جريدة الجرائد

البطريرك اللبناني ومأزق النظام السوري

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


خالد الدخيل


هناك ما يشبه التماهي، بل وربما التلازم الواضح بين موقف البطريرك اللبناني الجديد بشارة الراعي، الذي أعلنه من باريس قبل أيام، وبين الخطاب السياسي للنظام السوري وهو يواجه أزمة وجودية في مواجهة الشعب الذي يفترض أنه يمثله. فالنظام يخوف الأقليات والغرب من أصولية وسلفية تحركان الثورة في سورية، والراعي يستجيب وتتلبسه هذه المخاوف. الغريب أن كليهما، موقف الراعي وخطاب النظام، يعبر عن مرحلة تبدو في إطار الانتفاضات الشعبية العربية أنها تتجه نحو أفق الغروب. ثانياً، ولناحية أن الراعي يمثل الطائفة المارونية، وأهم قيادات النظام السوري تنتمي للطائفة العلوية، يعبر موقف الأول كما الثاني عن مخاوف اتسم بها موقف الأقليات في المنطقة، وهو موقف له سمة أنثروبولوجية من ناحية، وسمة نابعة من تاريخ كل دولة تشكلت في هذه المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. هذا من حيث العموم. أما من حيث التفصيل، فأنا لا أملك تفسيراً واضحاً لموقف الراعي في الظرف الحالي، لأنني لست مطلعاً على تاريخ الصرح الماروني في لبنان، ولا على تاريخ الراعي نفسه. لذلك أجد نفسي مضطراً للاستناد إلى ما يقوله على الأقل بعض الكتاب اللبنانيين عن هذه المسألة. وهنا أكاد ألمح ما يشبه الإجماع بأن موقف الراعي لا يتسق أبداً، حسب الكاتب اللبناني جهاد الزين، مع تاريخ الكنيسة المسيحية. يقول الزين في مستهل مقالته في صحيفة النهار الأربعاء الماضي عن تصريحات الراعي، إنها ".. ليست مجرد مواقف غير مألوفة صادرة عن الرئيس الجديد للكنيسة المارونية، وإنما هي بما تعنيه حرفياً، انقلاب حقيقي في مواقف هذه الكنيسة، ليس قياساً بالبطريرك السابق مار نصرالله صفير، وإنما بما هو أبعد من ذلك". لماذا، وكيف؟ لا يبدو أن في الأمر أكثر بكثير من الخوف الدفين والمزمن للأقلية من تولي الأكثرية لمقاليد السلطة. يسجل الزين ملاحظة لافتة مفادها بأنه كان للمسيحيين دور ثقافي وسياسي في سقوط الإمبراطورية العثمانية. لكن الادعاء كما يقول، بأن النخب المسيحية ساهمت من دون تحفظات أو تعقيدات في إخراج الفرنسيين من لبنان وسورية، هو نوع من "الترويج السطحي". كانت هذه النخب، حسب الزين، قلقة ومتخوفة مما قد تنتهي إليه حركة الاستقلال هذه، وهذا الخوف وذاك القلق هو ما عبر عنه سيد الصرح الماروني في العاصمة الفرنسية من الثورة الشعبية ضد النظام السوري.

ربما أن في الماضي، وفي الحاضر أيضاً ما يبرر مثل هذه التوجسات والهواجس. لكن من حيث إن التاريخ بطبيعته يتحرك، وغادر محطات كثيرة، يُنتظر من القيادات والنخب أن تكون أكثر قدرة على إدراك هذه الحركة، واحتمالات توجهاتها. ومن هذه الزاوية، تبدو تصريحات الراعي وكأنها خارج الإطار: تبدو دينية أكثر من اللازم، وطائفية بأكثر مما يحتمل الموقف، وبالتالي منحازة بما قد تصبح بسببه نبوءةً تحقق ذاتها بذاتها، فمنطقة الشام تمر في هذه اللحظة بمنعطف سيبرهن عن نفسه، مهما كانت نتيجة الثورة السورية، بأنه منعطف تحولي وحاسم. ومع أن مثل هذه المرحلة الانتقالية عادة ما تكون بيئة خصبة لإثارة المخاوف، وإشعال جذوة التوجس، إلا أنها أيضاً مرحلة مليئة بكل ما هو مختلف عما ألفناه في التاريخ السياسي العربي الحديث، وبالتالي مليئة بكل ما يبرر الأمل، وتغيير نبرة الخطاب الطائفي، ووجهة الموقف السياسي.

يبدو كما لو أن البطريرك اللبناني لم يستوعب تماماً طبيعة أزمة النظام السوري، وأنها من نسيج مختلف عما ألفته المنطقة طوال تاريخها، وبالتالي تتطلب مقاربة مختلفة، وإعادة تموضع في الخطاب الذي اعتادت عليه المنطقة وتربى عليه الجيل الذي ينتمي إليه الرئيس الجديد لصرح بكركي. فمثلاً، يشترك النظام السوري مع النظام العراقي السابق في أن كليهما يخضع -ولو شكلياً- لحكم حزب البعث، وكلاهما أيضاً يمثل حكم عصبة أسرية تنتمي إلى أقلية دينية وليس قومية في بلده، وكلاهما تميز بأنه من أكثر الأنظمة العربية استبداداً وجرأة على القمع، والاستهانة بكرامات الناس. سقط النظام العراقي السابق على أيدي قوات غزو أجنبية، وبتعاون من معارضة اقتربت بعض عناصرها من حد العمالة، وبعد أن استلمت الحكم من الأميركيين عمقت تحالفها مع طهران، جاعلة من العراق ساحة للنفوذ الإيراني. ومع كل ذلك، بل وبالرغم منه، جُيِّرت مأساة المسيحيين في العراق تحت الاحتلال من قبل البعض للمقاومة والإرهاب الإسلاميين فقط، وليس للوضع المستجد بكل تركيبته وللعوامل التي أدت لنشأته. في هذا السياق، من المعروف أن حال المسيحيين في الأردن وسورية كانت دائماً في التاريخ الحديث أفضل بكثير من حالتهم في العراق، بل إن سورية هي الدولة العربية الوحيدة بغالبية سنية التي تولى رئاسة الحكومة فيها عام 1955 شخص مسيحي، هو فارس الخوري.

من هنا، ليس واضحاً تماماً إن كان موقف الراعي تعبيراً عن مخاوف متأصلة في الثقافة، أم عن رؤية طائفية متأصلة هي الأخرى. ومصدر اللبس أنه يعتبر أن سقوط النظام السوري قد يشكل خطراً على المسيحيين في المنطقة. كأنه في هذه الحالة يريد من السوريين تقبل النظام السوري والتعايش مع استبداده وإعطاءه كل الفرص لتصحيح نفسه، حتى ولو أدى ذلك إلى قتل وتشريد وتعذيب وتشويه عشرات الآلاف من السوريين. والأغرب في هذا الموقف أنه يأتي رغم أن ما يواجهه النظام السوري، وعلى عكس ما واجهه النظام العراقي السابق، هو انتفاضة حقوقية وسياسية شعبية من الداخل، وليس تدخلاً أو تهديداً أجنبياً، هذا فضلاً عن أن المصدر الوحيد لهذه الثورة هو الظلم الذي لحق بسورية، بمسلميها ومسيحييها، ولذلك جاء خطابها معبراً باستنارته عن المظالم التي تصدر عنها، وعن التطلعات التي ترنو إليها. شعار هذه الانتفاضة هو "سورية بدها حرية". والحرية إما أن تكون للجميع، أو لا تكون على الإطلاق. لكن البطريرك الراعي بدا في تصريحاته وكأنه يقول للسوريين: حقكم الطبيعي في الحرية له ثمن باهظ سيكون علينا نحن المسيحيين أن ندفعه، وبالتالي فإن حقكم يتناقض للأسف مع حقنا الطبيعي في البقاء في المشرق كمكون أساسي من مكوناته الحضارية. وهذه رؤية ليست حصيفة، لأنها أولاً تستعجل الأمور وتحكم على نتائج الثورة مسبقاً، وثانياً لأنها تعتبر أن الاستبداد هو ترياق الطائفية وصمام الأمان لحقوق الأقليات، وهي بذلك تضع هذا المشرق أمام معادلة صفرية أبدية: إما الاستبداد أو الحروب الطائفية. ماذا عن حقيقة أن العلمانية والحرية والديموقراطية هي الضامن الوحيد لحقوق الجميع: كل الجماعات وكل الطوائف؟

ولعله من الواضح أن النظام السوري بطبيعته، وبتاريخه الذي يمتد لأكثر من أربعين سنة، لم يتسع، ولا يمكن أن يتسع لقيم مثل الحرية والعدالة والديموقراطية، وهذا تحديداً هو مأزق هذا النظام في هذه اللحظة، فسورية الآن تمر بلحظة مواجهة فاصلة بين نظام تأسس على المفهوم الأمني للدولة، وعلى القمع والقتل ومصادرة الحريات من ناحية، وبين شعب وصل إلى قناعة أنه ليس أمامه إلا التضحية بأغلى ما يملك في سبيل الانعتاق، والحرية. كيف يمكن أمام هذه المواجهة الانحياز، مهما كان المبرر، إلى طرف الاستبداد والقتل، ضد طرف الانعتاق والحرية؟ وإذا ما افترضنا أن البطريرك لا يمكن أن يكون ساق تصريحاته وفقاً لهذا المنطق، إلا أن هذه التصريحات وضعته في موقف ملتبس. وهو الموقف الذي لا يزال يحاول توضيحه، وربما تصحيحه.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أطلبوا الديمقراطية
جورج خزام -

يا سيد خالد يا من يتطاول على شخص بمستوى البطريرك أتمنى لو أنك تطلب الديمقراطية و حقوق الأنسان وحقوق المرأة و تشكيل الأحزاب وووو غيرها في بلدك و جيرانها البحرين و الأمارات و قطر وعمان قبل أن تطلبها في سوريا .......و دع السوريين يطلبون ما يريدون بعيدا عن اموالكم وإعلامكم وكفاكم تأجيجا وتثويرا للوضع.

أطلبوا الديمقراطية
جورج خزام -

يا سيد خالد يا من يتطاول على شخص بمستوى البطريرك أتمنى لو أنك تطلب الديمقراطية و حقوق الأنسان وحقوق المرأة و تشكيل الأحزاب وووو غيرها في بلدك و جيرانها البحرين و الأمارات و قطر وعمان قبل أن تطلبها في سوريا .......و دع السوريين يطلبون ما يريدون بعيدا عن اموالكم وإعلامكم وكفاكم تأجيجا وتثويرا للوضع.

الى جورج خزام
مثل سائر الناس -

البطريرك كسائر رجالات الدين المسيحي والاسلامي انسان من لحم ودم يخطىء ويصيب , وليس عيبا أو ( تطاولا ) أن تنتقد أفكاره أو توجهاته خاصة عندما يؤازر نظاما يذبح وينكل بشعبه يوميا وقد انتقده حتى زعماء طائفته المارونبة ,,,,, زمن القديسين المنزهين قد ولى حسب علمي .

مخاوف وتخوّفات:
(الدلاي لاما) -

في تصريح جديد لأحد أبرز ارباب الشعائر الدينية قال رجل الدين البوذي المعروف (الدلاي لاما) انه يخشى على مستقبل البوذيين في الصين في حال تغيير النظام السوري وقد ابدى (تخوّفه) الشديد من أن التسرع في أتخاذ قرار بضرورة تغيير النظام الحالي قد يؤدي الى تهديد حقيقي للطائفة البوذية في العالم..!!

مخاوف وتخوّفات:
(الدلاي لاما) -

في تصريح جديد لأحد أبرز ارباب الشعائر الدينية قال رجل الدين البوذي المعروف (الدلاي لاما) انه يخشى على مستقبل البوذيين في الصين في حال تغيير النظام السوري وقد ابدى (تخوّفه) الشديد من أن التسرع في أتخاذ قرار بضرورة تغيير النظام الحالي قد يؤدي الى تهديد حقيقي للطائفة البوذية في العالم..!!

رداً على جورج خزام
ahmad abdallah -

أنا سوري وأتطاول على شخص بطريركم فهو من بدأ بإعلان العداء لطائفتي السنة وإحتقار دماء شهدائنا والتحالف مع عصابة المافيا الفسدية( والذي يدق على الباب يسمع الجواب) وعلى كل سني أو علوي أو مسيحي متعامل مع آل أسد أن يعلم بأنه سيحاسب على ما إقترفت يداه وما دعى وحرض به بلسانه، وأريد أن أبشرك بأننا بالرغم عن أنوفكم سنقلب حكم الأقلية الطائفية لتحل مكانها حكم الأغلبية( أليس الأمر ديموقراطياً؟) ولا يصح إلا الصحيح فما عليكم إلا إختيار حلفائكم، وإذا لم يعجبكم حكم الأغلبية فإطرقوا رؤوسكم بالحائط، فعلاً يللي إستحوا ماتوا، لن يطول الأمر فإنتظرونا، وقل لمطرانك أنه سيحاسب على تحريضه الطائفي

المسيحيون العرب
الدرازى -

المسيحيون العرب لايؤمنون بالغرب الخبيث ألأوروبيون هم اللذين أجبروا ألأسرائيليين لأحتلال اءسرائيل وألأتراك أيضا اول دولة فى العالم اءعترفت فى اءسرائيل هى تركيا وهم كلهم كذابين ماذا احتلال تركيا للأسكندرون واءحتلال قبرص وقسم من ارمينيا وألأكراد

أفيون
سلمى -

لن تستقيم أمورنا بل مصيرنا من سيئ الى أسوأ ما دام رجال الدين من كافة الطوائف يتدخلون بالسياسة والحكم.

المسيحيون العرب
الدرازى -

المسيحيون العرب لايؤمنون بالغرب الخبيث ألأوروبيون هم اللذين أجبروا ألأسرائيليين لأحتلال اءسرائيل وألأتراك أيضا اول دولة فى العالم اءعترفت فى اءسرائيل هى تركيا وهم كلهم كذابين ماذا احتلال تركيا للأسكندرون واءحتلال قبرص وقسم من ارمينيا وألأكراد

قنابل من دخان
أيمن -

بعض الإخوة من الخليج العربي يعيشون في فزع مسترسل من إيران. فكما كانوا يخافون من العراق حين أصبح قوة عسكرية كبيرة بعد حرب الخليج الأولى وتآمروا عليه ودمروا دولته، فإنهم أيضا يشعرون اليوم بهلع دائم من إيران لأنها أصبحت ذات قوة عسكرية وعلمية ملحوظة. فأي دولة مجاورة لهم تصبح قوة تثير الانتباه، يتخوفون منها ويسعون لضربها، كما حدث لمصر في عهد عبدالناصر حيث اشهروا العداوة لمصر الناصرية. هؤلاء الإخوة الخليجيون يتظاهرون اليوم أنهم متعاطفون مع الشعب السوري، وأنهم متأثرون بعدد الضحايا الذين يسقطون من أبنائه جراء الاضطرابات، ويستعجلون إزاحة النظام الحاكم في دمشق. الهدف طبعا هو إزالة نظام الأسد من الطريق نظرا لتحالفه مع إيران، للتفرغ للثورة الإسلامية الإيرانية لضربها في نهاية المطاف. العدو بالنسبة لهم لم يعد إسرائيل، لقد أصبح إيران، إنهم يريدون التخلص منها، وما التباكي على الشعب السوري إلا قنابل دخان في محاولة يائسة لإخفاء الهف الحقيقي من وراء استعجالهم إسقاط نظام بشار الأسد. من يصدق أن أنظمة ديكتاتورية عفنة يمكنها أن تنشغل بعذابات شعوب أخرى جراء الاستبداد؟؟ الذي يقهر ويضطهد شعبه القريب منه، كيف يعبأ لما قد يحصل لشعب بعيد عنه؟؟

فعلاً يلي إستحوا ماتو
جورج خزام -

فعلاً يللي إستحوا ماتوا . و البطريرك شخص منفتح يدعم المقاومة و حقوق الشعب الفلسطيني وهو كرجل دين مسيحي يدعو دوما للحوار مع المسلمين كما أنه لايعارض أن يكون الحكم في أي بلد عربي حكم ديمقراطي وطني و ليس حكم ديني أسلامي كما يفكر السلفيين السوريين ( الديمقراطيون الجدد اتباع العرعور ) الذين يتشبهون بالأتراك الأردوغانيون .

فعلاً يلي إستحوا ماتو
جورج خزام -

فعلاً يللي إستحوا ماتوا . و البطريرك شخص منفتح يدعم المقاومة و حقوق الشعب الفلسطيني وهو كرجل دين مسيحي يدعو دوما للحوار مع المسلمين كما أنه لايعارض أن يكون الحكم في أي بلد عربي حكم ديمقراطي وطني و ليس حكم ديني أسلامي كما يفكر السلفيين السوريين ( الديمقراطيون الجدد اتباع العرعور ) الذين يتشبهون بالأتراك الأردوغانيون .