لا أسأل أين سنصير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جهاد الخازن
اختلف جيران في قرية إنكليزية هادئة فكان أن وضعت زوجة أحدهما دمية سوداء في نافذة تطل على بيت الجيران، واعتبرت زوجة الثاني هذا التصرف إهانة عنصرية لأنها سوداء من أصول في البحر الكاريبي، فرفعت قضية على جارتها التي اعتقلتها الشرطة للتحقيق، وانتهت القضية في المحاكم ولا تزال.
تعلمت من الخلاف بين الإنكليز أصل كلمة golliwog التي تطلق تحديداً على دمية أطفال مصنوعة من القماش، وهي اكتسبت شهرة لورودها في عدد من روايات الأطفال بالإنكليزية. وقرأت أن الجنود البريطانيين الذين عملوا في مصر في القرن التاسع عشر رأوا هذه الدمى في أيدي الأطفال المصريين وعادوا بمثلها الى بلادهم. والكلمة نصفها عربي ونصفها إنكليزي، فالجزء الأول مأخوذ من كلمة غول بالعربية. والنصف الثاني يمثل الحروف الأولى من لقب الجنود البريطانيين العاملين خارج بلادهم في تلك الأيام.
حديثي اليوم هو عن الجيران لا اللغة، ومع ذلك أجد اللغة جزءاً من الموضوع، وفي الإنكليزية عبارة ذائعة هي "العيش على مستوى أسرة جونز" بمعنى أن يحاول جار الظهور بمستوى جار أكثر منه ثروة حتى إذا لم يكن دخله يمكنه من ذلك. وهو ينتهي بأن ينفق مالاً لا يملكه ليشتري أشياء لا يحتاج إليها لينافس إنساناً لا يحبه. وأصل العبارة عنوان مسلسل كاريكاتوري أميركي بدأ سنة 1913 واستمر 26 سنة.
أسهل من منافسة الجار ما اقترح رجل حكيم، قال: لا تحاول أن تصعد الى مستوى أسرة جونز. أنزلهم الى مستواك.
غير أن حب المظاهر الفارغة غريزة أقوى في النفس البشرية، ما يجعل بعض الناس يسعى الى الثروة بكل الوسائل، المشروعة وغير المشروعة، وهو ما تشرحه عبارة إنكليزية أخرى هي "حب المال أساس كل شر"، وأصلها موجود في العهد الجديد من الكتاب المقدس، في إحدى رسائل القديس بولس، إلا أنها تختلف في كلمة عن المثل المستعمل فالنص الأصلي يقول: "حب المال أساس كل شر". وكان الإمام علي قال: لو كان الفقر رجلاً لقتلته، وهو لو فعل لارتاح الناس من التنافس على طلب المال. وقال إنكليزي ساخراً: الكتاب المقدس يقول لنا أحبوا جيرانكم، أحبوا أعداءكم، ربما لأنهم الشخص نفسه.
أعود الى الجيران، فقد تذكرتهم (أقيم في لندن والعلاقة بين الجيران لا تعدو هز الرأس في سلام صامت بين بعضهم بعضاً في الشارع) وأنا اقرأ نتائج دراسة إنكليزية شملت حوالى ألفين من الجيران، وتبين منها أن أكثر ما يزعج الإنكليزي هو الصوت العالي في الصباح، وبعده، موسيقى صاخبة، وسرقة موقف السيارة في الشارع، والتدخل في شؤون الجيران، أي "الحشرية" بالعامية، وإقامة حفلات صاخبة، ووجود أطفال مزعجين يصرخون أو يبكون، والحيوانات الأليفة، وأخيراً إصرار الجار على الحديث عن أي شيء أو لا شيء.
في دراسة أخرى لجامعة ميسوري نشرتها مجلة "العلوم الاجتماعية والطب" توصل الباحثون الى تسجيل الآثار السلبية على فقير جاره غني، فهو يحاول أن يجاريه ولا يستطيع، ما يؤدي الى ضغوط نفسية وشعور بالمهانة واعتلال في الصحة وسويداء، وغير ذلك من مشاكل.
الجار الفقير قال لجاره الغني: الفلوس ليست أهم شيء في العالم. الحب أهم شيء. ورد الجار: من حسن الحظ أنا أحب الفلوس. هو يستطيع أن يحب من يشاء، وما يشاء، شرط أن يبتعد عن زوجة جاره، ففي الوصايا العشر: لا تشته امرأة جارك، أو بيته أو حقله، أو عبيده من ذكور وإناث، أو ثوره أو حماره، أو أي شيء يملكه. (أقول للقارئ المسلم غير المطلع على الدين اليهودي إن الوصايا ليست عشراً كاسمها المعروف، وإنما قرأت 17 منها في سفر "الخروج" و21 في سفر "التثنية").
أعتقد أن العرب سباقون في موضوع الجار، وأحفظ حديثاً نبوياً يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. ونحن نقول: الجار قبل الدار، وهو مثل سمعته من رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، في حديث خاص في إسطنبول السنة الماضية.
وجدت أن الســيد أردوغان يتقن بعض العربية، مع أنه حدثـــني عن طريق مـــترجم، وهو قال رداً عليّ "شكراً جزيلاً". وعندما تحدثنا عن علاقات تركيا مع دول الجوار العربية، خصوصاً سورية، كرر المثل "الجار قبل الدار" بالعربية مرتين. وقال لي الرئيس بشار الأسد بعد ذلك إن الحدود مع تركيا التي كانت شريطاً من الألغام أصبـــحت مفتوحة. واليوم أجدها تستضيف خيام اللاجئين، وقد عــاد التـــوتر. وأقول: ويـــن كنا ووين صرنا. ولا أسأل أين سنصير، خشية أن يكون القادم أعظم.