جريدة الجرائد

المناظرة الأميركية: أسئلة في السياسة الخارجية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله بن بجاد العتيبي


تحتفظ المناظرات الانتخابية الأميركية بجاذبية خاصة للمتابعين داخل الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم أجمع، وذلك لأهمية قراءة توجّهات الدفة الأميركية في السياسية والاقتصاد وغيرهما، يدعم ذلك كون الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى حول العالم وسياساتها تؤثر بشكلٍ أو بآخر في كل دول العالم.

تصنع هذه المناظرات وتدار باحترافية عالية، ويتم بثّها بشكل استعراضي جذّاب تلفزيونيا يضمن لها متابعة عالية لا ممن تمسّهم هذه المناظرات بشكل مباشر بل إنّها تستقطب آخرين ليسوا كذلك، نظرا للمهنية العالية وتوفير عناصر الجذب التلفزيوني في تلك المناظرات.

منذ أربع سنوات كانت إدارة الحملة الانتخابية للرئيس باراك أوباما خفيفة الحمل من أي ارتباطٍ بسياسات الجمهوريين في فترتي بوش الابن، ولهذا فإنّها اعتمدت رسم صورة أسطورية لأوباما وحرّكت فئاتٍ مهمة من الشعب الأميركي لم تتحمّس من قبل للذهاب لصندوق الاقتراع وكان على رأس تلك الفئات فئة الشباب الذين تحمّسوا لحملة أوباما وخدموها عبر التقنيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد نجحت الحملة في استقطاب جماهير عريضة من الشباب في العالم لتأييد أوباما الأسطورة والخضوع لسحره الذي برعت الحملة في نشره وضمان تأثيره.

نجحت حملة أوباما في تقديمه كحلم خارق أو كأسطورة مجيدة، وقد دعمتها فصاحة أوباما اللغوية ومهاراته الخطابية، غير أنّ أوباما بعدما صار مجبرا على الدخول في تفاصيل القرارات الداخلية والمشاريع العملية والسياسات الخارجية لإدارته بدا ضعيفا وغير قادر على الدفاع عن خياراته وقراراته في المناظرة الأولى ولكنّه استعاد شيئا من قدراته العملية والخطابية في المناظرة الثانية.

واليوم يدخل الرئيس أوباما الانتخابات محمّلا بأثقال كبيرة من الخطط والمشاريع والقرارات التي اتخذها وعليه أن يدافع عنها وأن يتحمّل ضريبة أخطائه في أي منها، وقد مرّت مناظرتان كانتا تركزان أكثر على الشؤون الداخلية للمواطن الأميركي وإن لم تخلوا من تطرق بشكل أو بآخر للسياسة الخارجية الأميركية تلك التي ستكون محور النقاش في المناظرة الثالثة يوم الاثنين المقبل.

واحد من أهمّ محاور المناظرة المقبلة سيكون عن "الربيع العربي" وعن سياسات أوباما تجاه دوله، ولئن كانت الاحتجاجات التونسية مفاجئة للجميع فقد كان لدى إدارة أوباما سعة من الوقت لاتخاذ موقفٍ أكثر وعيا في مصر، وعندما كانت إدارة أوباما تسابق الجماهير في ميدان التحرير في مطالبتها برحيل الرئيس السابق حسني مبارك هل كانت تنطلق من رؤية متكاملة واستراتيجية شاملة أم أنّها كانت تنساق خلف الشارع وشعاراته فقط؟ وهل كانت تعلم ما هي البدائل المتاحة بعد رحيله أمّ أنّها كانت تقفز في المجهول دون مراعاة لمصالحها ومصالح دول المنطقة؟ وهل كانت تعي حقا أنّ البديل سيكون جماعات الإسلام السياسي؟

أسئلة كثيرة يمكن طرحها وإضافتها في هذا السياق من مثل: هل كانت إدارة أوباما مقتنعة بصدق بأنّ مرحلة حكم العسكر قد انتهت فعليا وأنّ البديل الوحيد المتاح هو جماعات الإسلام السياسي فقط ولا خيار آخر؟ وهل كانت مقتنعة بأنّ وصول جماعات الإسلام السياسي لسدّة الحكم سيلغي تنظيمات العنف الديني؟ فإن كانت الإجابة بالإيجاب، فكيف تفسّر هذه الإدارة انتعاش جماعات العنف الديني بمصر وتونس كما في اليمن وليبيا؟ وهل تساؤلات أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بعد الهجوم على السفارات الأميركية ورفع أعلام "القاعدة" أمامها تشير إلى حكمة أم ارتجال في تلك القرارات؟

ثمّ، هل كانت هذه الإدارة واعية بأنّها قد جاءت بالحكم الأصولي بدل حكم العسكر؟ بمعنى أنّها رأت أنّ دخول دول الاحتجاجات العربية في الزمن الأصولي وحكم الإسلاميين الذي سيمتد لسنواتٍ طويلة هو الأفضل لمصالح الولايات المتحدة ومصالح تلك الدول؟ وهل فعلا اعتقدت إدارة أوباما بأنّ الديمقراطية مقصورة فقط في صندوق الاقتراع بغض النظر عن السياقات التاريخية والاختلافات الحضارية بين الأمم؟

لقد خاضت الولايات المتحدة حربا باردة طويلة ضدّ الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي عموما حتى ظفرت بالانتصار في تلك الحرب ودخل العالم مرحلة القطب الواحد، وبغض النظر عن الموقف من تلك الحرب ونتائجها، فإنّ السؤال هو: لماذا سمحت إدارة أوباما للمحور الروسي الصيني بالبروز مجددا في المشهد الدولي خاصة فيما يتعلّق بالمشهد السوري؟ ثم، لماذا تناقضت مواقفها؛ فحين كانت سريعة وفعّالة في مصر وليبيا واليمن جاءت بطيئة معاقة تجاه سوريا؟ بينما يبدو أنّ العكس كان هو الأكثر منطقية.

أسئلة أخرى تتعلق بالملفّ النووي الإيراني والسياسات الإيرانية المعادية لدول المنطقة والمحور الإيراني الذي يقاتل بشراسة داخل سوريا لإبادة الشعب السوري بدعم روسي مطلق، ولماذا وقفت إدارة أوباما مكتوفة الأيدي تجاه هذا التطوّر المعادي لها ولحلفائها في المنطقة؟ ثمّ، كيف سمحت لدولة بحجم العراق أن ترتمي بقضّها وقضيضها في حضن إيران وأن تبني تحالفا قويا مع روسيا تجاه المأساة السورية وما يتبعها من ملفّات؟

فيما يتعلّق بالأزمة السورية تحديدا، وبغض النظر عن المنتصر في الانتخابات الأميركية فإنّ سياسات الولايات المتحدة سوف تتغيّر، ذلك أنّه في حال فوز الحاكم ميت رومني فقد صرّح بأنّه سيتخذ مواقف أكثر تأثيرا في الشأن السوري وصرّح بتسليح المعارضة، مع أنّ المطلوب هو خطة شاملة لانتشال سوريا من الوضع الذي وصلت إليه لا مجرد تسليح المعارضة، وفي حال فوز الرئيس أوباما فهو سيصبح قادرا على اتخاذ سياسات أكثر قوة تجاه الأوضاع الدامية في سوريا، فهل سيفعلها أوباما؟

أمر آخر في هذا السياق هو حقيقة تفشي جماعاتٍ أصولية مسلحة في الداخل السوري، وهي جماعات لم يكن لها أن تنتشر لولا تقاعس الولايات المتحدة عن اتخاذ أي عملٍ حقيقي لإنهاء الأزمة في بداياتها، فهل كان ذلك التقاعس بناء على رؤية واضحة وخطة مستقبلية أم أنه مجرد تردد وقلة حيلة في سياسات أقوى بلد في العالم؟ ثم، كيف ستتعامل الإدارة المقبلة مع مشكلة بهذا الحجم؟ فهي مشكلة ستمتدّ تأثيراتها في المنطقة ولن تنحصر داخل الحدود السورية.

هذه أسئلة واقعية ملحة تجول في خواطر كثيرين في المنطقة العربية، وهي لم تلتق بإجاباتها بعد، وأحسب أنّها يجب أن تكون ضمن الأسئلة التي ستطرح في المناظرة الثالثة بعد يومين.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف