جريدة الجرائد

الحرب على بني وليد واقع جديد أم امتداد؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حامد شاكر

الحقيقة التي يعلمها الجميع في ليبيا لكنها قد تختفي وراء العبارات المضللة، أن الأحداث التي تدور اليوم في منطقة بني وليد، وعلى شاكلتها الأحداث التي دارت في منطقة الشاطئ بالجنوب الليبي، ليست سوى محاولات من حكام ليبيا الجدد لكسر شوكة قبيلتي ورفلة والمقارحة، كون الأولى تعد القبيلة الأكبر في منطقة الوسط والثانية هي الأكبر، أو من كبريات القبائل في الجنوب، وكلاهما وقف موقفاً معاديا من ثورة فبراير، وكلاهما لم يرضخ حتى الآن لترتيبات ليبيا الجديدة، تلك الترتيبات التي مطبخها في مكاتب وزارتي الدفاع والخارجية في دولة قطر، وأروقة مخابرات بريطانيا وفرنسا وأمريكا.
طبعا من المهم ألا نغفل حقيقة أو طبيعة عمل الميلشيات، فليس كل تصرفاتها محسوباً أو مدروساً أو موجهاً، بل إن كثيراً من تصرفاتها تكون خارج سيطرة الجهات الممولة أو الموجهة.. وبالتالي فإن الهجوم على بني وليد اليوم قد لا يكون موجهاً، بل قد لا يعدو كونه محاولة انتقامية هدفها إذلال أبناء هذه المنطقة الذين ما برحوا يعلنون أنهم مع قيام الدولة لكنهم ضد سيطرة الميليشيات.. ومسألة أن قرار الهجوم صادر عن المؤتمر الوطني لا تغير من حقيقة الأمر شيئا، فما أسهل انتزاع القرارات من أجهزة هدفها الأول هو الترضية وليس وضع الأمور في نصابها.
إن هذا الوضع الذي نراه في ليبيا والمتمثل في تطبيق قانون الغاب حيث القوي يأكل الضعيف، وإن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب، يجعلنا مضطرين للمقارنة بين النظام السابق وبين النظام الحالي إن صح أن يطلق عليه اسم نظام، فمهما يكن من سوء في النظام السابق فإنه لم يصل إلى درجة أن أطلق العنان للناس ليفرض بعضهم سيطرته على الآخرين، وإن حدث هذا فقد حدث تحت السيطرة.
إن الهجوم على بني وليد اليوم من شأنه أن يجعل أكثر المتفائلين يشك في إمكانية قيام دولة مستقرة في ليبيا.. فالتعامل مع ملفات الأمن وبسط السيطرة وتأليف قلوب الناس - بعد التغلب بالقوة - لا يكون أبدا بهذا الشكل الذي يحدث في ليبيا.. والنصر هو عدم إعطاء الفرصة للرجوع للمعركة من جديد.. لكن عدم الحنكة وقلة الدراية من قبل القائمين على مقاليد الأمور اليوم يجعلنا نتوقع ما هو أسوأ.. ولدينا الكثير من الأمثلة على ذلك آخرها تركيبة حكومة (أبي شاقور) التي تدل ليس فقط على عدم الدراية والخبرة بل تدل على الغباء.
إن ترتيبات ليبيا الجديدة للأسف - لن تؤدي إلى قيام دولة البتة.. وقد يكون من المدهش أن نعلم أن أحد محددات قيام الدولة لدى من يرتبون لقيامها هو عنصر الجهة، وأن من قال: إن الصراع في ليبيا هو بين الحضر والبدو لم يُخطئ ولم يشطط بل قد يكون أصاب كبد الحقيقة.. وعليه فإن قبائل البدو التي انحازت للثورة ربما تكون قد ارتكبت خطأ فادحاً بموقفها.. لأنها باختصار ثارت على نفسها.. وعندما نجحت الثورة وجدت نفسها غير مقبولة من الطرف المنتصر، وغير مقبولة من الطرف المهزوم التي هي جزء من تركيبته.
إن نظرة إلى ثورة فبراير في ليبيا تجعلنا نقول إن هذه الثورة بالمفهوم الطبيعي كان يفترض أن تقوم بها القبائل المهمشة في النظام السابق، لكن لأن طبيعة ثورة فبراير مجرد صراع على السلطة قادته أكثر القبائل والمناطق نفوذا في النظام السابق فإن الأمر ظهر معكوساً.. ويبدو أن القبائل والمناطق التي وقفت بجانب النظام فهمت أن انتصار الطرف الآخر يعني تهديدها في عيشها وفي وجودها وفي درجة تمتعها بأبسط حقوق المواطنة.. فسلبيات النظام السابق لم تكن نتيجة تصنيف.. كانت نتيجة سوء تقدير، الآن السلبيات ستكون نتيجة التصنيف ولن يعدم سوء التقدير..
إن طبيعة الصراع منذ الأيام الأولى للثورة كان واضحاً.. فقد كانت ثورة المنطقة الشرقية وعلى الأخص بنغازي هي ضد استمرار تحكم الآخر فيهم، والآخر هنا هو تركيبة سكانية كاملة، وهي قبائل الغرب، ولذا كان الشعار: 'ثوري ثوري يا بنغازي.. جاك نهار وفيه تراجي'.. وكان من بين المشاهد التي أظهرتها قناة الجزيرة آنذاك أحد الشباب يستنطق أسيراً بلباس عسكري، ويبدو أنه من الجنوب قائلا له بنبرة السؤال: 'باعثينك الغرابة؟'.. ثم امتدت الثورة نتيجة الإعلام إلى مدن في المنطقة الغربية، لكنها مدن (الحضر) الأكثر استفادة من النظام.
طبعا لا ينفي هذا وجود الكثير من الناس في صفوف الثورة وقد حركتهم أسباب أخرى بعضها ديني، وبعضها وطني.. لكن الوطنيين اكتشفوا بعد فوات الأوان أن الثورة في مجملها لم تكن وطنية، بل كانت جهوية، وأن من دخلوا بواعز ديني هم إما مساقون بتحريض المشايخ الذين لديهم فقه الدين لكنهم لا يملكون فقه الواقع، وإما عناصر في جماعة تنظيم القاعدة.. كما لا ينفي تكييف الأمر على النحو السابق وجود قبائل ومناطق وعوائل ليست محسوبة على تركيبة القبائل البدوية ومع ذلك كان موقفها مع النظام السابق وليس ضده.
إننا بعد هذه النظرة الخاطفة لما يجري لا يسعنا إلا أن ننتظر ما ستتمخض عنه الأيام، فالأيام حبلى بالمفاجآت.. وما يحدث لا مكان فيه للعقل ولا للعقلاء.. وقد يكون كل ما نكتب محض أوهام أو نظراً من زاوية ضيقة.. وحسبنا أننا لا نريد سوى البيان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف