مستقبل سوريّ - لبنانيّ آخر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
حازم صاغيّة
يرى أفراد سوريّون ولبنانيّون، مؤيّدون للانتفاضة السوريّة، أنّ من السابق لأوانه مطالبة الانتفاضة بموقف من لبنان. ذاك أنّ بيئة الانتفاضة مشغولة الآن بهمٍّ راهن ومُلحّ ومصبوغ بدم كثير. وهذا صحيح بطبيعة الحال.
ويذهب سوريّون ولبنانيّون آخرون، يؤيّدون الانتفاضة أيضاً، أبعد من ذلك معتبرين أنّ مثل هذا الموقف غير مطلوب أصلاً. والحجج هنا كثيرة: فعند البعض أنّ القضاء على الاستبداد ونظامه يتكفّل حلّ المسائل العالقة تلقائيّاً. وعند البعض الآخر أنّ التلاقي العقائديّ، "القوميّ" خصوصاً، يزيل المشكلة أصلاً.
أغلب الظنّ أنّ عقدة العلاقة بين دمشق، عاصمة الدولة المركزيّة الكبرى في المشرق، وجيرانها الصغار، أعقد من هذا بكثير. فالأردن لم تُحلّ مشكلة ترسيم حدوده مع سوريّة إلّا قبل أشهر. وفلسطين لا تزال في نظر كثيرين "سوريّة الجنوبيّة"، فيما الخريطة الرسميّة السوريّة لا تزال تتجاهل الحدود القائمة بين الدول كما لو أنّها رسم على رمال. أمّا لبنان تحديداً فتاريخ علاقته بالهيمنة السوريّة مديد ومعقّد يستغرق نصف عمره كبلد مستقلّ. وما يضاعف المخاوف ذاك التراكم البليد من المواقف اللفظيّة والسلوكيّة التي تنجرّ عن هجاء سايكس بيكو و "تقسيم الوطن العربيّ".
والحال أنّ المطالبة بموقف تاريخيّ للانتفاضة مقصودٌ منه، أوّلاً، توكيد طابعها الديموقراطيّ ومن ثمّ تكريسه. فلا يمكن أن تترافق الدعوة الديموقراطيّة، الحاضرة بقوّة في الانتفاضة، مع التمسّك بالنهج الإمبراطوريّ السابق. ولنا في ذلك تجربتان على الأقلّ في هذا المجال: ففي أواسط السبعينات، حين قامت "ثورة القرنفل" في البرتغال، كان جزءاً لا يتجزّأ منها تحرير أنغولا والموزامبيق وباقي المستعمرات في أفريقيا. وفي 1917، مع الثورتين المتتابعتين في روسيا، تُرجم "حقّ تقرير المصير" موافقةً على استقلال فنلندا التي كانت حتّى حينه "دوقيّة روسيّة كبرى".
بطبيعة الحال ليست العلاقة بين سوريّة ولبنان علاقة مستعمِر بمستعمَر على النحو الذي ربط روسيا بفنلندا أو البرتغال بمستعمراتها الأفريقيّة. لكنْ مع هذا هناك التعامل الإمبراطوريّ الذي لا بدّ أن تكسره الانتفاضة في حال انتصارها المرتقب، والذي يمثّل كسره أحد أبرز معايير ديموقراطيّتها.
وموقفٌ تاريخيّ كهذا، يطمئن اللبنانيّين الباحثين عن اطمئنان، سيكون من أكثر الأدوات فعاليّة في عزل اللبنانيّين الذين لا زالوا، لأسباب متفاوتة، يتعاطفون مع السلطة الدمشقيّة. كما سيحاصر القوى العنصريّة في نظرها إلى الشعب والعمالة السوريّين وفي تعاملها معهما.
وهذا المطلب ليس تعبيراً عن تعلّق جوهريّ بـ "نهائيّة" الأوطان. إلّا أنّ اطمئنان الشعوب إلى أنّ بلدانها "نهائيّة" هو وحده ما يتيح تفكيك هذه "النهائيّة" والارتقاء، بالتالي، إلى مصاف أرقى سياسيّاً وإنسانيّاً. أمّا في ظلّ الخوف، فلا يتكرّس إلّا البُعد الأكثر رجعيّة وصوفيّة في التمسّك بـ "النهائيّة" هذه.
والانتفاضة السوريّة لا بدّ أن تجد نفسها، عاجلاًً أو آجلاً، مدعوّة إلى التعامل مع المسألة هذه لأنّها، على رغم ظاهرها الخارجيّ، داخليّة جدّاً. فلا يمكن إطاحة البعث أن تستأنف قوميّة البعث وإمبراطوريّة دعوته إذ، في هذه الحال، تغدو الانتفاضة أقلّ من تضحياتها الكبرى وترسو على تغيير سياسويّ ضيّق للنظام القائم.
فالمطالبة، إذاً، بمستقبل سوريّ - لبنانيّ آخر ليست ترفاً بقدر ما أنّها، هي وحدها، المطالبة بالمستقبل.
التعليقات
فرق كبير
عبدالله العثامنه -انها لعبة شد الحبل... المؤيدون للأنتفاضه يدركون ان المعارضين خاسرون واعداء الثوره لا يعترفون بالهزيمه وان اعترفوا ماطلوا وسوفوا وشوهوا لكن الأكيد ان كل الذين يؤيدون الثوره السوريه في لبنان(وهم كثر) بدأوا بخطوه الألف ميل نحو المكاسب وربما قطعوا العديد من الخطوات الى الأمام ولا تراجع اما الذين خسّرتهم الثوره السوريه فانهم الى الوراء ولا تقدم........فرق كبير
الوهم
عابر -يعيش بعض اللبنانيين في الوهم حين يتصورون أن نجاح الثورة السورية سيؤدي إلى تغيير التحالفات القائمة حاليا بين النظام السوري الحاكم والأفرقاء اللبنانيين. يصعب تصور أن نظاما سيأتي ليحكم سورية بعد نظام بشار الأسد سيفرط في تحالفه الاستراتيجي القائم مع حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والمردة... ليقيم تحالفا بديلا عنه مع المستقبل والكتائب والقوات برئاسة جعجع. مع المشروع السياسي الذي يتبناه هؤلاء للبنان، فإن أي تحالف معهم يعني قبولا للتفاوض مع إسرائيل وفقا للشروط المملاة من جانبها، أي أننا سنكون أما استسلام لإسرائيل وتفريط في الجولان وتضييع لها إلى أبد الآبدين. الثورة السورية، إذا نجحت، ينبغي بمقدار تحريرها للمواطن من الاستبداد، بنفس المقدار يتعين عليها أن تحرر ما تبقى من الوطن من الاحتلال. هذا هو المعيار الذي سيميز عهدا للحكم عن عهد آخر ويجعله أرقى وأفضل منه. بل إن تحرير المواطن السوري من الديكتاتورية سيفضي إلى إلحاحه في المطالبة بتحرير وطنه من الاحتلال الصهيوني، وفي هذه الحالة ستكون حاجة النظام السوري لحزب الله، وربما حتى لإيران، أكبر من حاجة الحزب لهذا النظام ولإيران. أما إذا فكر الحكام السوريون الجدد في دخول دهاليز التفاوض من الموقع الضعيف وبالتخلي عن حزب الله، فأمامهم تجربة محمود عباس، والتجربة المصرية. لقد وقع استرجاع سيناء ولكن ضاعت مصر، وتاه نظام الحكم فيها إلى أن اندلعت ثورة الشباب التي أطاحت بنظام كامب ديفيد وتطالب حاليا بإغلاق سفارة إسرائيل في القاهرة..