«عض الأصابع»... بين المعارضة والنظام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالرحمن الخطيب
الأسبوع الماضي كان حافلاً بالأحداث المثيرة المتلاحقة في سورية، كان النظام والمعارضة، على السواء، يمارسان خلاله لعبة عض الأصابع. الأول كان يسعى جاهداً للإسراع في إخماد الانتفاضة الشعبية التي دخلت شهرها السابع، في محاولة منه للهروب إلى الأمام، ولكن النتائج كانت تأتي عكس ما يأمل؛ لأن شباب الانتفاضة كانوا في السابق يركزون على الخروج عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع، ولكنهم في الأسبوع الماضي أصبحوا يخرجون كل يوم وفي أوقات مختلفة، تجنباً لحضور رجال الأمن والشبيحة الذين كانوا يسارعون لقتلهم واعتقالهم. ولكن النظام بالمقابل استشرس في همجيته ودمويته، إذ قام بقتل 51 متظاهراً عقب صلاة الجمعة الأسبوع الماضي، وهو أعلى رقم في أعداد الشهداء يقع عقب تظاهر صلاة الجمعة إلى حد الآن.
ومقابل ازدياد عدد المنشقين من الضباط والجنود عن الجيش لمصلحة المعارضة، كان آخرهم ضــابط برتبــة عقيد، أحرز النظام هدفاً معنوياً كبيراً ضد المعارضين باعتــقاله الــمقدم المنشق من الجيش حسين هرموش، الذي فر إلى تركــيا، وذلك باستدراجه إلى سورية بشكل غامض. وقد نتـــج عن هذه الحادثة بداية شرخ بين الحكومة التركية التي تدعــي أنها مع الثورة الشعبية ضد النظام، وبين الشعب السوري المناهــض للنظام، بعد اتهام الاستخبارات التركية بأنها هي التي ســـلمته.
المعارضون السوريون أخذوا أيضاً يسابقون الزمن لتوحيد صفوفهم، بعد إحساسهم بأن خلافاتهم لن تفضي إلا إلى مزيد من هدر الوقت، ومزيد من هدر الطاقات، ومزيد من التنافر والتباعد، والتجاذب، والقدح، والذم. فقد اجتمع الكثير منهم الأسبوع الماضي في ثلاث مدن مختلفة، وكل مدينة تقع في قارة مختلفة. الكل يدعي الوصل بليلى؛ ليأخذوا شرعيتهم من وجودهم على أساس أنها تمثل الشارع والثورة. وكل اجتماع أصدر قائمة بأسماء معارضين تختلف عن القوائم الأخرى. ولكن جماعة الإخوان المسلمين تمكنوا في المؤتمر الأخير، الذي عُقد في إستانبول، من إصدار قائمة من 72 اسماً، أُطلق عليهم صفة "المجلس الوطني الانتقالي". كان من الواضح من هذه القائمة أنها طُعّمت ببعض المعارضين من ذوي التوجهات العلمانية، والقومية، ومن الأكراد، ومن المسيحيين. بعض تلك الأسماء يحمل أيديولوجية معينة كانت مخالفة تماماً لتوجهات المنظمين لتلك الاجتماعات فكراً، ومنهاجاً. ولكنهم في الآخر اتفقوا جميعاً على هدف مشترك واحد، هو رفض الحوار مع النظام، والسعي إلى إسقاطه، والمناداة بالتدخل الدولي لحماية المدنيين. في مقابل ذلك أعلن النظام من طرفه عن إطلاق مشروع حوار داخلي بين أطياف الشعب كافة في كل المحافظات، ولكن هذا الحوار في الحقيقة لم يكن إلا بين مؤيدي النظام أنفسهم، وكان سقف مطالباته انتقاد النظام في المجالات الخدمية والفساد المستشري فقط.
النظام لجأ، بجانب استمراره في الحل الأمني في قمع الثورة، إلى التحرك سياسياً. إذ أرسلت مستشارة الرئيس بثينة شعبان إلى موسكو في محاولة منه لاسترضاء روسيا، بعد التصريحات الأخيرة التي صدرت عنها بأنها ستوقف التعاون العسكري معه. كما أرسل بشار الأسد سراً صهره اللواء آصف شوكت، الذي عينه الأسبوع الماضي نائباً لوزير الدفاع، بسبب اكتشافه الباكر لمحاولة وزير الدفاع السابق، علي حبيب، الانقلاب على النظام قبل شهرين، أرسله إلى إيران لاستشفاف موقفها الأخير الذي طالبت فيه النظام بالتوقف عن قتل المدنيين. كما أرسل النظام أيضاً البطريرك اللبناني الماروني بشارة الراعي إلى فرنسا للتوسط لدى فرنسا، ولإقناعها بأن النظام الحالي هو أفضل تعاملاً مع الجالية المسيحية السورية من أي نظام آخر سيأتي بعده. تلك المحاولة باءت بالفشل، وصدر بيان من الطائفة المسيحية السورية يندد بموقف بشارة الراعي.
بعد موافقة النظام لزيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، وإبراز تصريحاته الرافضة للتدخل الدولي في سورية وكأنها انتصار كبير له، عاد وندد بقرارات الجامعة العربية المطالبة بنقل السلطة سلمياً. بل إن بثينة شعبان هددت صراحة، وبلغة بذيئة، الزعماء الخليجيين الذين يقفون وراء الضغط على الجامعة العربية لطرد سورية من عضوية الجامعة، بأن النظام سينشر أفلاماً إباحية وفضائح جنسية عنهم.
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بدوره اتهم بشار الأسد بأنه لم يفِ بالوعود الكثيرة التي قطعها، ودعا إلى القيام بعمل دولي موحد ضد النظام السوري، وأعرب عن قلقه بشكل خاص بشأن ما وصفه بالطريقة القمعية المفرطة في التعامل مع الاحتجاجات التي قُتل فيها أكثر من 3000 مدني حتى الآن. والبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ عاد وأكد أيضاً أن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته بسبب استعمال القوة ضد المتظاهرين، ودعاه إلى التنحي فوراً. ودعا أعضاؤه إلى تحقيق مستقل وشفاف وفعال حول الاغتيالات والتوقيفات والاعتقالات التعسفية، وحالات الاختفاء القسري والتعذيب، التي اتهمت بها قوات الأمن السورية. ودعا زعماء الاتحاد الأوروبي إلى تبني عقوبات عدة جديدة بحق النظام، يتوقع أن تشمل، إضافة إلى حظر الاستثمارات النفطية، منع تزويد البنك المركزي السوري بطبع الأوراق النقدية في أوروبا، وطرد السفراء السوريين في الدول الأوربية كافة. جاء الرد سريعاً من النظام حين دعا وفداً من مجلس البرلمان الروسي لزيارة سورية لتقصي الحقائق، لكي يكتب تقريراً ممالئاً له كما يشتهي ويرغب.
مع كل تقدم في مسار الصراع بين المعارضة والنظام المستبد، تنفتح الساحة على احتمالات جديدة. وقد عبّر بعض الزعماء السياسيين في الغرب من خلال تصريحاتهم، عن أن مفهوم التدخل الدولي بات مقبولاً عند فئة كبيرة من الشعب السوري. خصوصاً بعد ترحيب شريحة كبيرة من الشعب السوري للزيارة التي قام بها السفيران الأميركي والفرنسي لعائلة الناشط السياسي غياث مطر، الذي استشهد بيد رجال الأمن، نتيجة التعذيب الشديد الذي تعرض له. كانت تلك الزيارة خطوة غير مسبوقة لسفراء دول عظمى يفهم منها تحديهما للنظام في دعم الانتفاضة الشعبية. ولزيادة الضغط على النظام، دعت الولايات المتحدة الأميركية مواطنيها لمغادرة سورية بأقرب فرصة، وحذت حذوها المملكة العربية السعودية حين أعلنت أنها تكفلت بإعادة 3500 من رعاياها إلى أراضيها. في الآخر يبقى الأمر، من الذي سيصرخ ألماً في الأول نتيجة العض، النظام أم المعارضة؟