كلمة هادئة إلى الإخوة في المعارضة الكويتية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جاسم بودي
لا أعرف إذا كان للكلمة الهادئة مكان في هذه الأيام لأن التصعيد سيد الموقف والضجيج سيد المكان والصراخ سيد الزمان... لا أعرف، لكنني أعرف أن الكلمة الهادئة هي في النهاية الكلمة الأبقى.
لنقل الأمور كما هي. ضياع وحيرة وتردد عند الحكومة، واستياء وأسف وحزن عند مراجع كبرى، وانفعالات وحرقة وألم وتشنجات وانفلات غرائز على مستوى المعارضة أو "المعارضات". والنتيجة المهمة هي وصول البلاد الى ما وصلت اليه في الايام الاخيرة من اختراقات غير مسبوقة للدستور والقوانين والاعراف والتقاليد... أما النتيجة الاهم فهي اننا بدأنا ندفع ثمن غياب اي مشروع حقيقي سواء تعلق الأمر بالإدارة الحكومية أو بإدارة المعارضة.
حذرنا مراراً من خطورة الاتجاه نحو الفراغ لأن الجميع في الداخل والخارج سيتسابق على ملئه. والفراغ الذي نقصده ليس بالشخصيات الحكومية والنيابية ولا بتكديس الإدارات بالموظفين ولا بامتلاء البورصة بالمتداولين ولا بازدحام المباني الكبرى في وسط العاصمة. هو فراغ الدولة من المشاريع السياسية الحقيقية، والتنموية الحقيقية، والاقتصادية الحقيقية، والاجتماعية الحقيقية، ولن نتحدث هنا عن الرؤى الحكومية لأن "الضرب في الميت حرام" ولان المجلدات لا تكفي لشرح أوجه التقصير والتخاذل والفساد الذي عشناه، بل سأتحدث عن المعارضة... وليتسع صدر إخواني فيها لكلمة محب.
أين هو مشروع المعارضة في الكويت؟
قصرت الحكومة في بناء الجامعات والمستشفيات وشق الطرق وتطوير التعليم وحل مشاكل التوظيف وتطبيق القوانين والحد من الفساد الاداري والتجاوزات والمخالفات...
أكرر إن المجلدات لا تتسع لفتح هذه الملفات، بل اكثر من ذلك نأتي مباشرة الى النقطة الساخنة الحالية وهي قانون الانتخاب وأقول اكثر مما يقوله اخواني في المعارضة من ان كل التقسيمات التي خبرناها للدوائر والاصوات على مدى العقود الماضية إنما كانت تكتيكية وعبثية وقصيرة النظر وتأتي دائما في سياق حسابات متعلقة بإنجاح فريق وإسقاط فريق من دون النظر الى النتائج الوخيمة على النسيج الوطني من امراض قاتلة مثل سيادة الغرائز الطائفية والمناطقية والقبلية.
كانت الحكومة ترتكب اكبر الاخطاء في حق الكويت عندما تعتبر نفسها حزبا في مقابل حزب آخر اسمه المجلس. جلّ همها كان كم عليها ان تستقطب من الحزب الآخر كي تمرر مشاريعها وقراراتها مع ما استتبع ذلك من جمود واسترضاءات وفساد وإفساد دفعنا وستدفع اجيالنا ثمنه تراجعا في مختلف مسارات التنمية... ومتى؟ في الظرف المالي النفطي الذهبي الذي قد لا يتكرر.
اليوم، وبعدما رأيناه في الايام والاسابيع الماضية. نقول اذا كانت الحكومة قدمت مشروعا مظلما للكويت فان تصرفات بعض المعارضين (اكرر بعض المعارضين) تقدم مشروعا كارثيا للكويت. واذا كان ابناؤنا وشبابنا "يتحرقون" هما من اجل انطلاقة البلد وفك اسر التنمية فيه فإنهم اليوم "يحترقون" بنار ما شاهدوه وما سمعوه ويعيشون خيبة أمل كبرى ممن يفترض انهم يطرحون انفسهم "البديل الحضاري" للحكومة.
بدل ان يسمع أو يقرأ الشباب مشروعا متكاملا من المعارضة عن تطوير قطاع العمل برمته وفق أسس حديثة قادرة على استيعاب الخريجين وزرعهم في المجالات الوظيفية الحيوية المنتجة، سمعوا من يدعوهم الى ثورة لا تبقي ولا تذر، وعن مقارنة بين ليبيا والكويت، وتونس والكويت، ومصر والكويت، واليمن والكويت، وسورية والكويت...
مهلا مهلا يا سادة يا كرام، إما أنكم لا تعيشون في الكويت وإما أنكم تعتقدون ان الكويتيين لا يعرفون ما كان يجري في ليبيا أو ما يجري في سورية حديثا. مهلا. نقطة نظام. هدوء. ابناؤنا ليسوا بهذه السذاجة كي ينجرفوا بمحرقة "ثورة حتى النصر" و"ربيع عربي". ثم النصر على من؟ على لحمكم ودمكم؟ على اهل بيتكم؟
بدل ان يسمع أو يقرأ الشباب مشروعا متكاملا من المعارضة للوحدة الوطنية يحميهم ويقيهم شر الانجراف وراء الطائفية والمناطقية والعنصرية والقبلية، سمعوا من يقول إن ابناء هذه المنطقة يتعرضون "للقهر والضرب منذ خمسين عاما"، ومن يتحدث عن قبيلته فقط، ومن يحول النزاع السياسي إلى نزاع عنصري فيتهم مجموعة من لون واحد بأنها تنفخ في كير الأزمة. ومن يغمز من قناة طائفة معينة. ومن يصرخ "انتهى زمان الصمت"... هل هذا هو النموذج البديل الذي يريده ابناؤنا لنبذ الكراهية والانقسام؟ وهل "زمان الكلام" في الأحزاب التي ينتمي اليها المعارضون والدول المعجبين بها أفضل منه في الكويت كي ينتهي زمان الصمت؟ ومن الذي يقهر ويضرب في الكويت منذ 50 عاما واهل الكويت لا يعرفونه أو يتفرجون عليه؟ بعض الموضوعية يا جماعة مفيدة لأن نتائج الخطأ الحكومي انعكست على الكويت بأسرها لا على منطقة أو طائفة أو قبيلة.
بدل ان يسمع أو يقرأ الشباب من المعارضة لغة بديلة حضارية تضع الإصبع على الجرح وتحدد مواطن الخلل والحلول وطرق التحرك السياسية، سمعوا من يشتم ويحقر ويتطاول ويوجه السهام يمنة ويسرة ويحرض ويشحن ويزرع الكراهية... وكأن القاموس السياسي وحتى "النضالي" خلا من المفردات المعبرة، أو كأن المتحدث يعتقد ان الجمهور لا يفهم الا هذه اللغة وفي ذلك إساءة كبرى للحاضرين قبل ان يكون للمجال العام، أو كأن السقف السياسي المعارض الذي يجب ان يسود هو هذا السقف وفي ذلك اساءة الى المعارضة والى رموزها التاريخيين الذين نجحوا في تقديم بديل حضاري لجم في فترات كثيرة الانحراف الحكومي.
وبدل ان يسمع أو يقرأ الشباب من المعارضة مشروعا تنمويا متكاملا يبدأ بالاصلاح السياسي (ومن ضمنه الانتخابي والحزبي) وينتهي بالدفع التنموي مرورا بتطوير كل القطاعات... سمعوا تهديدا للاستقرار واستفزازا للقوى الامنية ودعوة لاخذ الحقوق باليد. وهل انهيار الهيكل سيصيب الحكم والحكومة فقط؟ وهل ان عناصر القوى الامنية التي تضم أهلنا واخوتنا هم اعداء للمواطنين؟ وكيف لمن يتظاهر ويخطب ويصرح ويصرخ احتجاجا على ما يرى انه انتهاك للقانون ان يدعو في الوقت نفسه الى تجاهل القوانين و"أخذ الحقوق باليد"؟
مرة اخرى، لا يمكن لعاقل ان يدافع عن مشروع الحكومة أو يفكر حتى في ذلك، ولكن اين هو مشروع المعارضة في الكويت؟
الطرفان لا يملآن الفراغ بل يوسعان دائرته، وواضح ان المعارضة لا تمتلك مشروعا حقيقيا بديلا قادرا على تجميع مختلف الكويتيين حوله، ولذلك فالنصيحة حاليا هي ان يتقدم العقلاء والحكماء الصفوف الاولى لحركة الاحتجاج الحالية كي يعيدوا تصويب البوصلة وتصحيح المسار لان ما شهدناه لا يمت الى الرشد في شيء، بل هي مقدمات فوضى قد يتفاجأ الذين شكلوا وقودها انهم كانوا حطبا لنارها وان غيرهم سيرث الرماد...
الدين النصيحة، وما أحوجنا في هذه الأيام إلى الدين والنصيحة... والرشد.