شعب لبنان العظيم...باي باي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
غسان حجار
"ماشي الحال، لو كان هناك شعب يحاسب لما بقي زعماء متلي ومتل الرئيس الحريري وغيرنا". هذا ما قاله النائب وليد جنبلاط في "كلام الناس" مع الزميل مارسيل غانم الأسبوع الماضي.
وفي الموضوع نفسه قرأت عن غياث بن ابرهيم انه كان يتظاهر بالعلم ويزعم انه يحفظ الأحاديث ويرويها، فكان الناس يجتمعون حوله فيحدثهم بالأعاجيب وهم يصدقونه. رآه رجل يوماً على فعل لا يليق، فقال له: ألا تستحي من الناس؟! فقال: أين هم الناس؟ قال: هؤلاء الذين اجتمعوا لك. قال: تعني هؤلاء! ليسوا ناساً...واذا أردت ان أثبت لك فتعال معي...ثم ذهبا، فجلس غياث في مجلسه وبدأ يحدث الناس عن الجنة ووصفها. وهم يستمعون منصتين. فلما رأى تفاعلهم معه، اخترع حديثاً من عقله وقال لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم ان يلمس أرنبة أنفه بلسانه دخل الجنة! فبدأ الناس - فوراً- يخرجون ألسنتهم ويحاولون لمس أرنبة الأنف! فالتفت غياث الى صاحبه وقال له: ألم أقل لك؟
وصفان يختصران واقع الحال، وخصوصاً لدى شعب لبنان العظيم الذي ما فتئ يتقاتل، فيقتُل ويُقتل، ثم يستنكر، ويصرخ، ليعود الى ارتكاب أخطائه نفسها. لم يتعلم هذا الشعب من تاريخه الدموي، ولم يفد من غنى تعدده الطائفي والمذهبي، ولم يوظف ثقافته المتنوعة في خدمة بلده.
بالأمس قرأنا عن فرناندو الحداد ابن بلدة عين عطا اللبنانية الذي انتخب رئيساً لبلدية سان باولو حيث يقيم 3 ملايين لبناني ومتحدر. وقبل ذلك استقبلنا الرجل الأغنى في العالم كارلوس سليم وحملناه على الراحات. وثمة غيرهما الكثيرين، من الذين نجحوا في الخارج، ولم يتمكن مسقط آبائهم من الإفادة من امكاناتهم بسبب صراعاته الضيقة والمستمرة الى ما لا نهاية.
يقال ان لبنان أرض مقدسة. ربما ذلك صحيح وفق الروايات والكتب المقدسة. لكن شعبه ملعون منذ القدم. فهو وفق الروايات أيضاً لم يعرف معنى السلام، ولم يعش الا في الحرب، بل في الحروب المتكررة، والتي لم تتوقف في تاريخه. ربما تكون أسبابها خارجية دائماً، لكن تردداتها في الداخل تكون دائماً قوية بسبب هذا الشعب العظيم.
عظيم هذا الشعب لأنه صمد وقاوم وعمّر وردم البحر وجلل الجبل وراكم ثروات ورفع الأبراج. هو عظيم لأنه وضع خبراته العظيمة في الخليج العربي، وفي افريقيا، وأيضاً في أوروبا وأميركا. وهذا أمر إيجابي يسجل له، حتى لا نتحول دائماً الى جلد الذات.
لكن هذا الشعب أيضاً ملام لأنه لا يتحرك الا وفق غرائزه، وخصوصاً المذهبية، قبل السياسية، فلا يحاسب، على ما قال النائب جنبلاط، ومستعد للمضي الى جهنم من حديث مخترع يعده بالجنة. وهل من جنة تقوم على قتل الآخر والغائه ودوس كرامته واحتلال أرضه وهدم منزله والإستيلاء على خيراته، كما فعل معظم اللبنانيين في الحرب؟
وهل من جنة تقوم على عدم دفع المتوجبات لقيام الدولة ولملء الخزينة، كالضرائب والرسوم وفواتير المياه والكهرباء والرسوم البلدية..؟
وهل من شفاء عندما يعتمد الشعب اللبناني المتعلم (وليس المثقف) على "وصفة" من الجار والجارة والصديق الذين جربوا هذا الدواء؟ أو عندما نقرر من تلقائنا شراء أنواع الأدوية للعلاج الشخصي معتمدين على ذكائنا وخبرتنا!؟
وهل من وطن عندما نقدس الزعماء في ما يقولون وما يفعلون فنرتضي لأنفسنا ان نبدل في موقفنا ونعدله الى التناقض الكلي تنفيذاً لرغبة الزعيم والقائد والبك والإفندي والشيخ وكل أصحاب الألقاب المتخلفة الموروثة من عهود الإستعمار والإحتلال والوصيات؟
يقولها وليد جنبلاط ويبتسم لأن حال هذا الشعب ستضمن له البقاء، كما لغيره، وستوفر حتماً لهم جميعاً، ان يورثوا ابناءهم واحفادهم الزعامة، شرط ان يتوافر لهم بعض المال، لأن ورقة المئة دولار مؤثرة جداً في الشعب العظيم زمن الإنتخابات.