جريدة الجرائد

قوات ردع عربية في دمشق؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

خالد غزال

تداولت أوساط اقليمية أفكاراً لحل الأزمة السورية من بينها إرسال قوات ردع عربية الى سورية لوقف الحرب الأهلية ووضع حد لنزف الدم، وذلك على غرار ما شهده لبنان نهاية 1975 في مؤتمري الرياض والقاهرة، اللذين اتخذا قراراً بإرسال قوات عربية الى لبنان. يجرى تداول الاقتراح في سياق مختلف جداً عن السياق اللبناني، ويبدو كأنه حديث أقرب الى الهزل منه الى الجدية، بل وجاهل بالعوامل والأوضاع اللبنانية في تلك الفترة.

كان دخول قوات الردع العربية الى لبنان عام 1975، وبغالبية سورية ساحقة، حصيلة موافقة إجماعية من اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ودول النظام العربي المؤثرة آنذاك. اجتمع الدولي والاقليمي يومها على قرار يقول بإزالة القوى الاعتراضية على مفاوضات السلام التي كانت بدأت بعد حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973، والتي يمكنها ان تعوق او تعرقل المسار السلمي المفتوح بقوة. كانت حلقة الاعتراض شبه الوحيدة آنذاك متمثلة بالمقاومة الفلسطينية وحليفها اللبناني في الحركة الوطنية. ولأن المقاومة الفلسطينية كانت قد تجذرت في لبنان، وتحوّل البلد الى الدولة البديلة الى حين، لذا كان القرار بتغذية الحرب الأهلية والدخول في الصراع الداخلي، تحت شعار إلغاء المقاومة عملياً، وشطبها من المعادلة. لم يكن خافياً على القوى الدولية وإسرائيل ان خير من يقوم بهذه المهمة هو حصولها على أيدٍ عربية - عربية، ولم يكن أفضل من النظام السوري للقيام بهذه المهمة، وهو الذي يتقن خطاباً ديماغوجياً، يقوم على شعار دعم المقاومة الفلسطينية، فيما يعمل الذبح برقابها.

العامل الآخر الذي أتاح لقوات الردع الدخول آنذاك، ان النظام السوري كانت تبلورت لديه استراتيجية "سورية الكبرى" والتي بموجبها يتمدد على حساباب كل من فلسطين ولبنان والاردن. شجع الرئيس الأسد على التمادي في هذا النهج شعوره بأن الولايات المتحدة وإسرائيل ومعها بعض الدول العربية، ترى فيه النظام المناسب للعب دور الشرطي بل و "البلطجي" المستعد للقيام بكل الأعمال القذرة التي يطلب اليه تنفيذها، ليس فقط على صعيد ضرب المقاومة الفلسطينية، بل ضرب كل حركات الاعتراض الوطنية وتشتيتها في العالم العربي.

هل تتوافر العوامل المشار اليها راهناً، على صعيد وجود قوى معارضة لخطة الولايات المتحدة والغرب معها؟ ومن هو النظام العربي الطامح لدور أوسع من كيانه والساعي الى مدى حيوي لطموحاته؟ بالتأكيد ليس هناك أي مقاربة او مقارنة مع تلك الفترة عام 1975 اللبنانية. تعرف مصر أو قطر (اللتان كانتا وراء الاقتراح تصريحاً او تلميحاً لإرسال قوات عربية الى لبنان) ان الموافقة اللبنانية على دخول قوات عربية الى لبنان كانت أحد الشروط المطلوبة لاتخاذ القرار، فيما يقف الرئيس بشار الأسد حالياً ضد اي تدخل في سورية، معتبراً ان ما يجري هو مؤامرة خارجية تنخرط فيها قطر وبعض بلدان الخليج فيه بقوة... مما يعني ان الدخول العربي هو بمثابة إعلان حرب على سورية، ومن سورية على المتدخلين.

لا يخفى على المتابع لمواقف الدول العربية المؤثرة في الأزمة، او لدول المعسكر الغربي، ان اقتراح دخول قوات ردع إنما يغلّف هروباً من المساعدات الفعلية المطلوبة لدعم الانتفاضة السورية، بما يمكنها من إسقاط النظام. أول المطلوب والممكن يتصل بالدعم اللوجيستي، في التسليح وتقديم الخدمات التكنولوجية للمقاتلين. يبدو مصير الانتفاضة مرهوناً اليوم بتطوير الدعم الحاصل حالياً والذي لا يبدو انه قادر على الإخلال بميزان القوى مع النظام وقواته المسلحة. أما النوع الآخر من الدعم المطلوب فهو المتعلق بالضغط الدولي لإقامة منطقة عازلة ومحظورة على الطيران في المناطق المحررة من الشمال السوري، نظراً الى ما يمكن ان توفره مثل هذه المنطقة من حماية للمقاتلين من ضربات الطيران التي باتت السلاح الأساسي للنظام في مواجهة الانتفاضة. اما النوع الثالث من الدعم المطلوب بإلحاح، فهو المساعدات المالية والإنسانية لمئات الآلاف من أبناء الشعب السوري، الذي يعاني اليوم نقصاً حاداً في المواد الغذائية وسائر مستلزمات الصمود والبقاء في سورية، كما ان مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا والاردن ولبنان بأمس الحاجة الى مساعدات الدول العربية.

لا يمكن التعاطي مع اقتراح إرسال قوات عربية الى سورية إلا من منطلق سوء الظن، حيث يبدو ان القرار المتخذ حتى الآن تجاه الانتفاضة والنظام هو مدّ الحرب الاهلية الى أبعد زمن بما يحوّل سورية الى أشلاء، بعدها يجري البحث في انقاذ ما تبقى من سورية بشراً وحجراً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف