جريدة الجرائد

قمــة عـربيــة... بعــد الثــورات

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أحمد عبد الملك

لو تخيلنا عقد قمة عربية في مستقبل الأيام، بعد أن تهدأ الثورات، أو تزيد! فماذا يمكن أن يحدث؟ هل سيجلس "الثوار" أو من يمثلونهم مع القادة العرب الآخرين؟ وما هي طبيعة الحوار الذي يمكن أن يدور بين "الثوار" و"غير الثوار"؟ بل ما هي القضايا التي ستكون أكثر إلحاحاً لدى المجتمعين؟ وهل يصلح ميثاق الجامعة العربية لمرحلة ما بعد الثورات العربية؟!

سيركز التونسيون والمصريون -وربما الليبيون- على التغيير، ورفض الفساد وإقصاء رموزه، وتحقيق دولة القانون والمجتمع المدني! وهذا بحد ذاته سيكون حجر عثرة أمام القادة، لأن بقية الدول العربية قد لا تتواءم طبيعتها مع "الحزمة الثورية" الجديدة! وهنالك من الإرث التاريخي والجغرافي والتراثي ما يصعّب عملية التحول التي يطالب بها "الثوار"، ناهيك عن طبيعة بعض المجتمعات العربية التي تحرص على التقليدية في كل شيء!

كما قد يركز الليبيون والسوريون واليمنيون -بعد أن يمن الله عليهم بالنصر- على تغيير الدساتير العربية بحيث لا يبقى رئيس الجمهورية العربي في الكرسي إلا فترة رئاسية واحدة لمدة 4 سنوات تكون قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط، حسب النموذج الأميركي. بل إن رئيس الجمهورية ينبغي أن يأتي عن طريق صناديق الاقتراع، دون أية مواصفات أخرى غير الكفاءة. وهذا أمر سيكون مزعجاً في القاعة، لأن الظروف في بعض البلاد العربية قد لا تسمح بمثل هذه التطورات. وفوق ذلك أيضاً قناعات تاريخية وجغرافية وتراثية تحول قد دون تحقيق هذا الهدف.

وقد يطالب "الثوار" بتحديد العلاقة مع الغرب! وهنا أيضا قد يُحرج آخرون، كون هذا الموضوع حساساً جدّاً وتترتب عليه تبعات كبيرة، لعل أهمها إلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل، واتفاقيات أخرى مع الولايات المتحدة. وهناك أيضاً قناعات تاريخية وجغرافية واستراتيجية ربما تحول دون تحقيق هذا الهدف.

وسيطالب "الثوار" بمجالس شعب أو برلمانات منتخبة دون سيطرة الحزب الواحد على مقاليد الأمور! وكذلك فهذا أمر قد يُحرج آخرين ممن يرون استحالة تحقيق هذا المطلب. وهنا أيضاً سيتم الرجوع إلى تلك القناعات السابقة.

ويبقى الأغرب طبعاً لو طالب "الثوار" بثورات مماثلة في بعض البلدان التي لم تصلها الثورات العربية! وهنا حتماً ستضجُّ القاعة، وتخرج الوفود العربية إلى أجنحتها في الفندق، ويبدأ أمين عام جامعة الدول العربية جهوده لـ"رأب الصدع العربي" وإعادة الوفود إلى القاعة. وحتماً ستبدأ الزيارات الودية فيما بين القادة من أجل وضع تصور يُنقذ القمة مما هي فيه، ويحفظ للعرب صورتهم التوافقية في الإعلام الغربي. وسيتم الإعلان عن مواقف دول "الاعتدال العربي" ودول الثورة.

وهنا سيلعب "الدولار" دوراً مهمّاً في تلطيف الأجواء! ذلك أن بلدان الثورات خزائنها فارغة -اللهم إلا من الأموال التي جمّدتها الدول الغربية وأميركا والتي خطفها الزعماء السابقون- وتحتاج هذه البلدان، بعد ثلاثين أو أربعين عاماً من سوء الإدارة والفساد والرشوة وتخريب البنى التحتية، إلى إعادة إعمار، وستتنادى الدول العربية الغنية من أجل ذلك "الجهد القومي العربي" لإنشاء صندوق لدعم الدول التي تريد إزالة آثار "ما بعد الثورات"، بما يكفل لها الاستقرار والاقتصاد المزدهر.

ولهذا الأمر ثمنه أيضاً! فالمطالبات التي أعلنتها وفود "الثوار" يجب أن تُسحب، لأنها تُعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى! وهنا سيخرُج "الثوار" من القاعة ويتمترسون في أجنحتهم بملابسهم "الكاكية"، ويعلنون رفضهم لـ"الابتزاز السياسي"، وأن مصلحة الأمة العربية فوق أية مصلحة، ولابد من تقديم تنازلات دون التعدي على الدول الأخرى أو الحط من قيمتها، وخصوصاً أن بلدان الثورات تعتقد أنها قد أعادت للإنسان العربي قيمته الإنسانية وخلصته من حقب القهر والاستبداد وفقدان الكرامة.

وفي هذه الأثناء تبدأ القنوات الفضائية جهودها -كما فعلت إبّان الثورات- من أجل البحث عن جديد في القمة! وقد يخرج قائدٌ من مجتمع "الثورات" يطالب بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة! فيما يخرج قائدٌ من الحكومات العربية الأخرى المعتدلة ليعلن أن الحكمة تقتضي الحوار، وأن الدول العربية لا تفرقها الأزمات العابرة، وأن الجهود يجب أن تُوجه نحو القضايا المصيرية، وأن بلاده مع أي جهد عربي يحقق مطالبَ الأمة العربية العليا.

وبعد جهود مضنية تُعقد جلسة مغلقة لا تدخلها وسائل الإعلام! وتعترض وفود "الثوار" على عدم بث وقائع الجلسة على الهواء مباشرة كي يعرفها العرب كافة. كما يعترض الصحافيون العرب على عدم إدخالهم القاعة، تماماً كما حصل في الجلسة الأخيرة الخاصة بمحاكمة رئيس مصر السابق مبارك عندما تم الإعلان عن سرية الجلسات القادمة للمحاكمة.

وهنا يحاول أمين عام جامعة الدول العربية تبرير عدم بث وقائع الجلسة على الهواء مباشرة بالقول إن "لدى القادة العرب مواضيع مهمة جدّاً وحساسة ولا ينبغي أن تخرُج إلى العلن إلا بعد الاتفاق عليها"!

وفي سابق الزمان حصل تراشق بالصحون الصينية في إحدى جلسات وزراء الخارجية العرب. كما حدث سبٌّ وتلاسن بين رئيسي وفدي بلدين عربيين -أكثر من مرة- على الهواء مباشرة، كما حدث اتهام أمين عام جامعة الدول العربية بالخيانة والعمالة من قبل "زعيم" نظام عربي منهار!

هل يعيد التاريخُ نفسه؟! هل انتهينا من شعارات القومية والأمة العربية ذات الرسالة الخالدة، إلى شعارات "الثورات تريد ثورات"؟! نأمل ألا نشهد هذا السيناريو المتشائم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف