إيران.. من تزوير الانتخابات إلى تزوير الدولارات!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هدى الحسيني
على الرغم من النفي الأميركي والإيراني الرسمي لمقال صحيفة "نيويورك تايمز"، (21 من الشهر الحالي) الذي جاء فيه أن إيران وافقت من حيث المبدأ على إجراء محادثات وجها لوجه مع أميركا بعد الانتخابات الرئاسية، فإن الخبر صحيح. وبينما عمد المسؤولون المقربون من الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تسريب الخبر للتأثير على الانتخابات الرئاسية، فإن إيران وافقت على الاجتماع الثنائي بهدف كسب الوقت لتطوير برنامجها النووي، ومن أجل التسبب في وقيعة بين أميركا وحلفائها الأوروبيين.
وقد جاء مقال "نيويورك تايمز" بعد تقرير كتبه عنصر سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية، يهتم بالشأن الإيراني ذكر فيه أن الطرفين الأميركي والإيراني توصلا إلى اتفاق بعد محادثات عقدت في الدوحة - قطر. وكان غاري سيمور المستشار في الشأن النووي بالبيت الأبيض، عقد هو الآخر محادثات في أنقرة مع مبعوث إيراني يتخذ من عمله في السفارة الإيرانية هناك، غطاء لتحركاته.
قد تكون كل هذه التحركات جزءا من الحيل الإيرانية في الداخل والخارج، للتعتيم على القصة الكبرى التي سيطرت في الأسابيع الأخيرة، ألا وهي انهيار العملة الإيرانية (الريال)، مما أدى إلى اضطرابات في البازار في بداية الشهر، وفي السادس عشر منه عندما احتجت الشركات على ارتفاع أسعار المواد الخام والصعوبات التي تواجهها لتغطية النفقات.
وفي محاولة لاستباق احتمالات الاضطربات الاجتماعية على نطاق واسع عمد النظام الإيراني إلى ابتداع حيل فيما أصبح ممارسة عادية في تجاهله لرفاهية شعبه. ثم، هناك أيضا دلائل على فوضى الإدارة، وفقدان توافق الآراء في القيادة، مع رسائل مختلفة تسمع على نحو متزايد من داخل جهات متعددة في النظام.
في الثالث عشر من الشهر الحالي اعترف عضو في مجلس الشورى بالتأثير الكبير لأزمة العملة الأجنبية على الاقتصاد، وعلى خطر مظاهرات تجار البازار، معربا عن خوفه من الاحتجاج العام على نطاق واسع. تخوفه يتناقض تماما مع رسائل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي التي يحاول عبرها نشر الهدوء، وكأن شيئا لم يتغير. وفي علامة أخرى على خطورة هذه المسألة، فإن المؤسسة الدينية بدأت تلح لإيجاد حل للازمة الاقتصادية.
مفتاح الحل بالنسبة إلى نظام خامنئي، يكشف عن رغبة واضحة للعمل على الحفاظ على موقعه، بغض النظر عن الثمن الكبير الذي يدفعه الشعب الإيراني. لقد حاول النظام إلقاء اللوم على تدفق المليارات من الدولارات المزورة في سوق الصرف الأجنبي الإيراني، على تجار الدولار في السوق السوداء.
في السادس من هذا الشهر، نشرت وكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية "إيسنا"، أن "البعض" يحاول الكسب على حساب الجمهور، من خلال عملة مزورة يتم تسويقها في سوق الصرف!
هذا بدوره خلق قلقا وذعرا بين الناس الذين استبدلوا أموالهم في الأسابيع الأخيرة، في محاولة للحفاظ على جزء من قيمة الريال التي تتدهور بسرعة.
وأشارت مصادر متعددة إلى أن "الإذن بهذا العمل" صدر عن أعلى مستوى في البلاد، أي مكتب خامنئي نفسه. ونشرت عدة مواقع إيرانية تصريحا لرئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى أرسلان فتحي بور، يتحدث فيه بشكل مكشوف عن "مليارات من الدولارات المزورة" في سوق الصرف في البلاد.
بور كان يحذر الإيرانيين من العملة المزورة التي أغرقت السوق، في وقت تقف فيه حكومته وراء هذا العمل. وكما يقول مصدر إيراني، فمن غير المعقول، أن تغرق السوق الإيرانية بما يقرب من ثمانية مليارات دولار، من دون تدخل فعلي من النظام "إذ لا يمكن لمنظمة صغيرة من المزورين أن تنظم من الناحية اللوجيستية مثل هذا التزوير".
القصد من إغراق السوق بالدولارات المزورة هو السيطرة على الريال الذي فقد 41 في المائة من قيمته مقابل الدولار، والإيراني الذي كان في حوزته في مثل هذا الشهر من العام الماضي 11 ألف دولار، نقصت مدخراته إلى 3400 دولار هذا العام، ثم إنه لا يعرف كم لديه حقيقة، لأن النظام يحظر نشر القيمة الحقيقية للتبادل. وأمام هذا الانهيار، دعا متحدث باسم السلطة القضائية إلى إنزال عقوبة الإعدام بكل من يلحق ضررا في الاقتصاد الإيراني، وكان ذلك بمثابة تهديد مباشر للصيارفة.
في الوقت نفسه، يقول خامنئي إن إيران لن تستسلم لـ"الاستعمار" في مواجهة العقوبات الأوروبية الجديدة، لكن مهما كانت نبرة خطابه، فإن المرشد الأعلى تواق لتجنب "ربيع فارسي" جديد، شبيه بالانتفاضات التي انطلقت في دول في الشرق الأوسط العامين الماضيين. إن مثل هذه الصدمة للنظام، لم ترها إيران منذ أن قمعت المتظاهرين بعد فضيحة "تزوير" الانتخابات.
التزوير الأول، تلته مظاهرات، ليس معروفا ما سيلي "التزوير" الثاني المتعلق هذه المرة بالدولارات. واجه خامنئي الشعب من أجل محمود أحمدي نجاد، لكن الرئيس الإيراني اختلف مع المرشد، وهو الآن يمضي أيامه يصارع وحيدا (أعوانه في السجون) ينتظر انتهاء فترة رئاسته في الصيف المقبل.
علامات متزايدة من اليأس واضحة من خلال القرار لتشويه السوق بدولارات مزيفة. والشعب الإيراني لا يدفع فقط ثمن سوء الإدارة الاقتصادية أو العقوبات الدولية التي فرضت عليه نتيجة لسياسات النظام، بل إنه يدفع ثمنا باهظا لدولارات مزيفة.
بالنسبة إلى العقوبات الأوروبية الأخيرة (15 أكتوبر/ تشرين الأول)، فإنها تحول جديد في الجهود الدولية الرامية إلى دفع إيران لإعادة رسم سياساتها الخارجية. لكن من المضلل الافتراض بأن العقوبات الأوروبية الجديدة ستدفع بإيران إلى اتخاذ مواقف جديدة من القضايا التي تسبب خلافاتها مع المجتمع الدولي، خصوصا سياستها النووية. وما سجلها الإقليمي الأخير، إلا دليل واضح للسبب الذي يجعل شعوب المنطقة تشعر بقلق بالغ.
الحالة الأكثر وضوحا، هي سوريا، حيث إن "الحرس الثوري" متورط عسكريا مع نظام بشار الأسد، وفي كثير من جوانب الحياة المدنية. وينوي الإيرانيون الآن توفير الكهرباء لدمشق إثر اتفاق وقعه البلدان قبل ثلاثة أشهر وبموجبه تزود طهران دمشق بـ250 ميغاوات من الكهرباء، وذلك للتعويض عن الهجمات على شبكة الكهرباء، وبعد توقف الإمدادات من تركيا، والأردن ومصر.
وكشف مؤخرا كيف أن "الحرس الثوري" يلعب دورا حتى في التفاصيل المتعلقة بالأمن الشخصي للرئيس السوري.
ثم هناك حزب الله في لبنان، الذي يدين بالولاء الآيديولوجي لولاية الفقيه، والذي يتلقى الأوامر مباشرة من طهران. والخوف الآن من انتشار الدولارات المزورة في لبنان، الأمر الذي قد يزعزع الاقتصاد اللبناني أكثر. الحزب، رغم النفي، تزايد دوره على المسرح السوري في دعم النظام ضد المعارضة.
سوريا وحزب الله من "الشرايين" الحيوية لإيران، تريد تعويمهما باستمرار حتى على حساب الشعب الإيراني. هي تدرك أن خروج سوريا من لبنان، جعلها تواجه المشكلات داخل أرضها، في السابق كانت تقاتل فوق الأرض اللبنانية وبحياة اللبنانيين. إيران تعرف أن دورها في سوريا الآن، كدور سوريا سابقا في لبنان، يجب أن تبقى المشكلات هناك، فإذا انتهت بسقوط النظام، انتقل الصراع إلى الداخل الإيراني. ثم إن سقوط النظام السوري يقطع شريان الحياة الأساسي لحزب الله، مهما قيل عكس ذلك.
بطبيعة الحال، فإن جهود إيران لتجاوز العقوبات، لا هوادة فيها، ويمكن أن تصبح أكثر إبداعا في الوقت الذي يزداد فيه النظام يأسا. ومما لا شك فيه أن إيران ستحاول اللجوء إلى كل بدعة أو خدعة قبل أن تقبل بأن يفرض عليها تقديم تنازلات.
تجدر الإشارة إلى أنه في حالات سابقة عندما واجه النظام الإيراني تحديات رئيسية اقتصادية وسياسية، تجنب التحولات الكبرى في السياسة الخارجية، وفضل أن يكون متهورا في سياسته الاقتصادية لمنع سخط الشعب بدلا من التعامل مع قضايا سياسية ضرورية لوضع إيران على طريق النمو والاستقرار، وفضل أن يشكل تهديدا لدول المنطقة بدلا من أن يكون شريكا.
كان ذلك قبل زمن العقوبات القاسية، وقبل أن تجف خزينته من الاحتياطي المالي. لكن، هل يستطيع في الحالة الجديدة المراهنة على صبر الشعب الإيراني وإلى متى؟