جريدة الجرائد

عثمان ميرغني و راجح الخوري: نهاية القذافي .. رسائل الى سوريا واليمن

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عثمان ميرغني و راجح الخوري: نهاية القذافي .. رسائل الى سوريا واليمن

خاتمة العقيد رسالة إلى سوريا واليمن

عثمان ميرغنيالشرق الأوسطلا أدري أي شعور ينتاب أولئك الزعماء الذين يسقطون ويشاهدون احتفالات الناس برحيلهم، وتمزيق صورهم، ويسمعون صدى الهتافات ضدهم، ويلمسون مدى الكره لنظامهم. أحسب أنهم لا يصدقون الصور الماثلة أمامهم؛ لأن السلطة أعمتهم، والكبت والقمع جعلهم لا يسمعون إلا أصوات المقربين والانتهازيين والمتسلقين الذين يصورون لهم أن الشعوب تحبهم ومستعدة للموت من أجلهم. لذلك تراهم يفشلون في فهم رسالة شعوبهم عندما تنتفض وتثور، ولا يستوعبون الدروس من تجارب غيرهم، بل يصرون على اعتبار ثورة الشعوب مؤامرة يجب سحقها والتصدي لها بالحسم الأمني والعسكري.مبارك لم يستفد من تجربة بن علي، ولم يفهم رسالة شعبه، فأضاع فرصة التنحي. كذلك فعل علي عبد الله صالح الذي نجا من محاولة اغتيال، ولا يزال يرفض فهم رسالة الشارع اليمني. بشار الأسد مضى بعيدا في الإصرار على التصدي للانتفاضة التي اعتبرها منذ اليوم الأول مؤامرة تستهدف سوريا ودورها "الممانع" (للتغيير) و"المقاوم" (لرغبة الشعب). أما العقيد القذافي، فهو قصة أخرى، إذ إنه لم يرفض فقط تصديق أن جماهير الجماهيرية يمكن أن تثور ضده، بل اعتبر المنتفضين ضد حكمه جرذانا وحثالة ومحششين لا مكان لهم إلا تحت التراب، وانبرى هو وأبناؤه وكتائبه للقيام بالمهمة فنفذوا العديد من المذابح وارتكبوا الكثير من الفظائع في الزاوية ومصراتة وزنتان ويفرن ونالوت وأجدابيا ومناطق أخرى.من أي كوكب جاء بعض زعمائنا؟ فالرئيس السوري خرج على الناس في مقابلة مع التلفزيون بينما كان نظام العقيد القذافي يتهاوى، ليقول عن الوضع في بلاده إن هناك إنجازات أمنية تحققت، وليتحدث مجددا عن تشكيل لجنة بعد لجنة لبحث المطالب والاستحقاقات، وعن جداول زمنية للإصلاح، بينما القمع يشتد والتنكيل يزداد. وعندما سئل عن دعوة الغرب له بالتنحي، قال: "هذا الكلام لا يقال لرئيس لا تعنيه السلطة". القذافي أيضا كان قد قال في بداية الأحداث في ليبيا وردا على دعوة "ارحل" إنه ليس لديه منصب يستقيل منه، وإنه لو كان رئيسا لرمى بالاستقالة على وجوه المحتجين. أما علي عبد الله صالح فقد قال بعد كل الذي حدث وبعد أن نجا حتى من محاولة الاغتيال التي أصابته بالكثير من الحروق والتشوهات إنه عائد "وأراكم قريبا في صنعاء".هل تستحق السلطة كل هذا؟العقيد القذافي الذي حكم 42 عاما، وبات يحلو له أن يطلق على نفسه ألقابا مثل عميد الحكام العرب وملك ملوك أفريقيا، ربما يقدم درسا مفيدا في كيف تفسد السلطة الإنسان، وكيف تستعبده. فهو جاء إلى الحكم بطريقة التناوب الوحيدة التي كان معمولا بها في جمهورياتنا العربية، أي الانقلابات العسكرية، رافعا شعارات ثورية ووعودا بالتغيير تبخرت كلها ولم يبق في النهاية سوى رجل أصابه الخبل من السلطة الاستبدادية، فأقدم على مغامرات جنونية حسب أنه سيغير بها وجه العالم، بعد نظريته العجيبة التي ضمنها في ثلاثة أجزاء من كتابه الأخضر. قال العقيد إنه سيطبق مفهوما فريدا في سلطة الشعب، لا يعتمد الديمقراطية التقليدية التي يراها نموذجا فاشلا لأن "التمثيل تدجيل"، ولأن المجالس النيابية "حل تلفيقي يغيب سلطة الشعب". أما الأحزاب فهي بالنسبة له أدوات للديكتاتورية العصرية وهي قبائل العصر الحديث وبالتالي "من تحزب خان". وطرح العقيد بعد ذلك حله الذي رآه بمثابة الحل النهائي لمشكلة الحكم والبديل عن الديمقراطية التقليدية، وهو الحل القائم على المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية. أنفقت ليبيا مليارات الدولارات على الترويج للنظرية العالمية الثالثة التي ابتدعها العقيد، ومن خلالها قام بتفكيك المؤسسات لتبقى فقط اللجان الشعبية التي حولها إلى أجهزة لفرض قبضته الأمنية على الليبيين.هناك من يرى أن العقيد أصلا مخبول حتى قبل أن يتولى الحكم، لكن هذا القول لا يوجد ما يسنده، والأرجح أن السلطة المطلقة هي التي أفقدته صوابه، وساعدته ظروف المنطقة على جنونه. والتاريخ الإنساني - بلا شك - حافل بقصص الزعماء الذين أسكرتهم السلطة وأفقدتهم صوابهم، فأقاموا أنظمة قمعية ديكتاتورية جرت الخراب على بلادهم وشعوبهم.لكن كما يقال كل ظالم له نهاية، وكل حاكم مستبد لا بد أن يواجه غضبة شعبه عندما ينفد صبره. وهكذا واجه القذافي غضب الشعب الليبي الطيب عندما طفح به الكيل فخرج في البداية في مظاهرات احتجاجية سلمية ألهمتها ثورتا تونس ومصر. إلا أن العقيد أبى إلا أن يحولها إلى مواجهة دموية ضد الذين وصفهم بالجرذان متوعدا في خطابه الشهير بملاحقتهم "زنقة زنقة وحارة حارة وبيت بيت". ارتكبت كتائب القذافي العديد من المذابح لكنها في النهاية لم تصمد أمام روح الثورة الشعبية المدعومة بقرار عربي، وبضربات "الناتو" الجوية. صحيح أن تدخل "الناتو" كان عاملا حاسما في وقف زحف قوات القذافي للقضاء على الثوار، لكن هذه الضربات لم تكن لتنجح لولا صمود المنتفضين الليبيين وإصرارهم على مواصلة ثورتهم وتقديم التضحيات من أجل الوصول بها إلى غايتها.العقيد الذي وصف نفسه بالمجاهد المحارب القادم من الصحراء، انتهى متواريا في مخابئه يدعو حتى النهاية القبائل للزحف ضد الثوار قبل أن تطاله يد العدالة. لم تدافع عنه الملايين التي أوهم نفسه أنها تحبه، وهي في الواقع تكره أنه جثم على صدورها 42 عاما، أفقر فيها شعبه وبدد الكثير من ثروات بلده.حتى كتابة هذه السطور لم تكن المعركة قد انتهت تماما، وإن بدا واضحا أن النظام تهاوى في اللحظات الأخيرة في سرعة أذهلت الناس وذكرتهم مجددا بالسرعة التي تهاوى بها النظامان في مصر وتونس أمام ثورة الشعبين. صحيح أن الثورة الليبية احتاجت إلى ستة أشهر عصيبة قبل أن تتمكن من دخول العاصمة، إلا أنها في النهاية أثبتت أن الصمود والتضحيات يتغلبان على آلة القمع مهما بدت قوية. واليوم تبدأ مرحلة جديدة من التحديات لإكمال المشوار، فالمراحل الانتقالية صعبة بالضرورة كما رأينا في مصر وتونس. والليبيون يحتاجون إلى الصبر وضبط النفس لكي يتمكنوا من عبور امتحان بناء ليبيا الجديدة، بمؤسسات ديمقراطية، ومشاركة جامعة تدعم التلاحم الوطني الذي تجلى في الثورة والأيام العصيبة التي واجهها الثوار.ليبيا ستحتاج إلى وقفة عربية ودولية ومساعدة لكي تنهض بسرعة، ولكي تعود عجلة الاقتصاد إلى الدوران وترفع العقوبات، ولكي يسود الأمن ويعود الاستقرار، والأهم من ذلك لبناء دولة المؤسسات على حطام "جماهيرية" العقيد العشوائية.لقد تهاوى نظام القذافي رغم كل القمع والتنكيل، فهل تصل الرسالة إلى الآخرين؟ كما أن عجلة الثورات والانتفاضات التي تعثرت، وحسب البعض أنها توقفت، عادت إلى الدوران من ليبيا، فعلى من يكون الدور القادم؟ وماذا سيحدث في اليمن وسوريا الآن؟ أي ليبيا بعد القذافي؟ راجح الخوريالنهار اللبنانيةلم تعرف ليبيا الدولة السويّة من قبل. خرجت من الاستعمار الايطالي عام 1953 الى عهد عبدالله السنوسي الذي لم يقِم دولة، ثم انتقلت عام 1969 الى حكم "الأخ العقيد" الذي سرعان ما جعل منها مغارة للديكتاتورية اسمها الحقيقي "الجماهيرية الغرائبية التهريجية المتحدة"!الآن عندما يعلن رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" مصطفى عبدالجليل "ان حقبة القذافي انتهت" يطرح المراقب السؤال فوراً: وأي حقبة بدأت؟ طبعاً لا يمكن الرد قبل تبلور اتجاهات الوضع الجديد الذي سيسود ليبيا. لكن ليس من المبالغة القول إن الثورة التي بدأت في 15 شباط ودخلت الى طرابلس أول من أمس مسقطة 42 عاماً من حكم القراقوشية القذافية، لم تقطع بعد أكثر من خطوة على طريق الألف ميل، وصولاً الى قيام دولة تتماشى مع كل ما قيل عن "الربيع العربي"، الذي لم ُيزهر بعد لا في تونس ولا في مصر، فكيف سيكون الأمر في ليبيا؟صحيح أن المرحلة المقبلة لن تكون مفروشة بالورود كما قال عبدالجليل "وأن أمامنا كثيرا من التحديات وعلينا الكثير من المسؤوليات"، ولكن هذا لا يعني أن الوصول الى الدولة المدنية ممكن دون المرور في كثير من التجارب الصعبة. ولا يغالي البعض عندما يتخوّف من ان تكون ليبيا ما بعد القذافي مثل عراق ما بعد صدام حسين: يسقط الديكتاتور ويحل الفراغ الذي ينشر الفوضى.لكن الوضع في ليبيا مختلف رغم حلّ "المجلس الوطني الانتقالي" الذي يفترض أن يشكل جسر أمان لنقل السلطة الى نظام وصفه عبد الجليل بالقول: "نريد دولة ديموقراطية في إطار إسلامي معتدل". وهذا يعني عملياً، حكماً على النمط السائد في تركيا الآن، وهو أمر يحتاج الى كثير من الجهد والتفاهم الحقيقي الصادق بين جناحي الثورة الليبية، "الجناح الشرقي المظلوم" و"الجناح الغربي الظالم" أيام القذافي. ولم يكن مستغرباً أن يلاحظ المراقبون أن الجناحين ظلاّ منفصلين تقريباً منذ بداية الثورة قبل ستة أشهر، وربما لأجل هذا سارعت أميركا الى الدخول على الخط، داعية الى عقد "مؤتمر دعم الشعب الليبي" في اسطنبول استسقاء لمناخات النظام في تركيا!كانت نسبة الانقسامات في صفوف الثوار و"المجلس الوطني الانتقالي" قليلة قياساً بما ظهر في مصر وتونس، رغم أن عملية اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس أوحت بوجود صراع مبكّر على السلطة، عندما ترددت اتهامات وجّهت الى محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي في "المجلس الوطني الانتقالي"، ولكن كعكة السلطة في ليبيا الآن لا تثير لعاب الثوار واجنحتهم الكثيرة التي لم تظهر على السطح بعد فحسب، بل تثير أيضاً لعاب اسماك القرش الأميركية والأطلسية، التي لم تكن الثورة لتنجح من دونها والتي تريد نظاماً يضع ليبيا ونفطها في قبضة "اليد الديموقراطية"!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف