اللهم أعز الإسلام بإحدى العظميين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إدريس الدريس
تتقدم الدول وتصعد مدارج النمو عندما تتحرك وتتخلى عن الجمود والثبات. وتتطور الدول عندما تنفض عن جسدها غبار السكون وقيود الشكلانية، ولهذا كان على الدول التي تريد أن تحجز لنفسها مقعداً في صفوف الأمم المتقدمة أن تتخلص من إطار التقليدية والرتابة وأن تجرب.. ثم تخطئ ثم تجرب فتخطئ.. ثم تجرب فتصيب وتتعلم الدرس وتختار ما تنتجه التجربة لا ما يخزنه التاريخ فقط وألا تستسلم وتقعي وتجثم فوق متون الأفكار الآسنة التي كانت صالحة لزمنها الذي توالدت فيه لكنها بثباتها لا يمكن أن تصلح لمجتمع متغير متحول.
كل شيء ما عدا دستورنا (القرآن الكريم والسنة المطهرة) قابل للنقاش.. وصالح للأخذ والرد.. ومناسب للحذف والإضافة وموجب للتغيير والتبديل.
تأمل معي ـ رعاك الله ـ الدول المتقدمة علمياً وتقنياً وصناعياً (لاحظ أنني لا أعول كثيراً على التقدم العمراني) وسترى أنها تمارس التجريب.. والتغيير بحرية غير محدودة لا يقيدها عيب أو محذور تقليدي، وتأمل في المجتمعات الأقل تطوراً ونمواً في الدول غير المواكبة أو الدول المتخلفة وستجد أن السطوة المجتمعية للعادات والتقاليد والفهم المتعسف للدين وإشهار عصاه هي ما يشكل أسباباً رئيسية في الانكفاء والنكوص.
لقد جاء الإسلام الحنيف بأفقه الواسع وصلاحيته الممتدة على طول المكان وامتداد الزمان فأسس لعقيدة الربوبية والوحدانية التي لا يداخلها وسيط أو شريك من حجر أو بشر، ولذلك صفت العقيدة وتجذرت في الدواخل خالية من التزهد والعزلة والرهبانية، وانطلق بعدها المسلمون يحررون الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وتبع ذلك سعيهم الدؤوب في هذه الدنيا تتعاضد فيه العبادة إلى جوار العمل والتعلم. لم يركن المتقدمون متشوفين - فقط - للآخرة ونعيمها وإنما كان هاجسهم الجامع المانع "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة". وبفضل ذلك التوفيق انفتحت لهم أقطار الدنيا وانقاد الناس تحت مظلة سلطانهم، يتلقون العلم، ويمارسون التجريب، وقد برعوا في ذلك وحققوا الريادة في كثير من الحقول العلمية التي استثمرها من بعدهم، من كل الذين يقودون حالياً قطار التقدم والريادة العالمي، وكل الأمم الجالسة في الصفوف الأمامية، فيما دب الخمول وران الجهل في المسلمين وتداعت عليهم الأمم وسلبت منهم مجدهم وريادتهم وعلمهم، ولا غضاضة في ذلك فهكذا السنة الكونية هي المداولة بين الناس، لكن الغضاضة والغرابة أن ننكفئ على أنفسنا ونبقى أقواماً تأكل وتلفظ.. تأخذ وترفض.. ومع ذلك تجد بعضنا يقتني ويأكل ويلبس ويركب مما يبدعه الآخر ومع ذلك لا يكف عن شتمه وذمه كأنه المنزه من العيوب والمآخذ.. ليتنا عمدنا إلى المحاكاة أو التقليد أو لنقل اقتباس الفكرة وتطويرها، وليتنا حمدنا للآخر هذا الصنيع وهذا الإبداع.
لكن هذا السبق وهذه الريادة لدى الآخر لم تحرض عندنا الغيرة ولم تعزز عندنا حجم المنافسة ولم تزرع فينا حب التفوق.
عندما قامت أميركا بضرب اليابان بقنابلها النووية سلمت اليابان الراية واستسلمت لفوارق التفوق العلمي والعسكري ولم تدخل حلبة المناحة واللطم، وإنما دخلت حلبة التحدي للخروج من أزمتها التي خلفتها القنبلة النووية، لم تصنع لها حائط مبكى أو يوم ملطمة بمناسبة ذكرى القنبلة، ولم تدمن شتم أميركا ولكنها تخلت عن هاجس القوة والذراع الطويلة وقررت الدخول في معركة المحاكاة والتقليد والاقتباس على نحو جعلها توفد أبناءها إلى مدارس الغرب ومصانعه لعلهم يتحصلون على الأسرار الصناعية والخلطات السرية لكثير من المنتجات التقنية والكهربائية. ثم بدؤوا في رسم الشخصية الخاصة بهم وبمنتجاتهم بشكل جعل الصناعة اليابانية فريدة في شكلها وحجمها وصغرها القياسي والمتناهي، مقارنة بالصناعات المنافسة، وهكذا استطاعت اليابان أن تخلق لنفسها سوقاً خاصة في كثير من بلدان العالم من خلال نجاحها وتميز منتجاتها.. نهضت اليابان ونفضت عن جسدها غبار الحرب وضمدت جراح الضرب وتخلت عن شتم العدو وتولت مقارعته بالمنافسة النوعية حتى صار المنتج الياباني ماركة مسجلة يحرص على اقتنائها الأميركي ربما قبل الياباني. أما العرب تحديداً فاستمروا يمضغون ويتجشؤون هاجس التآمر الأميركي عليهم، ولهذا أمعنوا ذماً وقدحاً لأميركا الإمبريالية المتآمرة وطاب لكثيرين شتمها على المنابر والدعاء عليها بالويل والثبور والسحق والمحق، وكان الأولى في ظني الدعاء بأن ينصر الله الإسلام وينشره في الدول المتقدمة والعظمى منها، لأن إسلامنا العظيم أحق بأن يكون عقيدة سكان هذه الدول المتقدمة التي تصنع وتبدع وتأكل وتلبس مما تصنع، والإسلام أولى وأحق بالمنتجين العاملين المبدعين الخلاقين من أولئك الشامتين الشاتمين.
عندما ترى هوان المسلمين وضعفهم - حالياً - وترى قوة وسطوة الدول المتقدمة علمياً وصناعيا ًواقتصادياً مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين وغيرهما من الدول الكبرى تتداعى وتتذكر دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع بداية الدعوة إلى الإسلام عندما دعا ربه قائلاً اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين (عمر بن الخطاب وعمر بن هشام) واقتداء بسيدي - بأبي هو وأمي - فإنني أسأل الله أن يعز الإسلام ويبسطه في كل الدول المتقدمة ليكون الإسلام منارة للعالمين.