جريدة الجرائد

جورج سمعان وإياد أبو شقرا: سوريا والمحور الثلاثي .. صفقة أم مواجهة؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

جورج سمعان وإياد أبو شقرا: سوريا والمحور الثلاثي .. صفقة أم مواجهة؟

"المحور الثلاثي" يستدرج صفقة أم مواجهة؟جورج سمعانالحياة تبرز المواقف السياسية الأخيرة للقادة الروس والسوريين والإيرانيين أن هذا المحور الثلاثي باتت أطرافه مربوطة بإحكام واحدها إلى الآخر، في مواجهة السياسة الأميركية والغربية عموماً. كأن مصيرهم بات واحداً. لذلك، لا عجب في أن يكون التشدد عنوان الخطاب السياسي لهذا الثلاثي: إيران لم تكف من أسابيع عن التلويح بإقفال مضيق هرمز إذا طاولت العقوبات الغربية قطاعها النفطي. والرئيس بشار الأسد أطل أخيراً ليؤكد تمسكه بالخيار الأمني، حاملاً على الجامعة العربية و "المؤامرة" الخارجية، ومستبعداً تالياً أي تسوية محتملة للأزمة الداخلية. وفلاديمير بوتين هدد عشية معركته الرئاسية بأنه لن يسمح بخطوات انفرادية على الساحة العالمية لا تراعي رأي روسيا ومصالحها.لا تخفي كل من طهران وموسكو دعمهما دمشق، منذ اندلاع الاحتجاجات في المدن السورية. ويعول نظام الأسد كثيراً على هذا الدعم في مواجهة خصومه في الداخل والخارج. وحذّرت موسكو من أنها ستعتبر أي هجوم على إيران بسبب برنامجها النووي "تهديداً مباشراً لأمنها"، ودان نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف الحظر النفطي المقترح ضدها. وجدد رفض بلاده أي تحرك واسع ضد نظام الأسد.واضح تماماً سعي القادة الثلاثة إلى حرف الصراع عن وجهته الداخلية وما تلح عليه من استحقاقات تستلهم "الربيع" العربي، إلى إطار إقليمي ودولي واسع. لعل في ذلك استنهاضاً لشعور قومي في إيران. أو دغدغة حنين بعض القوى إلى عصر إمبراطوري بائد في روسيا. أو تحفيز بعض القوى على الصمود في مواجهة "مؤامرة" خارجية قائمة على سورية من سنوات... وهزمت في أكثر من موقعة!لم يجد الرئيس الأسد بديلاً من العودة إلى خطابه الأول: فالتسوية الداخلية بين المعارضة والنظام تبدو مستحيلة بعد الدماء التي جرت، وفي ظل وقوف الطرفين على خطوط نار متقابلة تزداد استقطاباً مذهبياً واشتعالاً يتوسع. ومبادرة الجامعة العربية لم تجد توافقاً إقليمياً داعماً، ولم توفر وقتاً كافياً لمساعي روسيا وحتى إيران وتركيا في ظل غياب التفاهم أو التلاقي الدولي على صيغة أو صفقة لن يكتب لها النجاح ما لم تكن شاملة جملة من الملفات المرتبطة بالأزمة السورية ومستقبل الوضع في هذا البلد.أما بوتين وأحمدي نجاد فيواجه كل منهما تحدياً على مستوى الداخل قبل الخارج. ففي روسيا كما في إيران رفض واضح لفئات وقوى واسعة ووازنة لمحاولة استئثار كل منهما بالقرار. وهما يواجهان حركة احتجاج تستيقظ وتخمد تبعاً للظروف. أي أنهما يعيشان تهديداً مقيماً. وهو ما يدفعهما إلى دغدغة الشعور الوطني بالحديث المتكرر عن عظمة الأمة والعمل على استعادة أمجاد إمبراطورية ضائعة أو مسلوبة. ويتشاركان المخاوف من صعود دول آسيا الوسطى من كازاختان إلى تركمانستان على مستوى النفط والغاز. وما يشكل ذلك من منافسة لاحتكار بعض أسباب القوة، لئلا نقول الابتزاز، في يد موسكو أو طهران.ويواجه بوتين، كما نجاد، حملة على حكومته في موضوع الحريات وحقوق الإنسان. والحملة لن تتوقف عن حقن الداخل ودفعه إلى التصعيد في وجه النظام. بالطبع لا تحلم واشنطن بإمكان تغيير النظام في كل من روسيا أو إيران، إلا أن احتمالات تغيير النخب الحاكمة أو السياسات أمر وارد إذا توافرت له شروط معينة. ولا يخفى أن مرد حملة التهديدات التي تطلقها الجمهورية الإسلامية هو الحزمة الجديدة من العقوبات التي تسعى إليها أميركا وشركاؤها الأوروربيون وغير الأوروبيين. والتي ستشكل عامل ضغط على الشارع الإيراني وتحفيزاً له لرفع الصوت وإحياء المعارضة لحكومة نجاد وسياساتها المحلية والخارجية. فضلاً عن السعي لوقف المشروع النووي.وتشكل سورية واسطة العقد في هذا الثلاثي. فكما هي جسر عبور لإيران إلى قلب الشرق الأوسط وحدود الصراع العربي - الإسرائيلي، وخط تواصل مع حلفائها في لبنان وفلسطين، هي كذلك لروسيا. فميناء طرطوس ترى إليه المؤسسة العسكرية الروسية رمزاً موروثاً من أيام صراع المعسكرين الشرقي والغربي. ويوفر للبحرية الروسية موطئ قدم في المتوسط. مثلما توفر العلاقة المتينة مع دمشق عموماً دوراً فاعلاً لموسكو في الصراع العربي - الإسرائيلي وأي ترتيبات سلام أو تسوية. ومثلما تجهد الجمهورية الإسلامية لتأكيد حضورها الفاعل في الإقليم واستعادة ما كان لها أيام الشاه، يرتفع صوت بوتين محذراً لوقف حملة التطويق الأميركي والأطلسي لروسيا وقضم مواقعها، سواء في العالم العربي أو في آسيا الوسطى.ويعرف بوتين - مثلما يعرف نجاد - أن الاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة تركز على آسيا والمحيط الهادئ، سعياً إلى مواجهة التهديد الصيني المتنامي في تلك المنطقة التي قد تغدو في السنوات المقبلة أبرز ساحة للصراع. ويدرك أن حجم الدور الروسي فيها لن يكون رئيسياً مع وجود القوتين الأميركية والصينية، لكنه دور يشكل تعزيزاً للحضور الصيني. من هنا يرحب الصينيون بأي دور لموسكو في هذا الإقليم في مقابل الدور الذي تؤديه كل من كوريا الجنوبية واليابان مؤازرة للدور الأميركي. لذلك، تركز روسيا ثقلها في الشرق الأوسط، ودول الجوار.وكانت روسيا تاريخياً تؤمن بأن بناء علاقات وشراكات ثنائية مع الجيران للحفاظ على مصالحها الحيوية، أكثر نجاعة من العلاقة مع الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا البعيدة. من هنا هذه الشراكة القائمة بين موسكو وطهران وإن بدا أن الأولى تستخدم أحياناً الثانية ورقة في صراعها أو حوارها مع أميركا وأوروبا. هذه الشراكة تفرضها ليس فقط ما تمثله الجمهورية من سوق سلاح واسعة لروسيا، بل مصالحهما المشتركة في بحر قزوين وآسيا الوسطى ومحاولة الحد من نفوذ تركيا التي ترى إليها روسيا أنها عادت إلى دورها القديم في حلف شمال الأطلسي والعلاقة الاستراتيجية التي تجمعها مع الولايات المتحدة.لذلك، يخشى أن يؤدي وصول بوتين إلى سدة الرئاسة، بعد شهرين، إلى إلحاق الضرر بالجوانب الإيجابية للعلاقات التي عمل على تطويرها كل من الرئيسين باراك أوباما وديمتري مدفيديف، مفضلاً إعادة بناء الثقة في العلاقة مع إيران، والتمسك تالياً بالنظام في سورية. وهي علاقة تضع أقدام روسيا في مياه الخليج الدافئة كما تضعها في قلب المعادلة الشرق أوسطية. وقد توفر لها فضاء يكسر الطوق الذي يحاول الـ "ناتو" ضربه حولها، من جورجيا إلى أوزبكستان وأذربيجان وحتى تركيا. كما أن روسيا لا ترغب في أن ترى إلى سورية أو إيران تدوران في فلك أميركا وأوروبا.لا يعبر بوتين صراحة أنه يريد إحياء الاتحاد السوفياتي. لكنه يكاد يشبه أحمدي نجاد عندما يعلن أنه سيجعل من بلاده قوة لا يستهان بها وبموقعها ومصالحها في العلاقات الدولية كما في الصراع الدولي على مستوى الكرة الأرضية. لكن المفارقة أن الرئيس الأميركي الذي يتوجه إليه الزعيمان الروسي والإيراني لم يقم لهما حساباً كبيراً في استراتيجيته الدفاعية الجديدة، مثــلما فعل حيال الصين. فواشنطن تدرك أن روسيا لم تعد تلك القوة العسكرية أو الاقتصادية التي تتيح لها استعادة دور مفقود. مع العلم أن ترسانتها تتجاوز ما تمتلكه الصين على صعيد الأسلحة الاستراتيجية والانتشار خارج الإقليم. فهل يستطيع بوتين تحقيق ما لم يحقق في ولايتيه السابقتين وفي رئاسته الحكومة الحالية؟ هل يستطيع استعادة دور موسكو التليد من البوابتين السورية والإيرانية مثلاً؟ صحيح أن موسكو أثبتت أنه لا يمكن تجاوزها في عدد من الملفات. فالحرب على إيران مثلاً لا يمكن ألا تحسب حساباً لروسيا. وهو ما تعول عليه طهران في صراعها مع الغرب. وكذلك يبدو جلياً اليوم كم أن الموقف الروسي في الأزمة السورية يشكل عائقاً كبيراً في وجه محاولات التغيير التي تقودها المعارضة في الداخل، وبعض القوى العربية والغربية في الخارج.لكن النفوذ الروسي في المنطقة يظل قاصراً عن مقارعة النفوذ الأميركي. ولا حاجة إلى كم من الأدلة والتطورات التي شهدتها المنطقة في العقدين الأخيرين. وبالتالي لا يمكن بوتين أن يستعيد لموسكو ما كان لها ماضياً. يستطيع أن يقايض برفع الصوت والتهديد. تماماً كما تفعل إيران التي تستعرض كل يوم ترسانتها العسكرية، خصوصاً الصاروخية. هي لا تريد حرباً تلحق ضرراً بخصومها لكنها قد تحولها أرضاً محروقة. ما تريده هو أن يقايضها هؤلاء الخصوم. أو على الأقل أن يبتعدوا عنها. ما تريده هو الاعتراف بدورها الذي كان أيام الشاه، بدورها المحوري، دولياً وإقليمياً.حتى الآن كان في سلم أولويات روسيا معاودة احتضان الجمهوريات السوفياتية السابقة، ثم تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا. فهل يبدل المحور الثلاثي في سلم الأولويات؟ وماذا يمكن أن يقدم بوتين إلى أهل الشرق الأوسط؟ هل يستطيع حل الصراع العربي - الإسرائيلي؟ وما مدى تأثيره في مسارات الربيع العربي، أو بالأحرى ماذا يمكن أن يجني من منطقة تتجه برمتها نحو أنظمة إسلامية محافظة... فيما يخشى قيام مثل هذه الأنظمة على حدود روسيا وداخل بعضها؟ ألا يعي أن قدرة الشعوب على التغيير تتقدم على ما تخططه الدوائر العليا؟ ألا يعتبر مما حدث للاتحاد الســوفياتي وتداعيــات ســقوطه في العالم... والتي وصــلت أخــيراً إلينا؟ هل يعود إلى مبدأ المساومة كما فعل حتى الآن بالورقة الإيرانية... وبالورقة السورية؟ وهل يقدر؟إياد أبو شقرا روسيا وسوريا في أيام سقوط المثالياتالشرق الأوسط".. وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، لكن قريش قوم يعتدون".(مسيلمة الكذاب)ماذا تريد روسيا، اليوم، من طريقة تعاملها مع الأزمة السورية؟.. واستطرادا ما هو موقفها من أزمات منطقة الشرق الأوسط ككل، بعد مرور سنة على تفجر الثورة التونسية التي كانت المؤشر الكبير على ما بات يوصف بـ"الربيع العربي"؟"الفيتو" الروسي - الصيني المزدوج في مجلس الأمن الدولي الذي جاء خلال الأسابيع الأولى من تفجر الانتفاضة السورية، وجد له البعض ما يبرره في حينه. فاتجاه الأحداث في ليبيا كان صدمة لموسكو التي شعرت وكأنها تعرضت لـ"ضرب احتيال" من القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة طبعا، انتهى بتجريدها من "بيدق شطرنج" مهم لها من الناحيتين الاقتصادية واللوجيستية في العالم العربي وحوض المتوسط.كان شعور موسكو بالمرارة والضيق إزاء استخفاف الغرب بـ"مصالحها" في منطقة لا يفترض أنها على تماس مباشر بإسرائيل أو منطقة الخليج، أكثر من مفهوم. غير أن الاتجاه الذي أخذته الانتفاضة السورية، وأسلوب القمع الدموي الذي مارسه ضدها نظام الرئيس بشار الأسد "على الطريقة القذافية".. كانا كفيلين بتوضيح معالم الصورة أكثر. ومن ثم، مع انكشاف حقيقة "فتور" الموقف الإسرائيلي، وبالتالي الأميركي، من مبدأ التغيير الذي تطالب به غالبية الشعب السوري، واكتفاء واشنطن بتحذيرات أقرب ما تكون إلى التمنيات، اتضحت صورة أخرى للعبة الإقليمية - الدولية التي هي أكبر من مجرد تغيير نظام تسلطي متصخر مستعص على الإصلاح."السيناريو" السوري المتعثر، وحالة العجز العربي المألوفة، ومن ثم التواطؤ الإقليمي والدولي، كلها عوامل زاد من تأثيرها السلبي على الشعب السوري وانتفاضته.. الاتجاه الذي أخذه "الربيع العربي" بشقه التغييري، سواء على صعيد الارتباك الحاصل في ليبيا، ومآل الحالة اليمنية المائعة، ونتيجتي الانتخابات في كل من تونس ومصر، بل مصر بالذات.ما حملته الانتخابات المصرية في البلد الذي تعاملت معه واشنطن بحزم، وعجلت في إحداث التغيير على قمة السلطة فيه خلال أسبوعين فقط، كان عاملا مهما - وإن لم يكن مفاجئا - أسهم بصورة مباشرة في توالي الأحداث في المنطقة، والمواقف الدولية منها. وبروز "الإسلام السياسي" بديلا حتميا لأنظمة التسلط المتخلف التي طالما زعمت - زورا - بأنها "تقدمية" تستند إلى دعم "الجماهير" وتؤمن بـ"الاشتراكية"، مسألة قرر العقل البراغماتيكي الغربي التعامل معها بالطريقة العملية الوحيدة التي يعتمدها في ممارسته السياسة، سواء داخل دوله أو في علاقاته الدولية الخارجية.هذا الطريقة اسمها "حساب التكلفة".. لا أكثر ولا أقل.خلال الأشهر الماضي، بينما كانت الشعارات المثالية تنطلق من هنا وهناك لتحية انتفاضات "الربيع العربي" وتشجيعها علانية، كانت أروقة طبخ السياسات في العواصم الكبرى منهمكة في درس "تكلفة" تلك الظاهرة.. بعيدا جدا عن العواطف والمثاليات.فقط في دول أميركا اللاتينية، ربما، كان هناك صدق "مبدئي" في مسألة استنكار سقوط معمر القذافي والوقوف في وجه انتفاضة السوريين ضد نظام الأسد. ففي أوساط اليسار بدول أميركا اللاتينية (أميركا الجنوبية وكوبا ونيكاراغوا) هناك عداء دفين للسياسة الأميركية، وشك عميق في مقاصدها، بفعل عقود متطاولة في استغلال واشنطن ثرواتها الوطنية، وتواطؤها المتكرر مع ديكتاتوراتها ضد شعوبها. وبالتالي، بالنسبة لليسار الأميركي اللاتيني الذي يحكم راهنا أكثر من ثلثي دول أميركا الجنوبية، بما فيها البرازيل والأرجنتين، فإن أي جهة تعاديها واشنطن على المسرح الدولي - ولو لفظيا - لا بد أن تكون من "المعسكر المظلوم" المستهدف، وبالتالي، وجب أخلاقيا التعاطف معها وشد أزرها.في المقابل، ينبع الموقفان الروسي والصيني من مكان آخر مختلف تماما. فهنا لا مكان لـ"مثاليات" الأميركيين اللاتينيين الأنقياء الذين تأخروا كثيرا في اكتشاف حقيقة "الثوريين" الذين دعموهم من منطلق النية الطيبة حيال "رفاق" المظلومية.. المقاومين لـ"الاستكبار" الأميركي، وفق القاموس الإيراني!بعد أفول نجم الشيوعية عن موسكو، وانتهاج ورثة دينغ هسياو بينغ "خطا" صينيا مبتكرا من الشيوعية بالكاد يبقي على شيء منها، يجوز القول إننا الآن أمام حالة شبيهة بحالة الاستعمار الكلاسيكي القديم عندما تقاسمت القوى العالمية الكبرى، وبالأخص الأوروبية منها، أراضي قارات العالم. فموسكو فلاديمير بوتين، رجل "الكيه جي بي" السابق، لا تحاور العالم باسم فضائل الاشتراكية ومزاياها ومصلحة الشعوب في ترويجها وتعميمها، بل تحاول إقناع الغرب في عصر ما بعد "الحرب الباردة" بترك حيز لها في خريطة تقاسم النفوذ المصالح.لنتذكر أن الحزب الشيوعي الروسي اليوم هو حزب المعارضة الرئيسي في موسكو، وليس حزب السلطة.ولنتذكر أن أكبر عدد من "طفيليي" الانفتاح على "اقتصاد السوق" وغاسلي أمواله، موجود اليوم في روسيا.ولنتذكر أن الشركات الصناعية الغربية - رمز الاستغلال الرأسمالي وملكية وسائل الإنتاج كما تعلمنا - تسقط راهنا، حسب جدواها الاقتصادية، فرائس سهلة.. للرأسمالية الصينية الجديدة.وبناء عليه، عندما ترسل روسيا قطع أسطولها إلى ميناء طرطوس فهي لا تفعل ذلك من أجل الدفاع عن كادحي الشعب السوري المظلوم، بل تفعل ذلك كإشارة إلى واشنطن مؤداها أن على الولايات المتحدة أن تحسب حسابها في الأسلاب والمغانم، وبالتالي، تترك لها بعض مناطق النفوذ.أصلا، كيف يمكن تفسير الموقف الروسي من إيران، التي يحكمها نظام ثيوقراطي، نكل باليسار على امتداد سنين؟ما هو المبرر للتعاون التسليحي والنووي مع طهران خارج إطار الرد على جشع واشنطن واستخفافها بالآخرين، وتوسيعها أبدا خطوط نفوذها عبر "حلف شمال الأطلسي"، (ناتو) ليشمل عددا من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق؟.. وهذا، ناهيك عن مصالحها في آسيا الوسطى، المنطقة الضخمة ذات الأهمية الاستراتيجية النفطية والجغرافية الكبرى بين أراضي روسيا والصين وإيران وشمال شبه القارة الهندية؟ولننس إيران قليلا، وننظر إلى علاقات موسكو مع إسرائيل. هل انقطعت الصلات بين موسكو وتل أبيب على الرغم من التوتر الذي شاب العلاقات بعد اعتقال بعض أثرياء الانفتاح اليهود الروس بتهم "الإثراء غير المشروع"؟ما يحدث اليوم هو انخراط عدة أطراف، مباشرة أو بصورة غير مباشرة، في مساومة بشعة على أشلاء الأبرياء، على تكلفة التغيير وتقاسم مناطق النفوذ، بعيدا تماما عن احترام حقوق الإنسان والديمقراطية الحقيقية.وما يظهر بوضوح الآن أن عملية "استدراج العروض" تسير على قدم وساق على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فبعدما استطاع "اللوبي" الإسرائيلي في واشنطن إقناع إدارة جورج بوش الابن بجعل "الشيعية السياسية" الإيرانية شريكا تكتيكيا في معركته ضد "السنية السياسية" تحت ذريعة محاربة القاعدة وطالبان، مما أدى بالنتيجة إلى تسليم العراق تسليم اليد إلى طهران، ها هي واشنطن في عهد باراك أوباما تفتح صفحة جديدة.إنها بعد ارتياحها لتجربة "السنية السياسية" الحاكمة في تركيا، تفتح اليوم - بإيحاءات إسرائيلية أيضا - مفاوضات تفاهم وتعاون مع القوى الإسلامية السنية الفائزة بالانتخابات المصرية، بهدف التعايش معها في وجه تزايد طموح طهران، والأثمان الباهظة التي تطلبها طهران وترى أنها تستحقها في خريطة النفوذ بالمنطقة.في ظل عملية "استدراج العروض" هذه، تسقط كل المبادئ والمثاليات.. والأقنعة "الممانعة"... وتربح إسرائيل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف