طرابلس من الطاغية، لكن باب العزيزية لم يسقط بعد، ومازالت كتائب القذافي المجرمة التي يقودها أبناء الطاغية تعيث في الأرض فسادا وتقتل وتسفك الدماء.
دولة باب العزيزية التي بناها القذافي لم تكن أكثر من قلعة يتحصن فيه الطاغية الذي كان يخشى الشعب، قلعة تتحكم بالاتصالات والانترنت والبث الفضائي والتلفزيوني في ليبيا، ليس فيها إلا الأنفاق والمسارب والدهاليز والغموض، فقد أراد القذافي أن يحتكر كل شيء للبقاء في السلطة وللبقاء حاكما مدى الحياة، وفكك الجيش لأنه كان يخشى الانقلابات وحوله إلى مؤسسة ضعيفة مقارنة بالكتائب الأمنية أو بالأحرى ميليشيا القذافي التي كانت تدين له بالولاء.
القذافي لم يجلب لليبيا والليبيين إلا مقت الأمم من أعماله الإرهابية وإجرامه وغطرسته وغروره وتعاليه، وهو الباحث دائما عن الألقاب الزائفة مثل "المناضل الاممي والزعيم والعقيد وعميد الزعماء العرب وملك ملوك إفريقيا وصاحب النظرية الثالثة والمفكر العالمي" وغيرها من الألقاب التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فهو كان يريد أن يرى كل العالم لكنه لم يكن يستطيع أن يرى ليبيا فقد كان يشعر أنها صغيرة عليه وانه اكبر منها.
سقوط مجنون ليبيا يعني نهاية مرحلة استبدادية لأعنف حاكم تسلط على شعبه في العالم العربي وحكمهم بالحديد والنار، وتعني الدخول في مرحلة الرضوخ للإرادة الشعبية ولو بقوة السلاح، والدخول في مرحلة جديدة من "عصر الجماهير" فقد انهار وانتهى اعتى طاغية دموي مارس الإجرام والقتل والاغتيالات وقتل 1237 سجينا سياسيا في سجن بو سليم الشهير في بضع ساعات.
انهار القذافي في حرب قاسية ولعل وجهته المقبلة ستكون المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته على جرائمه ليقبع ما تبقى من عمره خلف القضبان، وليذهب بعد موته إلى مزبلة التاريخ بل إلى الدرك الأسفل من مزبلة التاريخ مع كل الطغاة والقتلة والمجرمين من أمثاله.