صف من الديمقراطيات المنتظرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
باسم الطويسي
بانتصار الثورة الليبية، يتشكل صف من الثورات الجديدة في الشمال الأفريقي جنبا إلى جنب. حيث تستكمل ليبيا الصف الذي بدأ بتونس ومصر، وهي بذلك تبشر بمشاريع ديمقراطيات منتظرة سوف تمثل ظاهرة تاريخية في التطور السياسي للعالم العربي.
هذه الظاهرة تحمل دلالات سياسية وثقافية بالغة الأهمية يجب الانتباه إليها مبكرا. فجميع مشاريع الثورات والحركات العربية الحالية لم تحقق انتصارات فعلية إلا في الطرف الأفريقي من العالم العربي، بينما لم تحسم في الطرف الآسيوي، من اليمن وصولا إلى سورية.
لقد صاغت هذه الثورات الشعبية مسارها في إطار وطني بحت. وحتى العدوى التي نشرتها بين دول عربية جاءت في سياق مستقل لكل مجتمع. كانت الحدود العربية شفافة إلى درجة عالية جدا، نقلت الصرخات والهتاف والأشواق للحرية والانعتاق بحرفية وسرعة وكفاءة، لكنها بقيت هي ذاتها الحدود، فلم نسمع عن حراك احتجاجي عابر للحدود أو لديه مجرد طموح في هذا الاتجاه، ما أكد حقيقة رسوخ الدولة الوطنية في وعي الجماهير الجديدة وممارستها.
المجال العام القومي الجديد الذي تعيد صياغته الثورات لا يخلو من التشوهات. ومعظم هذه التشوهات يأتي من تقاطعات النظم القديمة التي ما تزال تبحث عن التكيف مع الوقائع المتغيرة.
وهذا يعيد السؤال المركزي حول مستقبل الدولة الوطنية مقابل مستقبل الإطار القومي الإقليمي، وهل يفعل المجال القومي الثقافي الذي أوجدته الثورات الجديدة فعله في التغيير؟ ثم كيف ستنقل الثورات ثقلها ووهجها إلى صفوف الديمقراطيات المتراصة القادمة، وماذا سيكون دورها في استكمال مسار بناء الدولة الوطنية وتخليص الخطاب القومي من أمراضه التاريخية؟ ومن أبرزها مستقبل الجماعات الثقافية العرقية بين الانفصال أو الاندماج والتكامل السياسي، وكيف ستبدع الحلول الديمقراطية في التخلص من هذا الهم التاريخي.
تكتشف المجتمعات العربية والإسلامية كل يوم حجم التأخر وخسارة المستقبل بفعل احتلال حقل السياسة لكل حقول الحياة الأخرى، ما خلق حالة من الانشغال المرضي عبر ستة عقود من الهدر، تم خلالها ليّ عنق الحياة نحو صراع دائم مغطى بقشرة من الاستقرار الهش، الأمر الذي وفر بيئة أخرى ازدهر فيها التحايل والفساد وتشويه الوعي وانحطاط محتوى التفكير. هذه المجتمعات تبني اليوم صفوفا متراصة من الديمقراطيات المتلاصقة التي سوف تشكل بدون شك مجالا سياسيا وثقافيا جديدا، يحسم مفهوم الاستقرار وممارسته.
من المؤمل أن تحسم مسائل السيادة والهيمنة خلال عقد من نضوج الديمقراطيات العربية، فكما قيل إن الديمقراطيات لا تذهب إلى الحروب، أيضا فالديمقراطيات لا تخنع للهيمنة.
عودتنا خبرات المنطقة منذ عدة عقود أن المفاجآت تحملها المجتمعات أكثر من النظم السياسية، وفي كل مرة تأتي التعبيرات أكثر تعقيدا. في هذه المرة، تبدو مساحة التفاؤل التاريخي أوسع وأكثر رحابة.