"القاعدة": عقد على تفجيرات 11 سبتمبر

عبدالله خليفة الشايجي

مر عقد على تفجيرات 11 سبتمبر 2001 التي غيرت من وجه ونظرة أميركا لنفسها ونظرة الآخرين للدولة العظمى. غيرت تلك التفجيرات العقيدة الاستراتيجية والأمنية للولايات المتحدة وأدخلت مفهوم الحرب على الإرهاب والحروب والضربات الاستباقية والتعامل مع طرف ولاعب من غير الدول. وبرز تنظيم "القاعدة" الذي كانت نواته قد تشكلت إبان الحرب الأفغانية ضد السوفييت بدعم أميركي وتقديم ابن لادن ورفاقه في ثمانينيات القرن الماضي كمجاهدين في وصف ريجان لبن لادن والمقاتلين العرب الذين كانوا يقاتلون السوفييت.

نشط تنظيم "القاعدة" في التسعينيات وارتكز على مفهوم محاربة الولايات المتحدة التي أصبحت اللاعب الرئيسي في المنطقة بسبب المتغيرات الجيوستراتيجية ومحاصرة إيران والعراق في احتواء مزدوج في عهد كلينتون ومن ثم التحالف مع أصدقاء واشنطن. تمحورت مطالبات "القاعدة" حول محاربة الوجود العسكري الأميركي والأنظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة. واستخدمت القضية الفلسطينية وإسرائيل كعامل محفز لترويج فكرها وكسب الشارع العربي والإسلامي. والواقع أن تنظيم "القاعدة" وجه ضربات عديدة للولايات المتحدة قبل 11 سبتمبر. فكان تفجير المدمرة كول في عدن عام 2000. وقبل ذلك كان تفجير مبنى السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998. وكانت المطالبات برحيل القوات الأميركية من المنطقة. وتحدث بن لادن عن فسطاطين، والضربة الموجعة في 11 سبتمبر 2001 في ضرب رمزي لقوة أميركا العسكرية والمالية.


خلال عقد دخلت أميركا في ثلاث حروب دامية ولم تحسم أياً منها؛ على أفغانستان وعلى العراق وعلى "القاعدة". ووجدت أميركا نفسها تحارب "طالبان" و"القاعدة" في أفغانستان ثم تحارب "طالبان" باكستان. وتتصيد قيادات التنظيمين في البلدين وقيادات "القاعدة" بصفة خاصة في اليمن والصومال، بطائرات بدون طيار. واليوم بعد مقتل أكثر من 6200 عسكري أميركي في حروب أميركا وجرح 30 ألفاً وإنفاق 3 تريليونات دولار واغتيال ابن لادن في أكبر عملية أمنية أميركية في التاريخ الحديث، وتعقب وقتل واعتقال قياديين آخرين في التنظيم. لقد نجحت أميركا في إلحاق هزائم متلاحقة بـ"القاعدة". كما نجحت في منعها من القيام بأي عمل إرهابي في الداخل الأميركي أو ضد مصالحها وأهدافها الحيوية في الخارج. وجففت منابع تمويلها وألحقت بها ضربات متتالية موجعة، وذلك بالتعاون والتنسيق مع حلفائها من دول وغير دول (مثل الصحوات في العراق).

أما تنظيم "القاعدة" فلم ينجح في إيجاد حل للتعامل مع القوة الضاربة التي تستهدف قياداته وكوادره، وآخرهم مقتل الرجل الثاني في نسيجه داخل باكستان الليبي عطية عبد الرحمن، وقبل أيام اغتيال قائد عمليات التنظيم أبو حفص الشهري بطائرة بدون طيار. لكن استخدام أميركا للطائرات بدون طيار يأتي بكلفة عالية على علاقة أميركا الإستراتيجية مع حلفائها. فباكستان، حليف أميركا الاستراتيجي واللاعب الرئيسي في حربها على الإرهاب، لم يعد يثق بالجانب الأميركي ويمنعه من استخدام قواعد جوية بسبب الاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار. كما أن حليفاً آخر لأميركا هو كارزاي بدأ يصفها بأنها قوة احتلال وينتقد "الناتو" بسبب الخسائر الكبيرة التي تلحق بالمدنيين جراء استهداف عناصر "طالبان" و"القاعدة" .

وحتى محاولات "القاعدة" لأمركة كوادرها وتجنيد أميركيين معتنقين للإسلام، لم تنجح في القيام بعملية نوعية. مثل عمر عبد المطلب الذي فشل في تفجير طائرة ركاب فوق نيويورك بخلط مادتين كيماويتين عشية عيد الميلاد عام 2009، وفيصل شهزاد الذي فشل في تفجير سيارة دفع رباعي في قلب مانهاتن. يؤكد مايكل هايدن مدير عام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأن "هجمات القاعدة في المستقبل ضد الولايات المتحدة ستكون ضعيفة وغير منظمة ولديها فرص نجاح ضئيلة وأقل فتكاً. لكن قد تكون المحاولات أكثر عدداً."

ورغم تأكيد التقرير السنوي لأنماط الإرهاب الصادر عن وزارة الخارجية بأن "القاعدة لا تزال تشكل التهديد الإرهابي الأكبر للولايات المتحدة الأميركية بسبب شبكاتها في باكستان واليمن والصومال"، ورغم زيادة عدد عملياتها بنسبة 5 في المئة، فإن عدد قتلى العمليات الإرهابية تراجع للعام الثالث على التوالي بنسبة 12 في المئة. والملفت أن ثلاثة أرباع العمليات وثلاثة أرباع ضحايا تلك العمليات الإرهابية وقعت في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

إلا أن مستشار الرئيس الأميركي لمكافحة الإرهاب، جان برنن يؤكد أنه من المؤمل أن يتم القضاء على قيادات "القاعدة" خلال السنوات القادمة. وقد أشاد برنن بـ"تصميم أوباما و نجاحه في تعقب واغتيال قائد التنظيم بن لادن"، مشيراً إلى أنه خلال العامين والنصف العام الماضيين تم اغتيال وتصفية أكثر من نصف قيادات "القاعدة" وتصفية جميع قادة العمليات لأفرعها، وآخرهم أبوحفص الشهري.

لكن مع كل تلك الانتصارات التي يفاخر بها الأميركيون، فإن المواجهة لا تزال مستمرة ولم يتم حسمها مع "القاعدة" التي ضعُفت لكنها لم تهزم. وقد حذرت قيادات أمنية أميركية، وإن بشكل مبالغ فيه، من قيام "القاعدة" بعمليات انتحارية وانتقامية عشية الذكرى العاشرة لتفجيرات 11 سبتمبر، انتقاما من اغتيال ابن لادن.

مواجهة الإرهاب ليست بالبعد الأمني، بل يجب على القيادة الأميركية الاطلاع على دراسة الباحث الأميركي روبرت بايب والمعنونة: "لماذا أميركا ليست آمنة اليوم؟"، حيث يؤكد بالإحصائيات أن 95 في المئة من العمليات الانتحارية بسبب الاحتلال الأجنبي في الدول التي تقع فيها عمليات انتحارية، وليس بسبب الجماعات الإسلامية. ويؤكد بايب أن انتهاء الاحتلال الأجنبي يقود إلى تراجع بل توقف العمليات الانتحارية. فمثلاً "لم تحدث أي عملية انتحارية ضد إسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان. وانخفضت العمليات الانتحارية ضد القوات الأميركية بأكثر من 80 في المئة منذ أن أعلنت سحب قواتها المقاتلة من العراق".

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن أميركا المتراجعة والمنسحبة من العراق وأفغانستان، ستواجه عمليات أقل ضدها إذا ما انسحبت وغيرت من سياستها ومواقفها. لقد تغيرت "القاعدة" وتراجع دورها وتأثيرها وحضورها، بعد أن تلقت ضربات موجعة هذا العام تمثلت في اغتيال بن لادن وتمدد الربيع العربي الذي أثبت إفلاس وعدم جدوى فكر "القاعدة" الذي يعتمد على التغيير بالقوة، فإذا بالشعوب تصنع التغيير. وبانتظار أن يتضح ذلك، سيتعين على أميركا استيعاب دراسة "بايب" وتطبيقها للمساهمة في انحسار واحتضار كلي لتنظيم "القاعدة" بعد عقد من تفجيرات 11 سبتمبر.