طلاق فلسطيني - فلسطيني يغني عن مصالحة...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
ما الذي تخفيه اللقاءات الفلسطينية الأخيرة بين "فتح" و"حماس"؟ هل هي مؤشر الى رغبة جدّية في مصالحة حقيقية أم ذرّ للرماد في العيون؟ في النهاية، هل من أمل في مصالحة فلسطينية- فلسطينية؟
قد يكون الجواب عن مثل هذا النوع من الأسئلة ان الأمل قائم بتحقيق تقدّم ما يمكن تسميته تعايشا بعدما اقتنع الطرفان أي "فتح" و"حماس" بانّ عليهما التوصل الى اتفاق فحواه ان ثمة أسسا جديدة للعلاقة بينهما. تقوم هذه الأسس على مبدأ الطلاق بين الضفة الغربية وقطاع غــــزة. الضفة الغربية لـ"فتح" وغزّة لـ"حماس". كلّ ما عدا ذلك مضيعة للوقت لا أكثر. انه باختصار شديد طلاق حبي يغني عن مصالحة في العمق...
ستبقى "فتح"، حتى اشعار آخر، مهيمنة عـــــلى السلــــطة الوطنــــية الفلسطـــــينية. وستبقى السلطة الوطنية المرجع الأخير في الضفة الغربية. وستظلّ "حماس" متحكمة بقطاع غــــــزة... الى ان تحصل معـــــجزة. ونظــــرا الى ان زمن المعجزات ولّى وان الجهاز الامني التابع لـ"حماس" قادر على السيطرة على الوضع في القطاع والقضاء على فوضى السلاح فيه، لن يكون جديداً في غزة في المدى القريب.
صارت لدى "حماس" مصلحة في القضاء على فوضى السلاح نظرا الى انها تحولت الى سلطة فعلية ولم تعد لديها أي نية في الانقلاب على أحد. لم تعد الصواريخ المضحكة- المبكية قادرة على تحرير فلسطين من البحر الى النهر أو من النهر الى البحر لا فارق. صار اطلاق الصواريخ "خيانة" وصار السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ "حماس" يعترف بانّ غزة "محررة" منذ العام 2005 وبأنّ لا بدّ من الاكتفاء بالسيطرة عليها في الوقت الراهن. هذا على الأقل، ما يستدلّ من حديثه الأخير الى إحدى الفضائيات العربية.
أكثر من ذلك، صار رئيس الوزراء في الحكومة المقالة السيّد اسماعيل هنية مرحبّا به في القاهرة وبات في استطاعته القيام بجولة عربية من أجل "اعادة اعمار غزة"، علما انه لم تكن من حاجة الى افتعال أي نوع من الحروب انطلاقا منها، ما دام الطفل الصغير يعرف سلفا نتيجة أي عدوان يمكن ان تشنّه اسرائيل على القطاع ومدى حجم الدمار الذي يمكن ان يلحق به!
المهمّ ان "حماس" اقتنعت أخيراً بان غزة "محررة" وان ليس في الامكان تحرير فلسطين انطلاقا من القطاع. تستطيع في المقابل الكلام عن "مقاومة" و"ممانعة" الى يوم المقاومة والممانعة. مثل هذا الكلام لا يقدّم ولا يؤخر. كلّ ما هو مطـــلوب ان تكون غــــــزّة تحــــت سيـــــطرتها. صارت السيطرة على غزة هدفا بحدّ ذاته نظرا الى ان أي استهداف لها يمكن ان يحرج مصر.
لم تعد "حماس" في وارد احراج مصر لا من قريب ولا من بعيد. في الماضي، كانت تفعل ذلك في اطار حسابات اقليمية تصبّ في خدمة المحور الايراني- السوري. خرجت "حماس" اخيرا من تحت الهيمنة السورية. الاخوان المسلمون في القاهرة، أقرب اليها بكثير من النظام السوري الذي يواجه الاخوان في عقر داره. أمّا ايران، فكلّ همها محصور حاليا في تفادي أي زعاج للاخوان المسلمين في مصر نظرا الى وجود علاقات تقيمها مع قسم منهم. تنظر ايران الى علاقتها بـ"حماس" من خلال مصر. لم تعد في وارد استخدام "حماس" للإساءة الى مصر كما كانت تفعل في الماضي في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
يمكن الحديث عن مصالحة فلسطينية فلسطينية وعن استمرار المفاوضات بين الجانبين وعن اعادة ترتيب اوضاع منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل قيادة جديدة للمنظمة. مثل هذا الكلام جميل. الواقع شيء آخر. هناك تعايش بين "فتح" و"حماس" في ظل اقتناع السلطة الوطنية الفلسطينية بانّ اسرائيل لا تريد مفاوضات حقيقية ولا تريد دولة فلسطينية "قابلة للحياة". في المقابل بدأت "حماس" تؤمن بانّ عليها اعادة ترتيب اوضاعها انطلاقا من غزة، كي تلعب الدور المطلوب ان تلعبه في اطار التمدد الاسلامي في المنطقة. الأكيد ان التخلص من الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية آخر هموم "حماس". الأولوية الآن للتنسيق بين الاخوان المسلمين في المنطقة العربية وصولا الى تركيا.
في مثل هذه الحال، وفي ظلّ الظروف الراهنة، ليس امام السلطة الوطنية سوى متابعة بناء مؤسسات الدولة تحت اشراف حكومة الدكتور سلام فيّاض بغض النظر عما تريده اسرائيل. في النهاية، لو كانت "حماس" تمتلك رغبة جدّية في المصالحة، لكان أوّل ما فعلته اعلان قبولها بالمشروع الوطني الفلسطيني، أي البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي أقرّه المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1988 في الجزائر. هذا البرنامج توّج نضالات عسكرية وسياسية يزيد عمرها على خمسة وسبعين عاما، أي منذ الاضراب الفلسطيني في العام 1936 من القرن الماضي. لا يمكن لـ"حماس" وغير "حماس" اختراع جديد. كل ما يستطيع الفلسطينيون عمله هو الصمود خلف مشروعهم الوطني الذي تستهدفه اسرائيل الراغبة في تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس.
نعم، الخيارات الفلسطينية محدودة، لكن التعايش بين "فتح" و"حماس" ووقف حملات التخوين المتبادلة يظلّان افضل من لا شيء وذلك في انتظار اليوم الذي تكتشف فيه اسرائيل ان لا مفرّ من الدولة الفلسطينية. ستكتشف ايضا ان ليس في استطاعتها، مهما فعلت، التخلص من الشعب الفلسطيني الذي هو حقيقة لا يمكن لأحد تجاهلها مهما بلغت به درجة الغباء والجهل. فالفلسطينيون احد عشر مليونا في مختلف انحاء العالم تجمع بينهم فلسطين. وفي السنة 2015 سيتساوى عدد الاسرائيليين والفلسطينيين في ارض فلسطين التاريخية. هذا واقع لا يمكن لاسرائيل الهرب منه على غرار هرب "حماس" من متطلبات المصالحة الحقيقية التي تفرض أوّل ما تفرض الاعتراف بانّ التخلص من الاحتلال اهمّ بكثير من تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني...