أناشيد الحرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حسين علي الحمداني
في العراق يعاد صناعة "الرموز" أو تصنيعها وفق آليات ظلت معتمدة لعقود طويلة. تبدأ صناعة الرمز بقصيدة لشاعر وأغنية لمطرب مغمور وتنتهي بحرب تحرق الأخضر واليابس وعادة ما يكون "النصر حليف القائد" لأنه لم يمُت، بل من مات هم الشعب ومن دفع الثمن هو الشعب، لهذا فإن مفهوم "النصر" هنا لا يعني هزيمة الأعداء بقدر ما أن "القائد" لم يمُت إذن نحن انتصرنا.
وأسهل صناعة لدينا هي صناعة الديكتاتور، وسمعت وشاهدت وأنتم أيضا سمعتم وشاهدتم ما تم بثه على الكثير من المواقع الإلكترونية بعنوان "بارزاني الله يحميك".. ليس دعاء، بل أغنية على أنغام الدبكة اللبنانية بثت على موقع "يوتيوب" وغيره، لا أحد يعرف من أنتجها أو مولها أو كتب كلماتها ولحنها، إلا أن الجميع متخوف من عواقب هذه الأغنية التي تذكرنا بأغاني صدام التي ملأت ذاكرة الشعب العراقي بعربه وأكراده وقادت في ما بعد لحروب متواصلة لم تنتهِ إلا بنهاية نظام صدام.
وأكثر المتخوفين هم الأكراد أنفسهم الذين ما إن شاهدوا الأغنية حتى بادر كل منهم يسأل صاحبه عن الغاية من هذه الأغنية والرسائل التي تحملها، وكم كلفت ميزانية كردستان، ومن دفع المبلغ، وغيرها من الأسئلة، خصوصا أن الأغنية تضمنت خلفية ضمت صورة الزعيم الكردي وخلفه خارطة العراق مع بروز متعمد لكركوك المتنازع عليها بين العرب والأكراد.
وما يهمنا هنا الخطورة الثقافية لإعادة إنتاج الأغاني السياسية وليست الوطنية، وهنالك فرق كبير بين الأغنية الوطنية والأغنية السياسية ذات المضامين والأهداف الساعية لتكريس شخصية بعينها ومحاولة فرضها في زخم الأحداث الكثيرة والكبيرة، وهذا يعني محاولة صناعة "رمز"، والخطورة تكمن هنا في أننا شعوب نكرس الهيمنة الفردية أحيانا كثيرة، وفي قاموسنا أن "البطل" من يصنع الحرب لا من يصنع "السلام"، وبالتالي فإن البطولة هنا تحتاج إلى دماء وعتاد وسلاح وحروب، وهو منطق غريب في الفكر العربي بصورة عامة والفكر السياسي العراقي بصورة خاصة. ومن سماعي ومشاهدتي لأغنية "بارزاني الله يحميك" اكتشفت أن الاغنية تسعى بطريقة أو بأخرى إلى أن تجعله حاميا لمتكسبات الشعب الكردي من جهة، ومن جهة ثانية تؤكد أن كردستان بحاجة إلى أن تبقى مستنفرة دائما وأن القضية الكردية بحاجة إلى تضحيات وأن ثمة "أعداء" يتربصون، وهي نفس الخطابات التي تستخدمها بعض الأنظمة من أجل البقاء الدائم والهروب من الانتخابات وغيرها من جهة، ومن جهة ثانية معالجة حالات انخفاض الشعبية التي تجتاح الكثير من الزعماء العراقيين.
وما أخشاه ويخشاه كل العراقيين بعربهم وأكرادهم بأن يسعى البعض من سياسيي البلد "لإنتاج أغانٍ تمجدهم" بعد إنتاج هذه الأغنية من أجل شحذ الهمم، خصوصا أن المعارضة الكردية وحزب الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني يسعيان لفرض النظام البرلماني في كردستان، وهو ما يعني نهاية الزعامة الفردية وتحول النظام في الإقليم من رئاسي إلى برلماني على غرار ما هو موجود في النظام البرلماني في العراق بصورة عامة، وهو الأمر الذي يعارضه بارزاني بشدة وسيعمد إلى تعطيله داخل البرلمان الكردي بشتى الطرق.
وهذا ما يعني أن مسعود بارزاني وعبر هذه الأغنية يوجه رسائل إلى خصومه داخل كردستان بأن لا داعي لأن يستفتى الشعب عن خياراته التي حسمت عبر هذه الأغنية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على "حب الشعب الكردي له".