أبعاد السياسة الخارجية في الثورات العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد القديدي
يتذكر القراء العرب الألقاب و النعوت التي أطلقها الإعلام على الانتفاضات الكبرى التي هزت عددا من المجتمعات العربية منذ شهور فوصفت التونسية بثورة الياسمين حينا والمصرية بثورة الكرامة حينا آخر و اليمنية بثورة الحرية و الليبية بثورة عمر المختار والسورية بثورة الأحرار إلى آخر قائمة الاجتهادات. و توحي كل هذه التسميات بأن الشعوب قامت ثائرة ضد منظومة حكم داخلي لم تتغير و لم تقرأ حسابا لطموحات الأمة ولم تسمع لأصوات الشباب و لم تتأقلم مع متغيرات العصر من تكنولوجيا الاتصالات التفاعلية حتى أن بعض المراقبين الدوليين أطلقوا على الثورات العربية اسم ثورات الفيسبوك وبعضهم الآخر ابتهج بما سماه الربيع العربي.
و بالطبع فإن هذه النعوت صحيحة لكنها صحيحة نسبيا و جزئيا. فقد وقع إهمال البعد الدولي في الثورات أي بعد السياسات الخارجية العربية التي استهدفها الشباب العربي الغاضب. فلم تكن الثورات تنطلق حصريا من البطالة و التهميش و الفساد و الاستبداد فحسب بل انطلقت أيضا من رصيد الغضب الكامن في ضمائر الناس من سياسات الخنوع لإملاءات القوى الخارجية التي مع الأسف تساند ظلم المحتل الإسرائيلي لشعب عربي شهيد و مقاوم هو الشعب الفلسطيني البطل.
فالحكومات العربية التي لها تماس مع فلسطين لم تناصر هذا الشعب الشقيق بما تفرضه أخلاقنا أولا و بما تقتضيه حتى مواثيق الدفاع العربي المشترك التي وقعها العرب. فالشعور السائد لدى جماهير العرب هو أن مصر واصلت سياسة كامب ديفيد و أوصدت معبر رفح و استقبل رئيسها مبارك كل القادة الإسرائليين دون أي ثمرة تقطف لصالح القضية العادلة بل بلغ التردي في مصر درجة كون وزيرة الخارجية الصهيونية (تسيبتي ليفني) أعلنت من القاهرة حربها على قطاع غزة. و لم يكن عمرو موسى أفضل حالا لأننا رأيناه يضحك مع بعض وزراء الخارجية العرب ملأ الأشداق بينما غزة ما تزال تحت النار و الرصاص المسكوب. أما تونس في عهد رئيسها السابق بن علي فتوجت دبلوماسيتها بفتح مكتب في تل أبيب و عينت على رأسه دبلوماسيا برتبة سفير. و في سوريا بلد الممانعة يعرف كل الناس أنه لم تطلق رصاصة واحدة ضد المحتلين الصهاينة للجولان على مدى نصف قرن.
و جاءت أحداث الجمعة 9 سبتمبر أيلول في القاهرة حول سفارة إسرائيل لتعيد هذا البعد الحساس و الهام إلى دائرة الضوء ليدرك العالم بأن للثورة العربية أبعادا دولية ربما أوجزناها في إرادة تغيير العلاقات الدولية العربية من مرحلة الخنوع المخجل لصلف إسرائيل و حاميها الكفيل الأمريكي المؤيد للظلم الصهيوني بلا ضوابط إلى مرحلة التعبير الحقيقي و الكامل لإرادة الناس أي ابتكار سياسة خارجية جريئة كالتي انتهجتها الدبلوماسية التركية حتى و تركيا تحترم مستحقات عضويتها لحلف الناتو.
و هنا لا بد من التذكير بحادثتين هزتا الضمير العربي و المسلم خلال السنة الأخيرة : الأولى هي العدوان السافر على أسطول الحرية و استشهاد تسعة مواطنين أتراك جندلهم رصاص الجيش الإسرائيلي على ظهر الباخرة المسالمة المتجهة نحو كسر الحصار الجائر على قطاع غزة و التي تلاها موقف رجب طيب أردوغان المشرف و الذي أعاد بعض النخوة للأمة. و نذكر كيف تعاملت حكومة تركيا مع الصلف الإسرائيلي دون ضغوط من الشارع التركي حيث عبر رئيس الحكومة أردوغان عن غضبة مشروعة برد الإهانة الدبلوماسية و مغادرة حوار جمعه مع شيمون بيريز ثم إعلان التحرك للأسطول التركي في البحر الأبيض لحماية سفن السلام.
و الحادثة الثانية هي قتل خمسة جنود مصريين على الحدود برصاص الصهاينة و بدم بارد رغم وجود معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل. وفي هاتين الحادثتين تأكد للرأي العام العربي و المسلم بأن ناتنياهو يرأس حكومة قمع و غطرسة و قوة واصلت ما بدأه شارون مع العدوان على غزة الشهيدة منذ أعوام خمس. و الأهم أن الشباب العربي الذي أنجز إرادة الشعب المصري بالقضاء على نظام حسني مبارك أدرك بأن الوقت حان للاعتبار بما حدث على الحدود و أصبح يطالب بإعادة النظر في المعاهدة المصرية الإسرائيلية و في اتفاق تصدير الغاز المصري للعدو. وهنا يأتي البعد الدولي للثورة المصرية الذي لم يتوقعة المجلس العسكري الأعلى و الذي يرأسه المشير طنطاوي (20 عاما وزيرا للدفاع مع مبارك).
على خلفية هذه الأحداث و استباقا للمستقبل قرأنا التهديد الواضح الصادر عن الجنرال إيال أيزنبرغ قائد الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي للشعوب العربية حين قال يوم الجمعة 9 سبتمبر بأنه يتوقع حروبا بين إسرائيل و الدول العربية التي حققت ثوراتها مؤكدا أن هذه الثورات تهدد أمن إسرائيل. الحقيقة و الخلاصة أننا أمام تغييرات جوهرية في منظومة العلاقات الدولية برمتها بدءا من مساندة عربية قوية و فعلية لحقوق الشعب الفلسطيني على ضوء انحسار بطش إسرائيل و تحمل الشعوب العربية لأمانة مصيرها.