«الجهاد الأكبر» ... في ليبيا الجديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله ناصر العتيبي
أنهى المجلس الانتقالي الليبي مهمته الأولى المتمثلة في القضاء على حكم القذافي ونخبته، وبقيت له المهمة الأصعب والأطول التي تتمثل في وضع ليبيا على الطريق الصحيح الذي يأخذها إلى نعيم المدنية والديموقراطية والرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
القذافي، السياسي والعسكري، بات في حكم المنتهي، ولم يتبقَّ سوى القذافي، الحكواتي وصانع الأساطير ومؤلف النكات السمجة، الذي سيظل حاضراً في الذهنية الليبية والعربية سنوات عدة مقبلة كتعبير عن الأخطاء التاريخية الكبيرة التي تعبر زمننا بين حين وآخر.
الحكم والقوة على الأرض والقيادة في ليبيا أصبحت في يد الثوار الآن في شكل كامل، هي فقط عقبات صغيرة تحول دون بسط الثوار سيطرتهم على كامل التراب الليبي لن تلبث أن تتلاشى، ولن يستغرق الأمر كثيراً من الوقت حتى تنتفض المدن والقرى الليبية المتوجسة والخائفة وتنفض ليل معمر القذافي وتكشف رأسها للصبح الجديد أملاً في تعويض سنوات الحرمان والقسوة والتخلف الاقتصادي.
المهمة الأولى انتهت تقريباً أو هي في طريقها الحتمي الى الانتهاء، وبقيت المهمة الأصعب أو الجهاد الأكبر التي تتطلب من الليبيين كافة بذل الغالي والنفيس لإكمالها للوصول إلى البلد النموذج في المنطقة.
هناك كثير من الواجبات المستعجلة وتلك التي يمكن جدولتها في زمن منبسط فسيح، لكني سأتحدث في هذا المقال عن أهم المتطلبات الضرورية التي على الثوار أخذها في الحسبان والعمل على تنفيذها للعمل على تلافي الأخطاء التي وقع فيها ثوار الدول العربية الأخرى ولرسم طريق واضح المعالم تستطيع الدولة الليبية الوليدة عبوره إلى حيث الرخاء والنماء والتنمية والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد.
أولاً: الالتزام التام بخطة الطريق التي تم الإعلان عنها قبل أيام، بحيث يتم انتخاب المجلس التأسيسي بعد ثمانية أشهر بالضبط ليعمل على كتابة دستور جديد للبلاد، ثم تعقب ذلك انتخابات تشريعية بعد 20 شهراً تشمل المناطق الليبية كافة. هذا الإعلان المبشر جداً يجب أن يكون ملزماً قانوناً للمجلس الانتقالي الحالي وليس مجرد تطمينات مفرغة من محتواها للشعب الليبي والمجتمع الدولي.
ينبغي على أعضاء المجلس الانتقالي وضع خطة عمل علنية تحمل مهمات معينة قابلة للتحقيق خلال الأشهر الأربعة المقبلة، ثم للأشهر الأربعة التي تليها تمهد لإقامة انتخابات المجلس التأسيسي في وقتها، كيلا يفاجأ الشعب الليبي بعد ثمانية أشهر من الآن بعدم القدرة على إجراء الانتخابات بسبب حجج طارئة كما يحدث الآن في تونس ومصر!
ثانياً: العمل على بناء منظومة حكم مستقبلية تضمن تمثيلاً كاملاً للشعب الليبي وترد له اعتباره الذي صادره العقيد القذافي أكثر من 40 عاماً. الشعب الليبي يستحق بجدارة أن يحكم نفسه، فهو من جهة مؤمن بالتعددية وضرورة احترام التمايز، ومن جهة أخرى دارس ومجرب لحكم الفرد الديكتاتوري الذي كان يتفنن في التهميش والإقصاء. أليس هو القائل لرئيس مصر أنور السادات: "لنتحد في بلد واحد، فشعبك بلا زعيم وأنا زعيم بلا شعب"!
ثالثاً: الالتزام كذلك باختفاء أعضاء المجلس الانتقالي الحالي من المشهد السياسي بعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي، وعدم تعاطيهم العمل السياسي مدة تزيد على أربع سنوات كما تعهد بذلك محمود شمام المتحدث الإعلامي باسم المجلس وأحمد الجهاني وزير إعادة الإعمار.
يجب أن يكون هذا التنازل السلمي عن السلطة تمهيداً لمدونة الدستور الجديد، حتى يكون نافذاً وطنياً، وقاطعاً الطريق على المناورات الإعلامية التي من الممكن حدوثها بعد أشهر والتي قد تروج لرموز السلطة الحاليين بحجج المطالبات الشعبية أو عدم الوصول إلى نقطة الاستقرار المثالية!
قادة العمل الثوري تاريخياً وعلى امتداد خريطة العالم غير قادرين على تغيير أولوياتهم المتمثلة في التطهير، واستبدال أولويات البناء بها، وهذا ما يثبته منحنى المجد الذي يصعد خلال الثورة ويصل قمته عند نهايتها ثم يبدأ بالنزول إذا أصر القائد المطهر على البناء والتنمية.
رابعاً: العمل بسرعة على نزع سلاح الثوار واستبدال سلاح الشرطة والجيش به. كلما بقي السلاح في يد الثوار أكثر، رسخ ذلك قدرتهم الفردية والآنية على التغيير، وضخم في أفهامهم دور كل واحد منهم في القضاء على حكم معمر القذافي، وبالتالي سيسعى كل فرد منهم إلى البحث عن دور مهم في الحكم الجديد، ويجعل ذلك كل الثوار الذين شاركوا في التحرير، طبقة أوليغارشية، ديكتاتورية ربما!
خامساً: السماح لقوى دولية تعمل تحت علم الأمم المتحدة بالانتشار في الأقاليم الليبية، لقطع الطريق على تحول السلاح في يد الثوار إلى أداة هدم وقد كان قبل القضاء على القذافي أداة بناء. وجود قوات دولية لحفظ الأمن في ليبيا سيزيح قسراً الثوار غير الراغبين في التقاعد، وبالتالي يفسح الطريق للبنائين الجدد لتأسيس مستقبل أفضل غير خاضع لإملاءات واشتراطات البندقية.
سادساً: العمل على تحسين العلاقة مع الجزائر. لا يهم ماذا كان موقف الجزائر من الثورة، المهم الآن العمل على الوصول إلى نقطة تفاهم مع الجار الغربي تضمن تفرغ البلاد مستقبلاً للبناء والتنمية فقط.
سابعاً: التريث في إقامة علاقات كاملة مع إيران تحسباً لإثارة حساسيات قد تؤثر على علاقة ليبيا الجديدة مع بعض الدول العربية. على الليبيين الجدد أن يعرفوا أن حكومة علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني الذي اتصل بمصطفى عبدالجليل مهنئاً وداعياً إلى زيارة طهران "في أول فرصة"، لا تتوانى في "الفرص كلها" عن دعم الأنظمة الديكتاتورية العربية الشبيهة بنظام القذافي.
ثامناً: الدعم المعنوي للثورات العربية الطامحة إلى الحكم الرشيد في الدول العربية غير المستقرة حالياً. على الليبيين دعم إخوانهم الذين يشبهونهم بكل حزم ووضوح حتى لا يقعوا في فخ ردة الحكومتين المصرية والتونسية اللتين عجزتا حتى الآن عن إعلان موقفهما الصريح مما يحدث في اليمن وسورية!
تاسعاً: الإسراع في تفعيل عقود شركات النفط الغربية لضمان تدفق الأموال إلى الداخل الليبي، مع إخضاع العقود الروسية والصينية السابقة إلى تدقيق وتمحيص شديدين. فروسيا والصين اتخذتا موقفاً سلبياً من الثورة في بدايتها خوفاً على مصالحهما الآنية، فرفضتا في البدء إطلاق المجهود الدولي للتحرير ثم عادتا بعد التحرير لتطالبا المجلس الانتقالي بالحفاظ على مصالحهما التي كانت قائمة في عهد القذافي. على الليبيين أن يضعوا في الاعتبار مصالحهم الاقتصادية والأمنية، الآنية منها والمستقبلية، عند التعامل مع الوجود الصيني والروسي على التراب الليبي.