الباحث السعودي سعود البلوي: الفكر له الدور الأهم في الثورات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بيروت - محمد الحجيري
يعتبر الباحث السعودي سعود البلوي، صاحب كتاب "ضد الحرية"، أن الثورات المعاصرة قامت لأن الشعوب العربية قد نضجت بما فيه الكفاية، وانتهى زمن الرعب والخوف وتحمُّل الفقر والقمع والظلم، فقد بلغت الشعوب العربية قدراً لم تعد تحتمل فيه الكبت، إذ هي باختصار انفجرت بعد سنوات طويلة من الكبت. بالتالي لا يوجد خط للرجوع لأن السيرورة التاريخية "إلى الإمام"، لا بمنطق القذافي إنما بمنطق الشعب الذي بدأ ثورته بتحطيم مجسّم "الكتاب الأخضر".
من خلال دراستك أفكار التنويريين الفرنسيين، كيف تنظر إلى الثورات في العالم العربي؟
الثورة حتمية تاريخية، يجب أن تتم تحت أي صيغة ومهما طال زمن القمع والظلم والطغيان، ومهما تعاقبت الأجيال، لا بدّ أن يأتي جيل يعلّق الجرس، وهذا ما لم يكن في حسبان الأنظمة التي سقطت أخلاقياً وتاريخياً. وبطبيعة الحال فإن للفكر الدور الأهم في المسألة، فالثورة الفرنسية مثلاً حدثت بعد نضال فكري تم عبر أجيال من الفلاسفة والمفكرين والمنظرين، أما الثورات العربية فلا تختلف كثيراً إذ إن للفكر دوره في المسالة، خصوصاً في ما يتعلق بالوعي بالحقوق المستلبة والحريات المصادرة. وقد كثر الحديث عن الثورات العربية بعد إسقاطها الطغاة، فثمة من يؤمن بأنها نتيجة مؤامرات خارجية وثمة من يرى أنها ثورات وطنية تمّت بعد أن بلغ السيل الزبىhellip; وأياً كان الأمر، فإنها تمت لأنها أصبحت حتمية تاريخية، بصرف النظر عن الدفع بالثورة ودعم الثوار من جهات خارجية، كما في حالة حلف الناتو مع الثورة الليبية، إلا أن الأمر لا يعدو كونه تقاطع مصالح، أما الثورة ذاتها فهي نتيجة كبت عظيم لم تعد تحتمله الشعوب.
هل تشعر بغياب المثقّفين في هذه المرحلة؟
دور المثقف لا يغيب إطلاقاً، لكنه ينحسر ربما، بفعل ظروف معينة سياسية واجتماعية وحضارية، لا سيما أن دوره الفردي قد انحسر لصالح المؤسسات الثقافية التي بات لا يمكن للمثقف أن يمارس دوراً مؤثراً خارجها. لكن دوره الفكري والثقافي موجود، بل على العكس هذه المرحلة هي أحوج ما يكون فيه المجتمع الى المثقف الذي ينتج الأفكار أو يعيد إنتاجها في صالح هذا المجتمع ليحصل على حريته وكرامته، ليكون هناك بالتالي التحام للطبقات الاجتماعية بين بعضها البعض لا تحت إمرة مثقف ولا وزير ولا أمير، إنما تحت إمرة المصلحة العليا وهي حرية الفرد والمجتمع وكرامتهما.
ألم تلاحظ أن الثورات العربية قامت من دون كتاب أو نظريات أو منظّرين، وهي نتاج العفويات أو ردات الفعل على أنظمة متسلّطة ومزمنة؟
بل على العكس هي نتاج لفكر ما. قد لا يمكن تحديد ماهية هذا الفكر بالضبط، لكن هو فكر يبعث على الوعي بالقضية/ الإنسان، من خلال وعيه بحقوقه وواجباته ونظرته إلى الكون والحياة، خصوصاً بشقّيها الاجتماعي والسياسي. وإحدى ميزات هذه الثورات أنها تمت بطريقة عفوية، واستطاعت المجموعات تنظيم نفسها بنفسها من دون قائد مسيطر أو رئيس مستبد، ولا شك في أن الدافع الأول الى الثورة هو التسلّط والظلم والاستبداد، في ظل حكومات شمولية لا تعتبر الإنسان العربي إلا قطيعاً في مزرعة، فكثر الإقطاعيون حتى وصل الأمر بهذا الإقطاع السياسي إلى نشوء طفيليات إقطاعية متراتبة تقتات على فتات المنتفعين من السلطة، وهذا ما شكّل دوائر متقاطعة في المجتمع وضد المجتمع في الوقت ذاته، تتماهى مع السلطة بكل ما فيها من ظلم لأنها تستفيد منها ومن ظلمها هذا. هنا، وجدت المجتمعات العربية الثائرة أنها أمام خطوط دفاع كثيرة عن السلطة تحت مسميات مختلفة: البلطجية، البلاطجة، المرتزقة، الشبيحة!
هل الأحداث في العالم العربي هي "ثورة" أو "تمرد" أو موجة تشبه فترة سقوط جدار برلين؟
ليست الثورة سوى تمرّد مجتمعي عام على الواقع الأليم الذي صنعه الاستبداد. لكن اصطلح على أن التمرد يكون من مجموعة صغيرة، أما الثورة فهي إنجاز مجتمعي تتفق عليه الغالبية في المجتمع كما حدث في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن. هذه الثورات كافة كان هدفها محدداً (الشعب يريد إسقاط النظام)، والسؤال هنا لماذا يريد الشعب ذلك؟ لأنه ملّ الكذب والشعارات الزائفة وتوجيه بوصلة المجتمع بفئاته ومحدداته لصالح السياسي الذي لا يفكر أبداً إلا بسيفه وربما بحذائه إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك، من دون أدنى اعتبار لتلك الوعود بالإصلاح وتأمين مصادر عيش المجتمع واستمرار عزّته وكرامته. ما يجري هو وعي شبابي بالإنسان وبحقوقه، الضرورية التي أولها الحرية وليس بآخرها الحق في العمل والكسب المشروع، وقد تتشابه الثورات بشكلها الخارجي لكنها تختلف في ظروفها ومتطلباتها ونتيجتها، فيمكن تشبيه ثورة رومانيا ضد تشاوشيسكو بثورة تونس ضد بن علي، فكلاهما ديكتاتوران أنشآ حكماً شمولياً تسوسه القبضة الأمنية الحديدية، إلا أن تونس في النهاية ليست رومانيا، وما أفرزته الثورة التونسية قد لا يكون بالضرورة على خطى الثورة الرومانية نفسها.
ثمة من قال إن العالم العربي يختلف عن أوروبا الشرقية، ذلك أنه يحتاج الى عشرات السنين لتتحقّق الثورة فيه على عكس أوروبا الشرقية التي كانت وصلت إليها من الأنظمة الشيوعية الحداثة والحياة والفردية وهي ليست بلاد التعقيدات والقبائل كما هي الحال في العالم العربي؟
صحيح، ثمة اختلاف سياسي واجتماعي وثقافي وجغرافي أيضاً. لكن الإنسان هو الإنسان في جميع الأماكن والأزمنة، ومتطلّباته في كل مكان هي نفسها، فرغيف الخبز يحتاج إليه المواطن المصري بالقدر نفسه الذي يحتاج إليه المواطن البولندي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحرية والمساواة وهما حقان طبيعيان لا يمكن لأحد أن يحاول استلابهما إلا وسقط مع الساقطين طال الزمن أم قصر، وهذا ما يجعلني أقول إن الثورات كالمولود في الكائنات الحية ولا بد من أن تأخذ المواليد دورتها الزمنية، بحسب اختلاف نوعية الكائن الحي وعمره الافتراضي، فالثورات تأتي في وقتها الذي تنضج فيه، فتتحرك الشعوب ضد الأخطبوط السياسي، بعد أن تنشأ لديها القدرة على تحمّل التبعات كافة أثناء الثورة وما بعدها. ولو قسناها بالسنوات سنجد أن الثورة الفرنسية، مثلاً، لم تتم إلا بعد ما يقارب
الـ 200 سنة من الحديث عن الثورة والرغبة فيها، بعد أن تقاسم الملوك والقساوسة السلطتين السياسية والدينية، وفي نهاية الأمر شُنق آخر ملك بأمعاء آخر قسيس، ليتحوّل ملوك أوروبا اليوم إلى ملوك ديمقراطيين لهم وضعهم الاجتماعي المعتبر ولكن ليس لهم من السلطة شيء، وهكذا اختفى التسلّط على الشعب لأن السلطة أصبحت بيده يديرها من خلال اللعبة السياسية وصناديق الاقتراع.
برأيك، ألا يعتبر إسقاط الأنظمة في العالم العربي هو الهدف الأصغر والهدف الأكبر يكون في الثورة الاجتماعية؟
تخطو الثورة خطواتها الأولى على أرض الواقع، كتطبيق لتنظيرات سابقة، بالمطالبة بالحق، ثم تتفاعل بالاحتجاج حين تُهمَّش هذه المطالبات، أما محكّها الحقيقي فهو الصدام بين الشعب ورجال السلطة، ليكون الأمر أشبه بحرب أهلية بين الطرفين، يملك فيها رجال السلطة مختلف أنواع السلاح، أما الشعب فقد لا يكون مسلحاً إلا بسلاح واحد هو إيمانه العميق بحقوقه التي توصّل فيها إلى أن حقوقه تتم عبر بوابة "إسقاط النظام" المستبد مهما كلّف الأمر، وهو الشعار الذي رفعته الثورات العربية كافة بدءاً بالثورة التونسية التي أذهلت العالم، وليس انتهاء بالثورة السورية التي أثبتت النظرية القائلة بأن الجيوش العربية موجهة ضد شعوبها لا إلى أعدائها، لا سيما أن للظروف السياسية السورية قصب السبق في إفراز أسوأ ظاهرتين في العالم العربي وهما الانقلاب العسكري على الحكم المدني، وتشريع توريث السلطة في دولة جمهورية، وها هي الظاهرة الثالثة تتم بتوجيه الجيش ضد الشعب من خلال سلوك إجرامي منظّم.
برأيك، لماذا قامت الثورات الآن وهل تأخرت، وما سبب التأخير؟
قامت الثورات المعاصرة لأن الشعوب العربية قد نضجت بما فيه الكفاية. بالتالي، يكون وقت الثورة قد حان، ووقتها يعني نهاية الرعب والخوف وانتهاء تحمّل الفقر والقمع والظلم، فقد بلغت الشعوب العربية قدراً لم تعد تحتمل فيه الكبت، إذ هي باختصار انفجرت بعد سنوات طويلة من الكبت وبالتالي ليس ثمة خط للرجوع لأن السيرورة التاريخية "إلى الإمام" لا بمنطق القذافي إنما بمنطق الشعب الذي بدأ ثورته بتحطيم مجسّم "الكتاب الأخضر" الذي جثم على أرواح الشعب الليبي أكثر من أربعة عقود، فحانت ساعة العمل ضده وضد خرافاته لينتهي أمره إلى ما انتهى إليه، وسيكون مصيره هو المصير ذاته الذي ينتظر زعماء آخرين إذا لم يمنحوا الشعوب حريتها وكرامتها وأموالها المنهوبة.
كيف تنظر الى شعارات الثورات الجديدة وهي الحرية وما شابه، على عكس الثورات القديمة التي كانت ترفع شعارات عريضة مثل الوحدة العربية ومناهضة الاستعمار؟
لا ثورات قديمة في العالم العربي، فإذا صرفنا النظر عن الكفاح ضد الاستعمار، فإن ما حدث في العالم العربي سابقاً هو انقلابات عسكرية لا ثورات، كانت نتيجتها زوال الحكم المدني وفرض حكم عسكري، كانت نتيجته تحطّم مفاصل الدولة كافة وتراجع المجتمع إلى حقبة أكثر سوءاً مما سبق، ولنا في العراق خير مثال، حيث كانت مرحلة الحكم الملكي الهاشمي أكثر حرية واستقراراً لا لأن الحكم الملكي هو الأنسب للعراق بل لأن نظام الجنرال عبد الكريم قاسم كان سيئاً لأنه جاء بشعارات وأقوال تخالفها الأفعال؛ فكانت النتيجة الوصول إلى نظام حكم أسوأ من الأسوأ وهو الذي أوصل صدام حسين إلى السلطة وكانت المحصلة النهائية حكماً شمولياً أوصل العراق إلى الحروب والدمار، ولم يتعافَ من هذا السوء حتى وإن جاء ديكتاتور جمهوري آخر يدعى نوري المالكي!
ما دور الفنون والشعر والرواية في هذه الثورات؟
الفنون تثور أيضاً. أو لنقل تتضافر مع الشعب في ثورته، وهنا تكون الثقافة محركاً وداعماً للثورة. ففي الثورة الفرنسية كان للفلاسفة والمفكرين دور مهم، وفي الجهة الثانية أدى الفنانون والصحافيون والشعراء والكتّاب دورهم أيضاً، وكأن الأمر يشبه خيوطاً تجتمع لتصنع حبلاً قوياً ينال به المجتمع حريته.
في الثورتين التونسية والمصرية، رأينا الممثلين والرسامين والشعراء والروائيين ينزلون إلى الشارع ليكونوا جزءاً عضوياً في جسد المجتمع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الثورة السورية. ألم نرَ إبراهيم قاشوش يصنع أشعاراً أصبحت شعارات يرددها الثوار السلميون؟ وهو نتيجةً لهذه الأشعار والمقطوعات الزجلية الساخرة تعرّض لبشاعة الذبح من قوى الظلام، لكن أشعاره بقيت على رغم ذلك إرثاً للثورة بعد رحيله الذي وضع النظام في مأزق.
أين أهل الثقافة من الثورات، آلا يشعر المثقف بفقدان دوره وحضوره أمام شجاعة الجمهور في مواجهة التسلّط والأنظمة؟
أظنّهم سيجدون أنفسهم داخلها إذا ما عُلق الجرس، فكثير من المثقفين والفنانين في مصر وسورية كانوا واضحين في مواقفهم بأنهم مع الثورة لا ضدها، وبعضهم دفع ثمناً لموقفه إما بالخروج خوفاً من بطش النظام أو التعرّض للقتل والضرب كما حدث مع رسام الكاريكاتور السوري العالمي علي فرزات، إذ ما إن تبدأ الثورة الشعبية يجد الإنسان نفسه متخذاً موقفاً ما منها سواءً كان مثقفاً أو غير مثقف، وكل مواجهة للتسلّط والديكتاتورية يكون لها ثمن.
هل يؤثر غياب النظريات على مستقبل الثورات العربية؟
بالطبع، فالنظريات هي تشخيص لواقع ولو لم يكن هذا التشخيص دقيقاً، إما أن يكون تشخيصاً قبلياً أو بعدياً. فالتنظير مهم جداً لأنه بمثابة خارطة الطريق للثورة، فالثورة تكون ثورة عقل أولاً ثم تتبعها ثورة الجسد، وعلى أية حال يبدأ التنظير الحقيقي بممارسة النقد وإعادة قراءة التاريخ على أسس علمية، لا مجال فيها للعاطفة والانحياز غير المنطقي.
هل أسّس الإسلام لثورة حقيقية أساسها مواجهة الظلم وإقامة العدل في العالم؟
بالتأكيد، أقلّه على المستوى النظري للنصوص، على رغم أن النبي عليه السلام بدأ دعوته بمواجهة الظلم وتحرير العبيد والمظلومين على مبادئ كانت واضحة لكنها خضعت في ما بعد للأدلجة بعد فترة زمنية قليلة من وفاة النبي، إذ تروي لنا المصادر التاريخية بأن الاختلاف على الحكم تم قبل دفنه صلى الله عليه وسلّم إلى مثواه الأخرى، أما اليوم فتأويل النصوص المتشدّد نتج منه خلط الدين بالسياسة ليصبح الأمر أشبه بعملية استثمارية الهدف منها الكسب السريع واحتكار السوق.
ما هو مفهوم الثورة وهل هي من الإسلام؟
الثورة هي العمل بالاحتجاج لنيل الحقوق، والإسلام دين يحتوي على واقع الحياة ويرفض الظلم مهما كان مصدره، ويعتبر أن الناس "أعلم بأمور دنياهم" ولهم الحق في تقرير مصيرهم، والدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأموالهم في حال الاعتداء، ونشوء الدين الإسلامي كان من خلال الثورة ضد الظلم واستعباد الناس، ويشير تاريخنا الإسلامي إلى أن الحركات السياسية التي حصلت كانت خلافاً على الحكم لا الدين وإن كان الدين أو المذهب يدخل أحياناً كغطاء لها.
ما مدى مشروعية الخروج على الحاكم في الإسلام، ومتى يجب أن يخرج المسلمون عليه، وهل ثمة شروط وضوابط لذلك؟
لا أريد أن أتحوّل إلى مفتٍ، لكن ثمة اختلافات فقهية في الخروج على الحاكم إذا كان ظالماً مستبداً وهذا الخلاف مستمر حتى يومنا هذاhellip; إلا أن ما يمكنني قوله في هذا الخصوص هو أن الإسلام دين وليس مرجعية سياسية بحسب الطلب، فما يحدث هو قمع للإنسان باسم الإسلام ليس من الإسلام في شيء، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول وهو قضية تسييس الإسلام وتحويله إلى "أيديولوجيا" ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر، وهنا تكمن الخطورة، حين يكون الدين حصان السلطة.
إلى أي مدى تتوافق الثورة مع المبدأ الإسلامي القائل بـ{الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وضرورات التصدي للحاكم الجائر والظالم الفاسد؟
لا أستطيع الجزم بهذا الأمر، لكن القضية من وجهة نظري هي أنه أولاً يجب الاتفاق على مفهوم المعروف ومفهوم المنكر، إذ إن ثقافتنا ما زالت تعاني من تحديد واضح للمفاهيم، فما يراه البعض منكراً يراه آخرون معروفاً، والعكس صحيح. لذلك نحن أمام أزمة تداخل في المفاهيم هي امتداد لأزمة تداخل وخلط التاريخي بالديني، حتى أصبح بعض المواقف الدينية يأخذ منحى سياسياً واضحاً من خلال تجييره لصالح السياسة حتى ولو جائرة، وهذه الشعوب تفقد توازنها وتسير مغمضة العينين خلف الأيديولوجيا المغلّفة بالدين ولو كان خلف حاكم جائر.
ما هو التأصيل الإسلامي للمعارضة السياسية، وهل ثمة نماذج واضحة في التاريخ الإسلامي؟
المعارضة السياسية شأن دنيوي لا ديني، لأنها اختلاف على طبيعة النظام الذي يفترض أن يكون عليه الحكم وأشكال القوانين، والنماذج كثيرة جداً في التاريخ الإسلامي، بدأت منذ حادثة سقيفة بني ساعدة حيث اختلف الصحابة بعد وفاة النبي مباشرة على الشخصية التي يجب أن تتولى أمر المسلمين، فحدث الخلاف الشهير بين المهاجرين والأنصار والذي انتهى بتولّي أبي بكر الصديق للخلافة. كذلك ثمة مرحلة جعلت المسلمين على مفترق طرق، وأعني بها "الفتنة الكبرى"، فهي نموذج يمكن من خلاله تتبّع المعارضة السياسية وتأثير السياسة في المجتمعات، حتى في مجتمع قريب من عهد النبوة، وتحتاج هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي إلى مزيد من البحث وإعادة القراءة.
هل ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية كان في حدّ ذاته ثورةhellip; ثورة على عبادة الأوثان التي كانت سائدة آنذاك؟
يمكن اعتبار ظهور الدين الإسلامي تحولاً اجتماعياً ودينياً في الوقت ذاته، فقد تشكّل مجتمع جديد نشأ على دين جديد ومختلف عما كان سائداً سابقاً، ونواة هذا المجتمع تشكّلت المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية الأولى. من هذا المنطلق، يمكن اعتبار الإسلام منعطفاً تاريخياً لا ثورة، لأن التغيير تشكّل وفق فترة زمنية طويلة، ولم يكن الدافع الأول الى الدعوة المحمدية سياسياً بل بدأ دينياً، ولم يكن للسياسة تأثير سوى بعد الهجرة حيث بدأت مرحلة الدعوة المدنية التي تختلف عن مرحلة الدعوة المكية.
برأيك، هل ثمة خوف من سيطرة الإسلام السياسي على الثورات العربية؟
يجب التأكيد أولاً على أن الثورة التونسية انتهت بعد هروب بن علي، وأن الثورة المصرية انتهت بعد تنحّي مبارك، وأن الثورة الليبية انتهت بعد سقوط القذافي، وأن من يأتي بعد انتهاء الثورة ليقول إنه صنعها أو قادها فذلك يوحي بهدف سياسي واضح، ويبدو أن الثورات طوال تاريخها يصنعها العظماء ويرثها الجبناء كما يقول نابليون. فالجماعات والأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية تحركت بعد انتهاء الثورات محاولة إقناع الجماهير لكي تظفر بالسلطة. وليس سراً أن هذه الجماعات قد تحظى بتأييد جماهيري في البداية، لكنها ما إن تصل الى سدة الحكم حتى تتغير الحسابات ووجهات النظر لتجد الجماهير نفسها أمام شعارات تختلف عن التطبيق في الواقع، وهذا ما يفقد الأحزاب السياسية المصداقية، وفي النهاية المرجِّح هو صندوق الاقتراع، والحكم هو الدستور الذي يجب أن يحترم ولا يقفز عليه مهما كان الانتماءات والشعارات.
هل النموذج التركي قابل لأن يطبَّق في العالم العربي، وهل ثمة خوف من خمينية جديدة؟
يجب أن أؤكد أولاً أن النموذج التركي مختلف تماماً عن نماذج العالم العربي السياسية كافة، لأنه نموذج علماني وُلد في بيئة علمانية يتم تداول السلطة فيها ديمقراطياً، على رغم الانقلابات العسكرية الأربعة التي حصلت في تاريخ تركياhellip; فتجربة حزب "العدالة والتنمية" التركي أصبحت نموذحاً للحزب الإسلامي المعتدل الذي يجيد اللعبة الديمقراطية ويوفّر سبل حياة مناسبة للمواطن، فهذا الحزب لم يدغدغ مشاعر الجماهير بالشعارات فحسب لكنه عمل بشكل علمي ووطني على تحسين الاقتصاد وتحسين علاقات تركيا بجيرانها وأتاحت الظروف لتركيا دوراً إقليمياً وعالمياً يتم في مرحلة مشرقة من تاريخها، لذلك لا يمكن أن يعاد إنتاج التجربة التركية إلا بتوافر شرطين مهمّين: الأول تخلّي الأحزاب الإسلامية عن التطرّف بأشكاله كافة التي تولد تسلطاً على المجتمع، والثاني مد الجسور للحكومات والمجتمعات الغربية التي تتوجّس خيفة من أن تتولى جماعة متطرفة حكم بلد عربي أو إسلامي، فتعاد تجربة إيران الخمينية أو "طالبان"، وبمعنى آخر هذه الأحزاب تحتاج الى ضوء أخضر عالمي وخارطة طريق واضحة في ما يخص التنمية بشتى جوانبها.