المهم ماذا بعد "مبارك"؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
غازي العريضي
يوليو 1952 ثورة في مصر. قادها الضباط الأحرار، ضد نظام الملكية. ضد الفقر والاحتكار والاستعمار. اختلف "الرفاق" فيما بينهم. رست القيادة على ضابط وسيم، قوي، صاحب كاريزما ساحرة هو جمال عبد الناصر. الرجل الذي سحر الناس فعلاً. وعرف كيف يخاطبهم، وكيف يستقطبهم، وكيف يحبهم ويحبونه. ليس على مستوى مصر فحسب، بل على مستوى مساحة الأمة كلها. ظاهرة عبد الناصر كانت ولا تزال ظاهرة استثنائية، ولم تتكرر حتى الآن. نجح قادة في بلادهم. استقطبوا الجماهير، اكتسبوا ثقتهم، لمعوا في السياسة، وبرزوا في ساحات كثيرة. ترددت أسماؤهم هنا وهناك. لكن، لم تهتف حناجر في العالم العربي لشخص كما هتفت لعبدالناصر، ولم تتحرك جماهير كما تحركت له ومعه ومن ورائه.
ومع ذلك، وعلى مدى أقل من عقدين من عمر هذه الظاهرة، لم تتحقق أهداف الثورة الأساسية. لم تكن ديموقراطية، ولم تكن حرية، ولم تكن عدالة، ازداد الفقر، وشحنت نفوس بالحقد. أكان أصحابها يساريين أو إسلاميين (الشيوعيون والإخوان المسلمون). وتكرّس حكم العسّكر. دون أن يشك أحد في نزاهة وخلق وكرامة وتواضع ذلك المارد الأسمر. لكنه إنسان. يخطىء ويصيب. حقق إنجازات كثيرة ووقع في كبوات كثيرة. وأبرزها كانت حرب الـ 67 وهزيمة الجيش المصري ورمز قيادته وعنفوانه جمال عبدالناصر.
لم يعوّض صدقه شيئاً، ولم يستثمر حسّه بالمسؤولية واعترافه بالهزيمة وبالتالي بتلك المسؤولية الجسيمة. فاستقال. كان نبض الشارع معه وضد إسرائيل وأميركا. جدد الثقة به وله. عاش يتحدى ويكافح علّه يبني من جديد أملاً محققاً بنصر أكيد، لكنه مات.
جاءت مرحلة ثانية من حكم العسكر. لكن ثورة مضادة انطلقت. وتكرّس النهج ذاته في المعالجات مع تراجع في مستوى القيادة رغم إنجاز حرب أكتوبر المجيدة التي كان لعبدالناصر دور كبير في التأسيس له. مع الرئيس السادات غابت الديموقراطية والحرية. وازداد أيضاً الفقر والجهل. وهدأت الأمور مع إسرائيل، وتعززت العلاقة مع أميركا دون مردود فعلي على مستوى التنمية والأمن الغذائي والاجتماعي مع الازدياد الكبير الهائل الضاغط في عدد السكان. ازدادت الهموم. قتل السادات. ولكن تخدّرت البلاد.
جاءت مرحلة ثالثة من حكم العسكر. مع تراجع في مستوى القيادة. وتقدم سريع وخطير في تعميم ثقافة الفساد والرشوة. وعجز في إيجاد الحلول وفرص العمل. وتضييق على الحريات، وجوع وفقر، وشعور عند بعض الناس بأن عائلة وحاشية حولها تأكل خير البلاد وتريد تعميم الوراثة فيها. تريد الانتقال من خيار حكم العسكر إلى خيار حكم العائلة. والعائلة ينظر إلى رأسها أنه قاد البلاد إلى الهلاك. فلا التجربة ناجحة، ولا الثقة راسخة، ولا الآفاق مطمئنة، ولا الأوضاع تحتمل.
كان التسليم راسخاً عند أركان أن شيئاً لن يحصل. وأن مصر ستبقى في سباتها العميق، ثم جاءت المفاجأة. سقط رأس النظام، ومنذ أيام احتفل المصريون بعيد ثورتهم الثانية.
نعم، العيد الرسمي السنوي للثورة كان 23 يوليو. العيد الوطني للثورة اليوم هو 25 يناير... والنقاش يدور حول حكم العسكر، أو تحديد دورهم. الانتخابات انتجت مجلساً نيابياً (مجلس الشعب) سيطر على غالبيته الإسلاميون. وتستعد البلاد لانتخابات مجلس شورى ودستور جديد وانتخابات رئاسية. وفي الذكرى الأولى للثورة، في العيد الوطني الأول اليوم انتقادات للعسكر، ودعوات لرفع حالة الطوارىء التي تم رفعها بالفعل قبل الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير، ولقيام دستور وهيئات منتخبة ترعاها أنظمة وقوانين تحدد دور المؤسسة العسكرية وإنفاقها.
وفي هذا الجو حالة جماهيرية شعبية لاتزال تتحرك بدينامية كبيرة باتجاه ميدان التحرير. والمطلب الأساس: الحرية. الكرامة. العدالة. المساواة. فرص العمل. تفعيل الاقتصاد. لقمة عيش. هذه هي الأهداف والشعارات والهموم التي تتقدم على غيرها من العناوين.
ومصر في موقعها ودورها التاريخي وثرواتها، وإمكاناتها أساس من أسس الاستقرار والازدهار في الأمة كلها. والكل بحاجة إليها.
هي حركة التاريخ. ثورة تأتي ويأتي معها عيد. ثم ثورة أخرى ومعها عيد. لكن العيد الحقيقي هو في تحقيق الأهداف. في التنمية. في التطوير. في تكريس قيم الديموقراطية واحترام حقوق الناس وتداول السلطة.
اليوم لا شيء من ذلك فعلياً. نحن أمام بداية، والاحتكام فيها كان للناس. مسؤولية المنتخَبين ألا يخذلوا المنتخِبين. أي أن يلتزموا تلك القيم ويعملوا على تكريسها واقعاً.
الجيش في كل دولة هو العمود الفقري للمؤسسات الوطنية، فمهمته الدفاع عن السيادة والكرامة الوطنية والأمن الوطني والحدود. لا يجوز أن يتحول إلى أداة أمنية قمعية مستبدة لحماية النظام والاستقواء على الناس، وأن يتحول النقاش عن التطوير والتنمية إلى كيفية ردع هذه المؤسسة عن التدخل في الحياة اليومية للناس، وعن استغلال المؤسسة لجني ثروات وتحقيق مكاسب والوصول إلى مناصب.
نعم في مثل هذه الحالة، يصبح التسابق والصراع على من يكون في موقع القيادة العسكرية لأنها القيادة الفعلية حتى ولو كان النظام ديموقراطياً فكيف إذا كان نظاماً من أنواع الأنظمة التي نشير إليها؟
الفرصة كبيرة في مصر، والمشهد جميل. وأصوات الفلاحين والفقراء تصدح تعبّر عن فرحهم في التغيير، ولكنها تحمل آمالاً كثيرة وتعبّر عن آلام كبيرة.
هؤلاء يستحقون الفرح الحقيقي بعد طول معاناة وصبر. يستحقون فرحة العيد الحقيقي في التغيير الحقيقي.
إنها بداية الطريق. مبارك عيد مصر الوطني. مباركة ثورتها. مبارك " تموزها" "وينايرها" والمهم ماذا بعد "مبارك"؟