جريدة الجرائد

لماذا صعد الإسلاميون؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ياسر عبد العزيز


يعتقد البعض أن ما حققته الجماعات والأحزاب السياسية ذات الإسناد الديني الإسلامي من صعود ملحوظ في الانتخابات التي شهدتها بلدان عربية عدة، خلال العام الماضي، يمثل اختراقاً ومفاجأة غير متوقعة على الإطلاق، والواقع أن هذا الأمر في حاجة إلى مراجعة.
فقد توافرت أسباب عديدة تجعل من صعود التيارات الإسلامية في أي انتخابات نزيهة تشهدها دولة عربية راهناً أو مستقبلاً أمراً بدهياً، وهو أمر يبدو مستساغاً ومقبولاً في دول عريقة وتاريخية مثل مصر وسورية، أو دول أشد مقاربة للحداثة مثل تونس والإمارات، أو حتى تلك الدول التي تعرف تنوعاً دينياً وعرقياً مثل لبنان والعراق.
ولذلك، فقد فاز الإسلاميون في الانتخابات البرلمانية التي شهدها المغرب نهاية شهر نوفمبر الماضي، رغم أن ما عُرف بـrdquo;الربيع العربيrdquo; لم يصل بوضوح إلى هذا البلد، الذي بادر مليكه الشاب بإصلاحات دستورية وسياسية، لاقت تجاوباً لافتاً من قطاع مهم بين الجمهور.
وفاز الإسلاميون أيضاً بجدارة في الانتخابات التي شهدتها تونس، وهو الأمر الذي تكرر بوضوح شديد في الانتخابات البرلمانية التي تشهدها مصر راهناً، والتي بات الإسلاميون يهيمنون من خلالها على ما يقارب الـ70% من مقاعد البرلمان.
وبين مصر وتونس، كان الأمر قد حُسم للإسلاميين أيضاً في ليبيا في أعقاب سقوط نظام العقيد القذافي، ليصبح الجانب الإفريقي من عالمنا العربي ldquo;بحيرة إسلاميةrdquo; بامتياز، بالنظر إلى أن الجزائر تنشط فيها معارضة إسلامية كانت لها تجربة انتخابية ناجحة أجهضها العسكر في مطلع التسعينيات الفائتة، في ما يحكم السودان بالفعل تحالف بين الإسلاميين والعسكر، في وقت تتسيد فيه الحركات الإسلامية المشهد في الصومال بصرف النظر عن التشظي والانقسام الأهلي الذي يتفاعل في هذا البلد.
من المرجح جداً أن يفوز الإسلاميون أيضاً في أي انتخابات نزيهة تجري في إحدى دول الجانب الآسيوي من العالم العربي؛ ولعل فوز ldquo;حماسrdquo; بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية الأخيرة دليل على ذلك، إضافة إلى حصول ldquo;حزب اللهrdquo; على حصة معتبرة في الانتخابات المتكررة في لبنان، فضلاً عن بروز القوى الإسلامية بوضوح في كل انتخابات يشهدها الأردن أو الكويت.
لن يكون من الصعب التنبؤ بدور واسع لـrdquo;الإخوان المسلمينrdquo; في سورية في حال سقط نظام آل الأسد، وهو الأمر المتوقع أيضاً في أول انتخابات تجرى في اليمن، حيث يستحوذ حزب التجمع اليمني للإصلاح (ذراع إخوانية) على أفضل الفرص.
لا يوجد خلاف كبير إذن على أن العالم العربي يعيش أزهى عصور الإسلاميين سياسياً وانتخابياً في أعقاب ما عُرف بـrdquo;ثورات الربيع العربيrdquo;، سواء كان ذلك في البلدان التي سقطت أنظمتها أو التي تحاول أن تجري إصلاحات تدريجية، وتسمح بإجراء انتخابات نزيهة. فما أسباب صعود الإسلاميين؟
يمكن القول إن الحركات السياسية الإسلامية بدأت العمل السياسي على الأرض منذ تشكيل جماعة ldquo;الإخوان المسلمينrdquo; في مصر نهاية العقد الثالث من القرن الماضي، باعتبار أن الجماعات السياسية التي كانت تنادي بتعزيز أوضاع الخلافة العثمانية قبل هذا التاريخ لم تكن تعمل بإيديولوجية تمثل الإسلام السياسي بشكله الراهن، بقدر ما كانت تمثل إيديولوجية شرقية في مواجهة موجات الاستعمار الغربي.
ومنذ بدء تلك الحركات في العمل لم تنعم، سوى لفترات قليلة جداً لا يعول عليها، بدعم السلطات أو مباركتها، بل على العكس من ذلك تماماً؛ فقد تم البطش بها، واضطهاد أعضائها، وتعذيبهم، ونفيهم، وقتلهم، وتشريدهم، وتخوينهم، واعتقالهم، ومصادرة أموالهم، رغم أن بعض الأنظمة العربية استخدمت تلك الجماعات أحياناً، لضرب تيارات سياسية أخرى، أو لتحقيق منافع متبادلة في أوقات وبلدان مختلفة.
لقد أدرك الجمهور معظم الوقت أن تلك الجماعات خاضت كفاحاً كبيراً، وناضلت ضد قوى استبدادية، أخفقت عادة في تلبية احتياجات الشعوب، ومارست الفساد والهدر، في وقت كانت فيه بعض الأحزاب والقوى المدنية تعول على الإصلاح التدريجي وتعقد تحالفات من وقت إلى آخر مع السلطات المستبدة، وربما تشارك في الحكم في بعض الأحيان.
سبب آخر عزز صورة التيارات الإسلامية في الوجدان الجمعي للجمهور؛ فقد عجزت الدولة العربية المستبدة على مدى العقود الأربعة الأخيرة عن الوقوف في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر، كما رهنت إرادتها للولايات المتحدة والغرب عموماً، وانتهجت سياسة خارجية في مجملها تابعة وذليلة؛ وهي أمور لا شك أثرت سلباً في صورة الدولة العربية والقائمين عليها. لقد نالت تلك الأمور من الكرامة الجمعية للجمهور العربي، بالنظر إلى مشاهد الانتهاك والذل المتتالية (قانا، غزة، لبنان، أبوغريب)، التي تعرضت لها دول وشعوب عربية عدة، دون أن تكون الدولة العربية المستبدة قادرة على الرد بشكل مناسب، في وقت أخذت جماعات إسلامية على عاتقها محاربة هذه الانتهاكات، سواء عبر أعمال العنف، التي راوح تصنيفها بين ldquo;الإرهابrdquo; وrdquo;الاستشهادrdquo;، أو حتى عبر تبني الخطاب الرافض والمتوعد، الذي لاقى صدى طيباً في أوساط الجمهور، في مقابل خطاب الخنوع الذي تتبناه الدولة العربية.
ثمة عامل مهم عزز حظوظ الإسلاميين الانتخابية كذلك؛ فهم الأكثر التصاقاً في كل المجتمعات العربية بالجمهور المحلي، والأكثر اهتماماً بالقضايا الخدمية والمعيشية البسيطة، وعبر تحكمهم بجزء مهم من أموال الزكاة والصدقات استطاعوا تقديم خدمات ومعونات مهمة للفئات المضطهدة والمهمشة في الجيوب الفقيرة التي عجزت الدولة العربية المستبدة والفاسدة عن الوصول إليها وأهملتها لعقود طويلة.
ثمة عنصر خارجي أيضاً عزز حظوظ الإسلاميين؛ فيبدو أن الغرب يقبل بهم ويرحب بصعودهم إلى البرلمانات وتولي الحكم، ويبدو أن هذا لم يحدث إلا بعد تفاهمات عديدة أيقن من خلالها الغرب أن تلك الحركات تريد الوصول إلى السلطة والبقاء فيها ولا ترغب في تفجير الأوضاع، وأنها تحفظ الاتفاقيات التعاهدية والمصالح المتبادلة وتعتمد لغة دبلوماسية غير صدامية، وربما تشكل حليفاً موثوقاً يتميز عن الحلفاء الاستبداديين العتيدين بأنه يحظى بتوافق شعبي أكبر.
أما أهم الأسباب قاطبة في تسيد الإسلاميين للمشهد الانتخابي العربي الراهن، فليس سوى العاطفة الدينية الكبيرة التي تسود الواقع العربي، والتي استطاع الإسلاميون دائماً التلاعب بها واستغلالها لمصلحتهم السياسية استغلالاً مشيناً. ولعل تسخير المساجد المصرية المنتشرة في أعماق البلاد، للدعوة إلى ldquo;الإخوانrdquo; وrdquo;السلفيينrdquo; تحديداً، واستخدام قادة دينيين منابرهم الإعلامية والدعوية لترويع الناخبين من التصويت لـrdquo;العلماني والليبرالي واليساري ومن لا يريد تطبيق شرع اللهrdquo;، أوضح دليل على هذا الاستخدام والخلط المشين بين الدين والسياسة.
يبقى أن تسيد الإسلاميين للانتخابات العربية الحالية والمقبلة سيظل هو الأقرب للتحقق على الأرجح، وستظل أسباب هذا التسيد واضحة ومفهومة، لكن السؤال الذي سيضعهم على المحك ويفرض عليهم التحدي الأكبر؛ هو: ldquo;هل سيعيد الجمهور التصويت لهم في الانتخابات المقبلة؟rdquo;.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الإنتخابات المقبلة
أسامة -

التحليل جدير ولأجل إستكمال الموضوع أرجو من الكاتب أن يرسم لنا صورة المستقبل عندما يمارس الإسلام السياسي مهامه وإصطدامه بالواقع. لقد مارست القوى المحسوبة على اليسار القومي أو الأممي الحكم وفشلت رغم دكتاتوريتها وشرعيتهاالثورية كما يحلو لها تسميتها.وسقطت رغم كل جبروتها. أما اليوم أو المسقبل القريب فهناك الدمقراطية وصناديق الإقتراع فهل يستطيع الإسلام السياسي الصمود بدون دكتاتورية من نوع جديد شرعيتها الدين؟.

تداول السلطة
ashour -

الاسلام لايؤمن بالديمقراطيةالتي مصدرها الغرب الكافر كما يقول فقهاءالاسلام وانما يؤمنون بالمبايعة والتقية للاستيلاء على السلطة والبقاء فيها الى يوم الدين لان الاسلام هو سياسة واقتصاد ومنهج حياة ودين

What Next time!!
Ayman -

This is the first and last Election!!

الامية
فرد -

نسبة امية كتابية عالية تصل الي 50 في المئة وامية رقمية وسياسية ، فشئ طبيعي ان يستمع المواطن البسيط ويضع ثقته في رجل الدين ، علي الدول العربية محو امية الشعوب اولا، حتي ذلك الوقت لا أمل في تطوير الشعوب اقتصاديا او فكريا او سياسيا

الانسانية
سوري مناضل حر -

فلنكن واقعيين بعض الشيء الاسلاميون ليسوا ملائكة على الارض وهم ليسوا معصومين عن الخطأ فلا داعي للتحامل عليهم لدرجة ان نرميهم بسهام نقدنا كما انهم ليسوا وكلاء لله في تتطبيق شريعتهم,بل يجب ان نمنحهم الثقة فأن كانوا اهلا لها فنعم وبها أما ان لم يفلحوا خلال فترة حكمهم فلسوف تلفظهم انفاس الناس قبل صناديق الاقتراع وارجوا ان لانربط دائما بين الاسلام وبين الشخصيات الاسلامية التي تظهر وتتكلم باسم الاسلام فهم ليسوا إلا بشر هم كماالعلمانيين حين يتحدثون باسم العلم والعلم منهم بريء مع أن المراد بالعلمانية شيء اخر لا اريد الخوض في تفاصيله من خلال تعليقي البسيط والمتواضع