جريدة الجرائد

اقتراحات نصرالله... وتجاهل العارف

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سركيس نعوم

اقترح الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 ايكال التحقيق في الجريمة الى لجنة عربية يتمتع عناصرها بالكفاءة العلمية العالية والنزاهة المشهود لها. وسبب الإقتراح كان مطالبة فريق الشهيد الحريري بتأليف لجنة تحقيق دولية، واقتناع نصرالله بأن من شأن ذلك فتح الباب لاحقاً امام المطالبة بمحكمة دولية. وتحقيق المطلبين لم يكن مستحيلاً في ذلك الوقت لأن الموقف الاميركي والاوروبي الذي كان دائماً مسايراً لسوريا ودورها اللبناني بدأ يتحول سلبياً. وطبيعي في حال كهذه ان يصبح تدويل الازمة اللبنانية بتشعباتها الاقليمية وخصوصاً السورية والايرانية منها ممكناً. وهذا امر يرى "حزب الله" انه يهدده في الصميم كما يهدد حليفته الجمهورية الاسلامية الايرانية ومشروعها في المنطقة. طبعاً لم يتجاوب اهل "الشهيد" في حينه مع اقتراح نصرالله وكذلك حلفاؤه ومؤيدوه. واليوم عندما يرى هؤلاء ان جامعة الدول العربية عاجزة عن معالجة الازمة السورية الخطيرة بين نظام آل الاسد وغالبية الشعب الذي يحكمه فإنهم يحمدون الله على عدم قبول اقتراح السيد نصرالله. فالأمين العام للجامعة مرتبك، ومواقفه النظرية والعملانية فيها الكثير من التناقض. اذ يبدو بعضها حريصاً على اعطاء فرصة للنظام كي ينجح في الافلات من هذه الازمة سواء كان الاصلاح الذي يَعِدُ به شكلياً أو لا. والجامعة اساساً غير متمرنة للقيام بعمليات المراقبة، كتلك التي يقوم بها منذ اكثر من اسبوعين مواطنون عرب ينتمون الى دول بل الى انظمة لم تعرف يوماً الإصلاح او لم تعترف به، وتالياً لا يعرفون كيف ينفّذون مهماتهم على الارض السورية، ولا ما هي تفاصيلها، ولا كيف يتجرأون على حاكمها ورجاله كما على الثوار من اجل تكوين صورة حقيقية عن الذي يجري في سوريا. واعضاء الجامعة بغالبيتهم منحازون الى الثوار علانية ويقدمون لهم الدعم السياسي والاعلامي، وهذا اكيد، والدعم المالي والسلاحي، وهذا مرجّح. وبموقف كهذا هل يكون توقّع نجاح فعلي لمهمة المواطنين العرب في سوريا في محله؟ وبموقف كهذا هل يمكن توقّع مبادرة النظام السوري الى تسهيل مهمة مراقبين ينتظر غالبية اعضاء الجامعة تقريرهم لإدانته، بل لوضعه على طريق الانتهاء؟ علماً ان الاقلية في الجامعة التي تحاول ان تبدو متساهلة حيال النظام السوري،ينبع موقفها من خوف انظمتها على مصيرها في ضوء سلبية شعوبها تجاهها. وهذا التساهل قد يتحول الى مماشاة للغالبية في الجامعة اذا تأكدت الاقلية انها صارت خارج دائرة خطر الغضب الشعبي عليها، وكذلك خطر المحاكمات الدولية (الرئيس السوداني مثلاً...). وعلماً ايضاً ان الشعوب العربية كلها تعرف ان الغالبية المشار اليها تعتبر دور الجامعة مرحلياً هدفه نقل الازمة السورية من الساحة العربية الى الساحة الدولية (مجلس الامن) لتقرير طريقة إنهاء نظام الاسد وليس انقاذه.
طبعاً يعرف اللبنانيون ان السيد نصرالله يعرف كل ذلك، قديمه والجديد المفصّل اعلاه، وانه لم يطرح اقتراحه المتعلق باغتيال الحريري لأنه كان يتعمّد "غش" عائلته وحلفائه وانصاره. فهو ليس من هذا النوع على الاطلاق. بل طرحه لأنه كان يحاول تجنّب ازمة داخلية لبنانية خطيرة، وكارثة رآها "هاجمة" على سوريا الاسد ثم على حزبه ومعهما على ايران الاسلامية. لكنه رغم ذلك طرح اواخر الاسبوع الماضي اقتراحاً شبيهاً يعرف قبل غيره ان دون تنفيذه صعوبات، وهو "توحيد جهود الدول العربية ومعها دول اسلامية مؤثرة مثل ايران الاسلامية وتركيا للمساعدة في انهاء الازمة السورية". اما الصعوبات فهي ان غالبية الدول العربية اصطفت نهائياً ضد نظام الاسد لأسباب متنوعة. وانها تعتبر ايران، راعيته وحليفته وحاميته ومساعدته في الشدّة الحالية، الخطر الاول عليها، وانها في موقف واحد مع اميركا واوروبا ضد الاثنين فضلاً، عن انها تحضّهما وعلى نحو مستمر على القيام بما يجب للتخلص من الأثنين وخطرهما. وتركيا لا تختلف عن غالبية العرب في مواقفها رغم انها اكثر تعقّلاً وحكمة وقوة، ورغم انها تمتلك استراتيجيا يفتقدها العرب. وهي لذلك لن تصطدم بايران، بل ربما تتفاهم معها لادارة شؤون المنطقة، اذا نجحت في تفادي ضربة عسكرية اميركية او الانجرار الى حرب اقليمية واسعة، اي في اختصار اذا توصّلت الى تفاهم مع اميركا.
لماذا طرح السيد نصرالله اقتراحه الاخير هذا بعد كل اتهاماته المعروفة لتركيا وغالبية الدول العربية؟ ربما لأنه يعرف ايضاً الواقع الخطير والمستقبل الاكثر خطورة على لبنان وشعوبه كما على الحزب وحلفائه في المنطقة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
إسرائيل الحليفة
منصف -

شكرا للسيد الكاتب على صراحته، إنه يوضح لنا في مقاله هذا، ربما دون قصد منه، أن العدو بالنسبة لأغلبية الدول العربية أصبح هما سورية وإيران. أما إسرائيل فإنها أضحت بطريقة من الطرق صديقة وحليفة. أما إلى أين يقود المنطقة عرب هذا الطرح، وإلى أين سيوصلنا في نهاية مطافه، في حال ما تم تدمير سورية وإيران، فذلك ما لم يتوسع الكاتب في شرحه لنا.. نتمنى منه القيام بذلك في مقال لاحق..