فتاوى مفخخة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فهمي هويدي
سُئل صاحبنا عن التحالف مع الليبراليين فأفتى بأنه لا يجوز قطعا التحالف مع التيارات المخالفة للشرع. ومن ثم لا يجوز لحزب النور التحالف إلا مع الأحزاب التي تنصر الحق وتطبق شرع الله. ونهى عن تهنئة الأقباط في الأعياد، قائلا: "إن أعياد المشركين لا يجوز شهودها ولا المعاونة على إقامتها، لأنها مرتبطة بعقيدة فاسدة". وعن اتفاقية كامب ديفيد ذكر المفتى أن حزب النور ملتزم بها، لأن تغيير الواقع المخالف للشرع مرتبط بالقدرة والعجز وبالموازنة بين المصلحة والمفسدة.
هذا الكلام لو قيل في جلسة لمجموعة من الأصدقاء، لقلنا إنها ثرثرة وزلات لسان لا تؤخذ على محمل الجد، وهي في النهاية وجهة نظر المتحدث لا تلزم إلا صاحبها. لكن الذي حدث أن الكلام نشر على الصفحة الأولى من جريدة "المصري اليوم" يوم الأربعاء الماضي 4/1، منقولا على لسان نائب رئيس الدعوة السلفية الدكتور ياسر برهامي، الذي قيل إنه يعد المرجعية الشرعية لحزب النور. وقد فهمنا من الكلام المنشور أن ما صدر عن الدكتور برهامي على الأقل في جزئه الأول جاء تعقيبا على تصريح لرئيس حزب النور الدكتور عماد عبدالغفور أثناء أحد البرامج التلفزيونية، تحدث فيه عن إمكانية تحالف حزبه مع الليبراليين في البرلمان القادم، الأمر الذي إذا صح فإنه يعني أن رئيس الحزب يتبنى موقفا في حين أن "مرجعيته الشرعية" ترى رأيا على النقيض منه تماما. على الأقل في مسألة التحالف مع الآخرين.
ما نقل عن الدكتور برهامي أوقعني في حيرة، خصوصا حين قرأت أنه يمثل "مرجعية شرعية" لحزب النور الذي أثبتت الانتخابات النيابية أن له حضورا معتبرا في الساحة المصرية. وقد تبدد بعض الدهشة حين علمت أنه في الأصل طبيب أطفال. يغلق عيادته بالإسكندرية كل مساء، ثم يتوجه إلى مسجد قريب منها ليعطي فيه دروسا لآخرين من أنصاره ومريديه. لم استغرب فقط ما صدر عن الرجل، لكني استغربت أيضا الاهتمام بكلامه وإبرازه على الصفحة الأولى لجريدة الصباح. ولم يكن لذلك من تفسير سوى أن ذلك الإبراز جزء من التنافس الإعلامي على استنطاق السلفيين والحفاوة بما يصدر عن أغلبهم من آراء شاذة وصادمة سعيا وراء التخويف أو الإثارة.
ربما كان صاحبنا طبيب أطفال ناجحا، لكني أشك كثيرا في بضاعته من الفقه. إذ حين أفتى بعدم جواز التحالف مع الليبراليين، وقال هذا الكلام على سبيل القطع، وكأن القرآن تضمن نصا صريحا خص به الليبراليين وحزب الكتلة، فلعله لم يسمع بامتداح النبي عليه السلام لحلف الفضول، الذي أقامه وجهاء قريش لنصرة الضعفاء وهم على شركهم قبل الإسلام. وقال في ذلك: "لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت". ولو قرأ الآية الثامنة من سورة الممتحنة التي تدعو المسلمين إلى البر والقسط بالذين لم يقاتلوا المسلمين في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم، ولو أعاد قراءة النصوص التي تحث على التعاون مع الجميع على البر التقوى. لو فعل ذلك لتردد وتراجع عما أفتى به، أما المصطلحات التي وردت على لسانه خاصة بنصرة الحق وتطبيق شرع الله، فلو أنه رجع إلى شيء مما كتب في تحرير المفهومين، لأدرك أن نصرة الحق باب واسع يحتمل كل ما يخطر على البال من قيم إيجابية تلبي أشواق الناس وتطلعاتهم، وأن تطبيق شرع الله يكون أيضا بتحقيق المقاصد الشرعية المتمثلة في الحرية والعدل والمساواة، وغير ذلك من القيم الخيرة التي لا يختلف عليها عقلاء البشر وأسوياؤهم. (أرجو أن يرجع إلى ما قاله ابن القيم في الجزء الثالث من كتابه إعلام الموقعين).
استغرب أيضا ما قاله بحق الأقباط والدعوة إلى عدم تهنئتهم في عيدهم، ليس فقط لأن نبي المسلمين كانت له زوجة قبطية وأنه دعا المؤمنين لأن يفشوا السلام بينهم، ولكن أيضا لأن الإسلام الذي أباح للمسلمين أن يتزوج من كتابية، بحيث يصبح أخوال أبنائه وأجدادهم من المسيحيين، لا يمكن أن ينكر عليهم أن يهنئوهم في أعيادهم. وللشيخ محمد الغزالي كلمة مأثورة في هذا الصدد، قال فيها إن الإسلام الذي أباح للمسلم أن يعيش مع الكتابية تحت سقف واحد لا يمكن أن يضيق بأن يعيش الجميع في وطن واحد.
أستغرب أيضا أن يعلن صاحبنا موافقته على اتفاقية السلام مع إسرائيل، مبررا ذلك بضرورات القدر والعجز والموازنة بين المصلحة والمفسدة. ثم لا يستخدم معيار المصلحة في التحالف مع الليبراليين أو تهنئة الأقباط في أعيادهم، رغم أن التوافق مع هؤلاء وهؤلاء أولى وألزم.
حين أطالع أمثال تلك الفتاوى المفخخة التي يطلقها أولئك النفر من الدعاة الجدد، وألحظ ما فيها من جرأة وتغليط، تنتابني الدهشة ويتملكني العجب، الأمر الذي يدفعني إلى القول بأنه إذا كان أبناء الإسلام يقدمونه بهذه الصورة، فإن تشويهه لا يحتاج إلى أعداء
التعليقات
حق الرد مكفول
حسام -رد الدكتور محمد علي يوسف على مقال الأستاذ فهمي هويدي ولمزه للدكتور ياسر برهامي أشد ما يثير العجب فى كلامك يا استاذ هويدى أنه يقال بثقة عجيبة تجعل الجهلاء يظنون أنه حق و أن من يخالفك مسكين و قليل العلم شاذ الآراءيا أستاذ يا من تقول أن القول بتحريم التهنئة على الأعياد الدينية قول شاذ إنك بذلك لا تتهم الدكتور ياسر بشذوذ الرأىبل تتهم علماء الأمة و أئمتها لما يزيد عن ثلاثة عشر قرنا يالشذوذثلاثة عشر قرنا لا تستطيع ان تزعم أنها لم تشهد تعايشا مما استدللت به و مع ذلك أتحداك و إن بحثت عمر نوح عليه السلام أن تجد مخالفا لتلك الفتوى التى وصمتها بالشذوذ خلال تلك القرون من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم من أى مذهب معتبر أو غير معتبرو ناديت على نفسك بقلة العلم حينما استدللت بزواج لم يحدث و بامراة فاضلة صلى عليها المسلمون بإمامة الفاروق رضى الله عنه و لا اظن انه صلى عليها فى كنيسةالسيدة مارية هى أم ولد و أرجو أن تبحث عن معنى هذا الاصطلاح الفقهى لعله يكون جديدا عليك و هى مسلمة يا اخ هويدى أسلمت بعد اهدائها للنبى صلى الله عليه و سلم مباشرةاما عن عمومياتك التى استدللت بها فارجو ان تسأل من تثق به من الفقهاء هل هى ادلة معتبرة فعلا ام لا خصوصا فى تلك المسألة الدقيقة و ثق انك ستسمع منه ما لن تقبله منى ان كانت لديه اثارة من علمو عن حلف الفضول فهذا استدلال حسن لكنه ليس فى مقام الاختيار و هو ما لم تضع يدك الفقهية عليه حينما توهمت خلافا بين رئيس الحزب و مرجعيتهففارق بين ان يختارك الناس و هم يثقون فى دينك و امانتك و بين ان تجبرهم باختيارهم لك على اختيار من رأى الدكتور ياسر انهم يخالفون الشرع الذى ننادى بتطبيقهأما كلام الدكتور عماد فمناطه على الحلف المشهور الذى ذكرته و هو يشمل التعاون على قضية جزئية مشتركة و هى رفع الظلم و تلك يباح فيها التعاون بإجماع ما دام محددا و لا يحمل اختلاطا فى المنهجفالاولى مناطها على الدين و الأمانة و الثانية مناطها على المصلحة الراجحةو لا ادرى صدقا كيف وصل الخلط عندك ان تقارن تحالفا بمعاهدة مع اهل حربو ان تقارن عهدا مؤقتا بتعايش دائم ننادى بهان اقصى ما فى معاهدة اليهود ان يقال انها من باب " فاتموا إليهم عهدهم " و حتى يتم الاعداد و الاستقواء و أخذ الاهبة و يخرقون العهد ( و قد فعلوا ) حينئذ يقاتلون و يسعنا فى ذلك ما وسع امامنا فى الحديبيةو اما عن لمزك للد