لبنان: حكومة في قبضة «حزب الله» وأكثرية في يد جنبلاط
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
|بيروت - "الراي"|
توزع المشهد في بيروت على السجن والمستنقع في دلالة "رمزية" لما هي عليه "الحياة السياسية" في البلاد التي تنتظر في "زنزانة" الزلزال السوري وتغرق في بحر من السيناريوات القائمة، في ضوء ما سيكشف عنه "الصندوق الاسود" للمحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والجرائم الاخرى "ذات الصلة".
ولم تكن احداث السجن الصغير في رومية امس الا دلالة على انعدام "الجاذبية" السياسية في البلاد التي تبدو اشبه بـ "سجن كبير"، كما لم يكن مشهد "الغريق" للسيارات في مستنقعات "الشتوة الاولى" سوى صورة "رمزية" للسقوط بلا كوابح في ملفات قابلة للاشتعال وتهدد بـ "حريق" كبير.
وبين "الغريق والحريق" يراوح لبنان في "فم" الانتظار، يلهو بمعارك تغلب عليها تصفية الحسابات السياسية في الوقت الضائع قبل اتضاح الخيط الابيض من الاسود في الازمة السورية، وانقشاع المزيد من الحقائق في مجريات عمل المحكمة الدولية التي تضرب موعداً مع المزيد من الاجراءات في اكتوبر المقبل.
ولم يكن ادل على هذا النوع من معارك "تصفية الحسابات" من المساجلات الحامية التي شهدها ملف الكهرباء قبل امراره عبر تسوية سياسية بالغة الدلالة في البرلمان اهتزت معها الاكثرية التي يقودها "حزب الله" وكسبت عبرها المعارضة فوزاً بـ "النقاط"، بعدما جاءت تلك التسوية على حساب زعيم "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون.
وبعد هذا الاختبار و"دلالاته" تجد القوى السياسية نفسها امام المعركة الاكثر حساسية والمتمثلة بالموقف من تسديد لبنان حصته من تمويل المحكمة الدولية (49 في المئة)، وسط معسكرين واحد يلتزم التمويل ويضم رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وآخر يعارضه ويضم تحالف "حزب الله" والعماد عون.
والقراءة السياسية لمعركة الكهرباء تشير الى ان "حزب الله" لن يكون طليقاً في سعيه الى احجام الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المحكمة الدولية، التي يعتبرها "اميركية ـ اسرائيلية"، لسببين: اولهما تجنبه احراج الرئيس ميقاتي وثانيهما تفادي انفجار لغم من شأن تطيير الحكومة برمتها.
وتوقعت اوساط واسعة الاطلاع ان يعمد "حزب الله" الى ارجاء هذه الكأس المرة الى ابعد وقت ممكن، تفادياً لبلوغه الوضع الذي يجعله امام خيارين هما: اما التضحية بالحكومة وجعلها "حكومة تصريف اعمال"، واما ادارة ظهرها لـ "التمويل" عبر صيغة ما يعارضها من دون ان يعرقلها.
اما المفارقة الاكثر اثارة للانتباه، بحسب دوائر سياسية مراقبة في بيروت، هي ان البلاد تعيش توازناً سلبياً في اطار معادلة بالغة الغرابة، فصحيح ان الحكومة في قبضة "حزب الله" نتيجة التوازنات في داخلها، لكن الاصح ان الاكثرية التي اتت بهذه الحكومة هي في يد جنبلاط، الذي كما يميل تميل الاكثرية.
وبهذا المعنى فانه بات صعباً الحديث في بيروت عن اكثرية ثابتة، خصوصاً في ضوء تمايز جنبلاط "التكتيكي والاستراتيجي" عن المكونين الرئيسيين للاكثرية الحالية، اي "حزب الله" والعماد عون، رغم عدم اعلانه الخروج من المعادلة التي قلبت الطاولة يوم تمت الاطاحة بحكومة سعد الحريري.
وسط هذا المناخ، وفيما يستعدّ رئيس الحكومة للتوجّه اليوم الى نيويورك حيث يبقى فيها ستة ايام ويترأس جلسة لمجلس الأمن ويعقد لقاءات عدة مع نظرائه من المشاركين في الاجتماعات الدولية، اتخذت مشاركة لبنان في أعمال الدورة الـ66 للجمعية العمومية للأمم المتحدة اهمية خاصة بعدما تولى سليمان رئاسة اجتماع على مستوى القمة حول "الديبلوماسية الوقائية" في مجلس الامن، علماً انها المرة الاولى التي يتولى فيها رئيس لبناني ترؤس اجتماع أممي مماثل.
وافتتح الرئيس سليمان الجلسة بكلمة ضمنها مفهوم لبنان لـ "الديبلوماسية الوقائية"، قائلا ان "الحروب والنزاعات ليست حتمية بل غالبا ما يمكن التأثير على مجرى الاحداث بما يحول دون نشوبها او تفاقمها، إلا أن ذلك يتطلب توافر الارادة السياسية وحشد الموارد اللازمة واعتماد مقاربة وقائية واضحة وتيسير الحوار واحتواء التوتر". وإذ ذكر بالمبادرة العربية للسلام "مثالا على المبادرات الديبلوماسية الهادفة الى منع تفاقم النزاعات لحل الصراع العربي - الاسرائيلي"، لفت إلى ان "قيام مجلس الامن باصدار القرار 1701 الذي يلتزمه لبنان كان اجراء ضروريا لوضع حد للحرب المدمرة التي شنتها اسرائيل على لبنان العام 2006". ورأى "أن على المجتمع الدولي انسجاما مع متطلبات الديبلوماسية الوقائية وأهدافها ان يعمل على إلزام اسرائيل احترام هذا القرار من خلال استكمال انسحابها من الاراضي اللبنانية المحتلة ووقف تهديداتها وخروقها المتواصلة للسيادة اللبنانية برا وبحرا وجوا".
وكان سليمان استقبل قبيل رئاسته الجلسة الامين العام للأمم المتحدة بان كي - مون وعرض معه الاوضاع في المنطقة عموما وفي جنوب لبنان خصوصا، في ضوء التعاون بين الجيش والقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان "اليونيفيل".
وأفاد بيان لمكتب الامين العام ان بان كي - مون ناقش مع الرئيس اللبناني تنفيذ القرار 1701 وأهمية الاحترام الكامل للخط الازرق من جميع الاطراف والدور الرئيسي للقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان. وجدد "دعمه الكامل لعمل المحكمة الخاصة بلبنان ودعوته لبنان الى تنفيذ جميع التزاماته في هذا الصدد".
وسط هذا المناخ، تخضع "الساحة المسيحية" وتموْضعاتها السياسية لمعاينة دقيقة منذ "النقلة المفاجئة" التي بدأها البطريرك الماروني بشارة الراعي عبر مواقفه "المباغتة" التي أطلقها من باريس واستكملها في ضيافة "حزب الله" في بعلبك - الهرمل وتناولت في شكل رئيسي الوضع في سورية وسلاح الحزب.
واذا كانت هذه المواقف للراعي ما زالت تُحدث ضجيجاً "على الناعم" في اوساط مسيحيي 14 آذار الذين تعاطوا بارتياب مع انتقال بكركي من ضفة الى اخرى، فإن ثلاثة محطات مرتقبة من شأنها تظهير تفاعلات كلام البطريرك في الوسط المسيحي الذي يعيش صراعاً بين "خائف" من "الربيع العربي" ومتخوّف من "خريف مبكر" للموارنة اذا تخلوا عن دعم الثورات العربية، وهذه المحطات هي:
* القداس السنوي الذي تقيمه "القوات اللبنانية" اليوم لشهداء "المقاومة اللبنانية" تحت شعار "معنا شهادتهم من قدَر الى قضاء. محكمة لبنان ... آن الآوان".
وفي هذا القداس الذي يرعاه الراعي ويترأسه للمرة الاولى البطريرك السابق الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير والذي سيقام في مجمع فؤاد شهاب الرياضي، ينتظر ان يبلور رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في شكل غير مباشر موقفه ومسيحيي 14 آذار مما قاله الراعي في باريس والبقاع، من زاوية التطرق الى تطورات المنطقة وما يمرّ به المسيحيون فيها.
ويفترض ان يؤكد رئيس "القوات" ان المسيحيين جزء لا يتجزأ من الربيع العربي وانهم يقفون بجانب الشعوب العربية المطالبة بالحرية والكرامة، كما سيتطرق الى ما تشهده سورية مشدداً على دعم كل حركة ثورية تدعو الى الحرية والكرامة وتداول السلطة في ظل انظمة ديموقراطية.
* الجولة التي يقوم بها الراعي في الجنوب لمدة ثلاثة ايام ابتداء من اليوم، والتي ستشهد احتضاناً شعبياً وسياسياً كبيراً من "حزب الله" ورئيس البرلمان نبيه بري الذي يولم على شرف رأس الكنيسة المارونية في دارته في المصيلح يوم الاثنين.
وترصد الدوائر السياسية طبيعة المواقف التي سيطلقها البطريرك في زيارته التي بدأت الاستعدادات لها برفع أقواس النصر واللافتات المرحبة على مداخل المدن والقرى، لا سيما اذا كان الراعي سيكرر "ثوابته" من الوضع في سورية وسلاح "حزب الله".
* اللقاء الذي يعقده مسيحيو 14 آذار منتصف اكتوبر المقبل في دير سيدة الجبل - فتقا (كسروان) لإعلان وثيقة شاملة في ضوء لقاء بكركي المقرر عقده اليوم وقداس شهداء "القوات اللبنانية" غداً.
وذكرت معلومات ان اللقاء سيضم اكثر من 250 شخصية من نواب ووزراء ورؤساء احزاب واكاديميين موالين لقوى "14 آذار" سياسياً لا تنظيمياً، اضافة الى شخصيات روحية كاشفا عن امكان مشاركة عدد من المطارنة لم تحدد اسماؤهم بعد.
في موازاة ذلك، شكّل لقاء الاقطاب المسيحيين مع النواب والقيادات السياسية في 8 و 14 آذار الذي استضافته بكركي امس وخصص لمناقشة قانون الانتخاب وموضوع النسبية اول "اختبار" لطبيعة العلاقة التي ستسود بين البطريرك الماروني ومسيحيي 14 آذار، والتي رسم خطها البياني هؤلاء على قاعدة تسجيل الاعتراض على مضمون مواقف الراعي وصون موقع البطريرك وعدم فرط عقد الحوار الماروني - الماروني.
وقد حضر الاقطاب الموارنة في 14 آذار الاجتماع الموسع الذي اعتُبر اول لقاء "وجهاً لوجه" بينهم وبين الراعي منذ عودته الى بيروت من فرنسا، فيما شكّل غياب رئيس حزب الوطنيين الاحرار النائب دوري شمعون عنه واحداً من ارتدادات مواقف البطريرك لا سيما ان شمعون اعلن انه قاطع احتجاجاً على كلام رأس الكنيسة.
وفي حين من المعلوم ان الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي والعماد ميشال عون و"حزب الله" يؤيدون اعتماد نظام النسبية الذي يرفضه النائب وليد جنبلاط، تم خلال اللقاء الماروني امس البحث بطريقة علمية وهادئة في ثلاث طروحات اخرى هي الدائرة الفردية، ونظام one man one vote? وما اقترحه اللقاء الارثوذكسي من ان تنتخب كل طائفة نوابها على مستوى كل لبنان مع اعتماد النسبية.
وبعد اللقاء الذي اعقبه غداء اقامه البطريرك الراعي على شرف الحاضرين وغاب عنه جعجع الذي غادر باكراً لارتباطه بالتحضيرات لقداس شهداء "القوات" اليوم، صدر بيان ختامي اشار الى ان المجتمعين استمعوا "الى عرض من اللجنة الرباعية (تضم ممثلين لليتار الوطني الحر وتيار المردة و"القوات اللبنانية" وحزب الكتائب) المكلفة درس مشاريع قانون الانتخاب للتوصل الى تفاهم حول مشروع قانون موحد يتبناه المسيحيون جميعا ليصار الى العمل في ما بعد للتوافق عليه مع جميع المكونات الوطنية".