جريدة الجرائد

المعارضة السورية بين «تفكيك» النظام و»إصلاحه»

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالوهاب بدرخان


بات محسوماً أن الانتفاضة الشعبية شكّلت التحدي الأكبر للنظام السوري منذ نشوئه. ورغم أن الانتفاضة أكدت استعدادها لتحمّل الصعوبات إلا أنها جهرت الجمعة الماضي بأنها أمام تحدٍ كبير هو "وحدة المعارضة". ويشغل هذا الطموح جميع المعنيين والمهتمّين بالشأن السوري، في الداخل كما في الخارج، انطلاقاً من أن منطق الأحداث يفرض ترتيب الجهود الآيلة الى إسقاط النظام بمقدار ما يوجب التفكير في ما بعده.

للمرة الثانية تكتب الصحافة الاميركية أن واشنطن بدأت الترتيب لـ "ما بعد الأسد"، لكن المعلومات والتحليلات تنتهي عادة الى خلاصة مفادها أن الولايات المتحدة والدول الغربية تفتقد وسائل الضغط المباشر على النظام أو التأثير في الداخل. ثم أن الحاجز الروسي - الصيني لا يزال يؤمّن حماية للنظام من أي تدخل دولي، بل يحول دون إلزامه حتى بتلبية متطلبات التدخل الانساني. لذلك تعاظم التركيز على المعارضة المدنية الآخذة في الانتظام للتحاور معها وقياس تمثيلها وسبر رؤاها للمستقبل. أما المعارضة المنبثقة من انشقاقات العسكريين فلا تزال حتى الآن مشتتة، شاء أفرادها التملص من المشاركة في جرائم قتل مواطنيهم أكثر مما خططوا لمقاومة مسلّحة ضد قوى النظام، لكن أعدادهم المتكاثرة بالآلاف قد تفرض تجميعهم وتأطيرهم، أولاً لأن النظام ليس مقبلاً على وقف "الحل الأمني"، وثانياً لأن التسلح يتكثّف، وثالثاً لأن الصعوبات المعيشية والاقتصادية ستتفاقم.

ما أن اندلعت الانتفاضة حتى تجاوزت النظام وكل "معارضة" عُرفت بهذه الصفة في عهده سواء كانت أحزاباً أو شخصيات مستقلة، وباستثناء بعض من رموزها المحترمين الذين عانوا الكثير سجناً وتعذيباً وتنكيلاً يُعتبر الآخرون خارج السياق الذي أسسته الانتفاضة. وعلى قاعدة "شرعية الثورة" التي باتت تمثلها تنسيقيات الداخل بدأت المعارضة، "الجديدة" و"الثورية"، تفرز قواها. بديهي أن من لم يدفع الدم لإدامة الانتفاضة حيّة وقوية لن يستطيع ادعاء المساهمة فيها وسيكون في أفضل التصنيفات مستفيداً والغاً في الدم ومتجولاً بين جثث النشطاء للحصول على موقع في رحاب السلطة.

تنبَّه النظام الى احتمال تفعيل أنشطة في الخارج لإنشاء كيان معارض لا بدّ من ربطه لاحقاً بالداخل لإضفاء "شرعية الثورة" عليه. لذا أنشأ هيئة للحوار "الرسمي"، وفتح نافذة للـ "المعارضة الداخلية" كي تعقد مؤتمراتها وتعلن مواقفها، فهو في مأزقه يفضل معارضين تحت أنظاره، يعرفهم ويعرفونه، ويحدد لهم سقفاً حتى لو استفزّته أدبياتهم السياسية المعلنة، على معارضة تطالب بإسقاطه خارقة السقف في أي مكان آخر، لا سيما أنقرة أو اسطنبول. وطالما أن دمشق متعذّرة لهذه المعارضة فإن مكانها "الطبيعي" كان يمكن أن يكون بيروت، فهي عاصمة عربية معنية بالحدث ومرحّبة مستوعبة تاريخياً لمختلف التيارات بلا أي وطأة على أي منها، غير أن جلافة السيطرة المسلحة للتابعين للنظام السوري جعلت لبنان وبيروت غير آمنَين لتحرّر اللبنانيين فكيف بتحرّر السوريين.

منذ الاختبار الأول في اسطنبول اتضحت الصعوبات أمام معارضي الداخل التقليديين، اذ اعتبروا أن الكيان المعارض المعترف به يجب أن يكون حيث هم على أن يرفدهم معارضو الخارج، وبالتالي فمن الصعب أن يتكيّفوا مع الصيغ المطروحة للعمل مع الخارج. إلا أنهم رغم وجودهم في الداخل ليسوا مساهمين في الزخم الفعلي للانتفاضة ولا علاقة لهم مع "اتحاد التنسيقيات" الذي يقودها وينظّم حراكها. لذلك كان معارضو الداخل ولا يزالون ناقدين مباشرين وفوريين لأي كيان معارض يُعلن عنه في الخارج، قائلين أنهم لا يختلفون معه على الأهداف وانما على "آلية" تشكيله، فهم لا يستطيعون موضوعياً أن يكونوا جزءاً منه وهو لا يستطيع أمنياً أن يكون في الداخل وإلا يُقضى عليه، فما أوجد المعارضين في الخارج هو تحديداً ما يناضلون للتخلص منه، إنه النظام نفسه.

منتصف ايلول (سبتمبر) الحالي انتهى الجدال العقيم عملياً، وكانت اجتماعات حصلت في الدوحة بهدف اقناع الطرفين بـ "قيادة سياسية موحدة" لكن ادارتها و"آليتها" غير الموفّقتين فضلاً عن "أهدافها" المشوّشة أدّت الى حسم كل طرف موقفه. فظهر "المجلس الوطني السوري" في اسطنبول وبادرت تنسيقيات الداخل طويلاً فأيّدته ولو مع مآخذ محدودة. ثم بعد أيام التقت مجموعة من قوى المعارضة في حلبون (ريف دمشق) لتعلن انشاء "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي". ويتنازع "المجلس" و"الهيئة" الادعاء بأن مجموعة "اعلان دمشق" تسانده. ذاك أن الـ "اعلان" يتمتع بشرعية خاصة به وكان حتى بداية الانتفاضة عنوان المعارضة ورمزها، كما أنه يحظى باحترام خاص من جانب "التنسيقيات". وبالتزامن ظهر أيضاً "ائتلاف العلمانيين" في باريس الذي ينظر اليه على أنه تجمع مثقفين حرصوا على توضيح هويتهم للتمايز تماماً عن أي "بديل اسلامي" من النظام الحالي. ولذلك فهو صُنّف أقرب الى "هيئة التنسيق" (التي حاولت جمع ممثلين من مختلف الأطياف) منه الى "المجلس الوطني" الذي يشغل الاسلاميون ثلث تركيبته تقريباً.

ما أن أُعلن "المجلس" حتى أبلغت أنقرة معظم العواصم أن هناك، أخيراً، كياناً سورياً معارضاً يمكن اعتباره "جدياً" ومستعدّاً للعمل، خصوصاً أن هدفه المعلن بلا أي لبس أو تلاعب على المصطلحات هو "إسقاط النظام". وفي هذا السياق كانت نقاشات الدوحة استنبطت مصطلح "إسقاط النظام الاستبدادي الأمني" الذي استخدمته "هيئة التنسيق" لاحقاً، وقيل أن هذه الصيغة ترمي الى تمييز النظام "السياسي" ممثلاً بالرئيس بشار الأسد وتتماشى مع المبادرة العربية التي أشارت الى انتخابات رئاسية سنة 2014 أي مع انتهاء ولايته.

لعل حسم المواقف هذا هو ما دفع "تنسيقيات الداخل" الى طرح مسألة "وحدة المعارضة". ورغم أن الوحدة مطلوبة وضرورية ومحبذة إلا أنها لا تبدو واقعية أو عملية. لكن مخاطر الفرز كبيرة، وأهمها أن النظام بدأ لتوّه مناورة لاجتذاب "هيئة التنسيق" مدركاً أن طموحاتها المعلنة تذهب في اتجاه تغيير شامل، إلا أن واقعيتها ووجودها تحت سقفه يدفعانها في استراتيجية "اصــلاح يقوده النظام" حتى لو كان معظم اعضائها مقتنعين بأن اصلاحاً كـــهذا لم يعد واقعياً، على افتراض أن النظام يريده فعلاً. وفي أي حال ليست "الهيئة" من يحرك الشارع، لذا فإن النظام لا يعوّل على تعاونها معه لإنهاء الأزمة لكنها اذا تعاونت تمكّنه من الايحاء بأنه باشر مسيرته "الاصلاحية" بمشاركة "الـ"معارضة.

ثمة مخاطر أخرى، والنظام جاهز أيضاً لاستخدامها، منها تأليب الداخل على الداخل وشحذ الصراع بين الداخل والخارج. فـ "المجلس الوطني" ومعه التنسيقيات واضح في اتّباع استراتيجية متدرجة لـ "إسقاط النظام" مستفيدأ من عناصر عدة، منها مثلاً مفاعيل العقوبات الاميركية والاوروبية التي ستظهر أكثر فأكثر في تأثيرها على مصالح شريحة التجار الذين ساندوا النظام، ومنها أيضاً إعداد الملف للمحكمة الجنائية الدولية ودعم مطلب الحماية الدولية الانسانية (من نماذج الحماية أن مسؤولة في الصليب الأحمر الدولي سارت بسيارتها خلف احدى الجنازات فأحجم الأمن وقناصته عن الاعتداء على المشيّعين)... ذاك أن "الإسقاط" يعني "تفكيك النظام" وثمة مؤشرات متكاثرة عليه.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
شكرا,الجزيرة!
محمد السوري -

شكرا للكاتب , وأود عرض بعض الحقائق وتصحيح البعض ,المعارضة السورية مصطلح غير محدد اليوم بدقة , وليكن الحديث عن المعارضة ما بعد 15 أذار 2011 , هذه المعارضة التي تقود الشارع السوري موحدة الاهداف والقيادات اليوم ومطالبها إسقاط وإعدام الرئيس , أما المعارضة الأخرى فمن مع مطالب الشارع يتماهى معها ويعبر عنها ومجلس اسطنبول هو الأكثر اندماجا مع الداخل , وما يسمى هيئة التنسيق وسواها من كيانات يسوقها الإعلام لاهداف معروفة فلا علاقة لهم عملية بالشارع ولا يمكنهم تحريك مظاهرة من 200 شخص , وإنما يركبون الموجة بأهداف بعضها مشبوه مثل حسن عبد العظيم وهيثم مناع ويخدعون الرأي العام فهم ممن قبل المبادرة العربية التي تبقي الإرهابي بشار البربري في السلطة عكس ما يطلبه الشارع ,أما استراتيجية إسقاط الرئيس لدى الشارع تتلخص بمواصلة التظاهرات وتطورها للعصيان المدني مع تسارع تشكل الجيش السوري الحقيقي المعبرعن الشعب وتمييزه عن كتائب الأسد ,لذلك فمحاولة تركيب معارضة وخاصة اليسارية لا تنفع مع السوريين ولا وزن لهم ولا يصغي لهم ثوار سوريا .ويجب الإشارة هنا على دور عزمي بشارة والجزيرة بإعادة ترويج معارضة مزيفة وتهميش المعارضة الحقيقية في الشعب السوري , نرجوا ألا تنساق الجزيرة بعيدا في هذا الطريق وأن تستمر في تبني خطاب الشارع السوري حيث استضافت بالإتجاه المعاكس شبيح (طالب إبراهيم ) الذي يتهجم على الذات الهية على الهواء مباشرة بوجود مذيع الجزيرة الذي لم يحرك ساكنا , مع العلم أن جميع مذيعي الجزيرة يتدخلون مباشرة لإيقاف وتنبيه أي متصل يشعرون بأنه يسئ للإرهابي بشار البربري , فهل الجزيرة تعتبر بشار أقدس من الله , فضيحة للجزيرة وقطر , هل فيصل قاسم عراب أل الاسد وطوب الإتجاه الخاطئ لأل الأسد !!! لماذا يا قطر ؟ لماذا ياجزيرة ؟ هل هذه توجيهات عزمي بشارة ؟لقد أسأتم لمشاعر مليار مسلم باستضافة هذا الشبيح والسماح له بالإساءة للذات الالهية,إذاكان المثقف والسياسي وطبيب أسنان من أتباع عصابة الأسد يفعل ذلك أمام العالم على الهواء مباشرة , فماذا يفعل رجل الامن والعسكري الجاهل مغسول الدماغ , فهذا ما يؤكد جميع الصور والمشاهد عن سلخ الجلود وقطع الرؤوس والتنكيل الذي تمارسه كتائب الاسد بحق الشعب السوري !

تعقيباً على 1
عربي -

عزمي بشارة منذ اندلاع الثورات العربية كان هوالمحلل الرئيسي للجزيرةوكانت تحليلاته وتصريحاته كلهاضد هذه الأنطمة وبل كان يمارس التحريض والتهييج ضد هذه الأنظمة وخاصة نطام مبارك الذي لم يفعل عشر معشار مايقعله النظام السوري لكن عنما وقعت الثورةالسورية بدت تحليلاته محابية إلى حد بعيد للنظام السوري وأناشخصياًلم أتفاجأ بذلك لانه شخص يساري مؤدلج وبالتالي فهو غير حيادي

المؤامرة تاكل ابناء
احمد -

بالطبع شخص فلسطيني مفكر ومناضل من وزن عزمي بشارة لايشرفه اضفاء الشرعية على التحالف الأخواني _ الأطلسي .

المعارضة السورية
Hssan -

المعارضة السورية في الداخل افضل واشرف من معارضة استانبول, والذين حضروا الى تركيا هم معروفون, لا صلة لهم بالنضال او الثورة السورية, نحن الاكراد نتبرأ من الشخصيات التي حضرت امثال الفيلسوف باسط سيدا والآخر الذي لا علاقة له باي عمل نضالي المدعو كاميران حاجو, وهم يبحثون فقط لاناهم وهذه كارثة حقيقية يا جماعة. وشكرا لايلاف العظيم.

المعارضة السورية
Hssan -

المعارضة السورية في الداخل افضل واشرف من معارضة استانبول, والذين حضروا الى تركيا هم معروفون, لا صلة لهم بالنضال او الثورة السورية, نحن الاكراد نتبرأ من الشخصيات التي حضرت امثال الفيلسوف باسط سيدا والآخر الذي لا علاقة له باي عمل نضالي المدعو كاميران حاجو, وهم يبحثون فقط لاناهم وهذه كارثة حقيقية يا جماعة. وشكرا لايلاف العظيم.