أيلول الفلسطيني: إنهاء الاحتلال أولاً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ماجد الشّيخ
ها هو أيلول يحل، أو يهل بما يحمله أو يعوَّل عليه من استحقاق اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، من دون أن تتراخى القبضة الفلسطينية عن القبض على "جمر الدولة"، في الوقت الذي لا تتراخى القبضة الإسرائيلية عن القبض على محاولات إفشال الخطوة الفلسطينية، التي تتضارب الآراء بشأنها فلسطينياً وإسرائيلياً، وحتى أميركياً وأوروبياً، من دون الوصول إلى أي شكل من أشكال القواسم المشتركة التي يمكن أن تساعد الفلسطينيين على إعلان دولتهم، وما يمكن ان يعقب ذلك من تداعيات، أو أن يساعد الإسرائيليين على إفشال الخطوة الفلسطينية، وما يمكن أن تخلقه من متاعب لحكومة نتانياهو الغارقة في مشكلات داخلية وخارجية لا حصر لها، من الاجتماعي إلى السياسي، وصولاً إلى الأمني والعسكري.
في ظل هذه الأجواء، تندفع حكومة نتانياهو للتحذير مما سمته "مخاطر إستراتيجية" قد تترتب على الخطوة الفلسطينية، في وقت يضع قادة الجيش الإسرائيلي اللمسات الأخيرة على خطة متعددة المستويات لمواجهة التظاهرات الفلسطينية المحتملة، بينما حذّر رئيس ديوان رئاسة الحكومة من مغبة أن يؤدي اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية إلى تأجيل المفاوضات حول التسوية الدائمة لسنوات طويلة.
ووفق مداولات أجرتها القيادة السياسية الإسرائيلية، تم تشخيص ثلاثة مخاطر أساسية يمكن أن تترتب على اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، الأول: أن يخرج الفلسطينيون إلى الشوارع بعشرات الآلاف، لإثارة عنف متواصل على نمط ثورات ربيع الشعوب العربية، والثاني: أن تستخدم منظمات مؤيدة للفلسطينيين القرار في الأمم المتحدة، لتشديد المقاطعة ضد إسرائيل. أما الثالث: فهو توجُّه السلطة الفلسطينية إلى منظمات دولية لمهاجمة إسرائيل لفرض عقوبات عليها بسبب المستوطنات القائمة في الضفة الغربية.
وفي الاتجاه ذاته، عبّرت السفيرة الإسرائيلية السابقة لدى الأمم المتحدة غابرييلا شاليف في مقابلة أجرتها معها صحيفة معاريف (9/2)، عن بالغ قلقها من تداعيات الخطوة الفلسطينية على إسرائيل، التي ستبدو مثل جنوب أفريقيا زمن التفرقة العنصرية. وعلى هذا، فإن إسرائيل سوف تواجه "تسونامي سياسياً" لم يسبق لها أن شهدت له مثيلاً.
وأقرت شاليف، التي أنهت مهماتها في الهيئة الدولية قبل فترة وجيزة، بأن عدداً من الأحداث المتلاحقة في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بدءاً بالحرب على غزة، مروراً بتقرير غولدستون، ثم وقف المفاوضات مع الفلسطينيين، فالاعتداء على قافلة السفن التركية المتضامنة مع القطاع، أدّى بإسرائيل إلى الحضيض في الأمم المتحدة. ورأت أن الولايات المتحدة لن تكون هذه المرة في جيب إسرائيل و "الأميركيون ليسوا دمى بأيدينا، وإننا نسير من سيّء إلى أسوأ، وفي الطريق نخسر الولايات المتحدة".
أوروبياً، وبعد اجتماع الثالث والرابع من الجاري في بولندا، توقع ديبلوماسيون أوروبيون استمرار الانقسامات في صفوف الدول الأعضاء، بين مجموعة تبدي استعدادها للتصويت لصالح الدولة الفلسطينية وأخرى ترفض هذا الخيار. من بين المجموعة الأولى هناك 7 دول ستصوت لصالح قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، هي: إسبانيا وإيرلندا وقبرص ومالطا وسلوفينيا والسويد ولوكسمبورغ، واحتمالاً فنلندا والدانمارك إذا فاز اليسار في انتخاباتها العامة في الأيام المقبلة، في حين تتصدر هولندا الدول التي تعارض بشدة التوجه الفلسطيني، إلى جانب ألمانيا وإيطاليا ودول أوروبا الشرقية. لكن هناك من الدبلوماسيين من يتساءل عن الموقف الذي ستتخذه فرنسا (التي تدعم الثورات العربية)، ويرجح أن تميل بلجيكا صوب الموقف الفرنسي والبريطاني، فيما يتذبذب موقف البرتغال بعد فوز اليمين في انتخاباتها الصيف الماضي.
على الجانب الفلسطيني، يحتدم جدل واسع بين قوى واتجاهات متعددة داخل الوضع الوطني، منها ما يراهن إيجاباً على خطوة الاعتراف الأممي، ومنها ما ينظر سلباً إلى الخطوة الفلسطينية المنتظرة في العشرين من أيلول (سبتمبر) الجاري. وقد كشف أكاديمي قانوني، هو الباحث الفلسطيني في جامعة يورك البريطانية محمد أبو هاشم، في بحث مفصل، أن ما يسمى "استحقاق أيلول ما هو إلاّ فخ سياسي تستدرج إليه السلطة من أجل تصفية القضية الفلسطينية".
تناول الباحث ثلاث نقاط خطيرة ستترتب على إعلان الدولة:
أولاها، أن إعلان الدولة سيترتب عليه إسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وتساءل الباحث: "من هو الفلسطيني في حالة إعلان الدولة؟!"، وأوضح أن منح اللاجئ الفلسطيني الجنسية الفلسطينية سيترتب عليه سقوط صفة اللاجئ عنه بموجب القانون الدولي، أما في حالة عدم منح اللاجئين الجنسية الفلسطينية، فسيترتب على ذلك قطع العلاقه القانونية بينهم وبين الدولة الفلسطينية، وبالتالي لن تستطيع الدولة الناشئة الدفاع عن حقوق هذه الفئة الكبيرة من الشعب الفلسطيني. والأهم أن منظمة التحرير ستتحول من ممثل للكل الفلسطيني إلى منظمة مجتمع مدني تعنى بحقوق اللاجئ الفلسطيني، وهذا يحقق رغبة بعض الأطراف في إنهائها.
ثانياً، كشف الباحث أن خطوة أيلول ستُسقط خيار الدولة الواحدة، الذي يعتبره أهم الأوراق التفاوضية في جعبة المفاوض الفلسطيني، مؤكداً أن خيار الدولة الواحدة أكثر ما يرعب الجانب الإسرائيلي، ويُعتبر آخر سلاح في جعبة المفاوض الفلسطيني في حال تعنت الطرف الآخر.
النقطة الثالثة: أن إعلان الدولة سيحوِّل القضية الفلسطينية من قضية إنهاء احتلال الى قضية نزاع حدودي بين دولتين، ما سيضعف القضية الفلسطينية ويُفقدها البُعد الاخلاقي.
وقد حذَّر الباحث من أن المفاوض الفلسطيني سيفقد بذلك أهم ورقتين تفاوضيتين يملكهما، واعتبر أن قضية اللاجئين ليست فقط من قضايا الحل النهائي، بل هي من أهم أوراق التفاوض التي يملكها الجانب الفلسطيني، إلى جانب فقدانه الورقة الأخرى المتمثلة في خيار الدولة الواحدة، الذي اعتبره بمثابة سلاح إستراتيجي في يد الجانب الفلسطيني، مشبهاً اياه بـ "القنبلة الذرية" التي تجعل المفاوض الإسرائيلي مضطراً للجلوس إلى طاولة المفاوضات. وتساءل: "ما الذي سيدفع الجانب الإسرائيلي للجلوس إلى طاولة المفاوضات بعد سقوط هاتين الورقتين؟!"، خاصة بعد سقوط ورقة المقاومة الفلسطينية المسلحة بسبب الانقسام الفلسطيني.
أخيراً، تمكن الإشارة إلى موقف المستوطنين المتطرف تجاه الخطوة الفلسطينية، فقد صعّدوا تهديداتهم للفلسطينيين، ليعلنوا أنه في حال الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة، فإنهم سيقومون بمسيرات كبيرة تتجه نحو القرى الفلسطينية. ونقل موقع "ولا" الإخباري على شبكة الإنترنت وثيقة وقعها تنظيم استيطاني متطرف تحت عنوان "أيلول ليس تهديداً، إنما فرصة لتغيير قواعد اللعبة"، تدعو مئات آلاف المستوطنين إلى الخروج "للدفاع عن بيتنا وعدم انتظار أحد ليفعل ذلك". وتتضمن الوثيقة الخطوات الواجب على المستوطنين اتخاذها، مثل الخروج من المستوطنات في مسيرات لمواجهة التظاهرات الفلسطينية، بدل التقوقع فيها وانتظار الفلسطينيين: "أولادنا في مواجهة أولادهم، نساؤنا في مواجهة نسائهم، وشبابنا أمام شبابهم، وهكذا نغير قواعد اللعبة".
وإذ يعوّل الإسرائيليون بإجماعهم المعهود على إفشال الخطوة الفلسطينية، وبدعم حلفائهم الأميركيين وغيرهم، فإن واقع الانقسام الفلسطيني، والوضع القيادي العاجز عن صياغة مهمات اللحظة السياسية التكتيكية والإستراتيجية، لا يقدمان للخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة ما يمكِّنها من إنجاز مهمة الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، وستبقى الخطوة مجرد خطوة أخرى تضاف إلى إعلان الاستقلال في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، من دون أن يتجسد من هذه الخطوة ما يمكن البناء عليه، طالما أن المهمة الكفاحية الراهنة والملحّة ستبقى مهمة إنهاء الاحتلال، وإلاّ فإن أي خطوة أدنى أو أقل ستبقى قاصرة عن بلوغ الهدف الذي يصبو إليه الشعب الفلسطيني: التحرر من الاحتلال.