جريدة الجرائد

في معنى «المصالحة الوطنية»

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

منصور الجمري

من المؤسف له أن بيئتنا السياسية تقتل معاني الكلمات كثيراً، ويصبح ترديد بعض المصطلحات مثل الإطار الذي لا يحتوي على صورة بداخله. وينضم مصطلح "المصالحة الوطنية" إلى قائمة المصطلحات التي تُفرَّغ من معناها ومضمونها.
"المصالحة الوطنية" تعتبر آلية لحل النزاع، وهي بديل ونقيض لآلية "القوة" التي تفضلها العقليات التي لا تؤمن بالآخر. وبين استخدام "القوة"، واستخدام "المصالحة الوطنية"، هناك آليات أخرى تدخل بين هذين النقيضين، إذ إن هناك آليات "المقاضاة" و"الوساطة" و"التحاور والتفاوض" و"التحكيم"، وهناك خليط بين هذه الآليات.
بالنسبة إلى آلية "القوة" المفضلة لدى البعض، فإنها تعتمد على استخدام القمع المباشر لتصفية وجود الآخر أو إذلاله عبر تلقينه درساً لا ينساه إلى الأبد ووضعه في مستوى متدنٍّ جدّاً أسوأ مما كان عليه قبل بدء النزاع، بحيث يتأسف أنه فكر في الدخول في حلبة النزاع. هذه الآلية تؤمن بأن إخضاع الآخر وإذلاله هي أفضل وسيلة حتى لو تطلّب ذلك إنهاك كل الإمكانات من أجل توفير القوة القامعة التي تخسف الأرض ومن عليها وتؤدّب أي جهة تفكر في الاعتراض على مجريات الأمور.
أمّا آلية "المصالحة الوطنية" فإنها تسعى إلى معالجة جذور ما حدث لكي تمنعه من الحدوث مرة أخرى. هذا يتطلب الاعتراف بالآخر، والاعتراف أن هناك مسببات مشروعة للاعتراض على مجريات الأمور، وأن هناك أخطاء قد حدثت، وربما أن الأخطاء تطورت إلى انتهاكات جسيمة، وهذه تحتاج إلى "تقصّي الحقائق"، ومن ثم اتخاذ خطوات تصحيحية مباشرة تهدف إلى جبر الضرر وإلى معالجة الخلل الذي أدّى إلى نشوب النزاع في البداية.
آلية "المصالحة الوطنية" تطرح قاعدة أساسية، وهي اعتماد مواثيق حقوق الإنسان كإطار أساسي لا يمكن تجاوزه. فمثلاً، لا يمكن لطرف أن يقول: لا يمكنني أن أعاملك على أساس المساواة أمام القانون لأن هناك جماعة ستزعل... كما لا يمكن القول: لا أستطيع أن أتوقف عن إيذائك لأن هناك جماعة اعتمدت عليه في الماضي تطالبني بالقضاء عليك... كما لا يمكن القول: لا أستطيع أن أرجعك إلى وظيفتك لأن آخرين أعتمدت عليهم لا يرضون بذلك.
مثل هذه المقولات كلها "ضد حقوق الإنسان"، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في ديباجته على أن جميع أعضاء الأسرة البشرية لهم كرامة أصيلة فيهم، وحقوق متساوية وثابتة، تشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، وأن تجاهل حقوق الإنسان وازدراءها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني.
نهج "المصالحة الوطنية" يسعى لإيجاد حلول للقضايا الأساسية في الصراع، ويعمل أيضاً على تغيير علاقات الخصوم من "الحقد والعداء والكراهية" إلى "الصداقة والوئام والشراكة"، وأن يكون الجميع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف