مبيكي: انتهى الآبارتايد وجاءت الأزمات ودور الوساطات!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
دبي
عقب إعلان الاجتماع السنوي الخامس لمنتدى القيادات الإعلامية الأفريقية، في داكار الخميس الماضي، فوزَ ثابو مبيكي بجائزة الشخصية الأفريقية لعام 2012، أثنى سالم على القدرات الاستثنائية لمبيكي وكفاءته في قيادة لجنة الوساطة الأفريقية بين دولتي السودان، قائلاً إنه أدار التفاوض حول القضايا بين الدولتين بحنكة عالية، ما أهله بجدارة للفوز بالجائزة. كما أوضح سالم أن اختيار الاتحاد الأفريقي مبيكي لرئاسة اللجنة، كان بدافع الثقة في قدراته، وفي الخبرة التي اكتسبها من مهام مماثلة.
وثابو مبيكي البالغ من العمر سبعين عاماً، هو سياسي بارز من جنوب أفريقيا، وعضو "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم، وقد سبق أن ترأسه، كما سبق أن تولى رئاسة جنوب أفريقيا.
وقد ولد ثابو مفويلوا مبيكي عام 1942 بإقليم الكاب في جنوب أفريقيا، كأحد أربعة أشقاء لأبوين يعملان معلمين، وناشطين سياسيين، فتابع تعليمه في مدرسة آيدوتييوا الابتدائية ثم في بوتيروورث الثانوية، إلى أن طُرد منها عام 1959، لمشاركته في إضراب طلابي، فاضطر لمتابعة دراسته في المنزل.
بدأ مبيكي نشاطه السياسية حين كان في سن الرابعة عشرة، إذ انضم عام 1956 إلى رابطة شباب "المؤتمر الوطني الأفريقي". وفي ديسمبر 1961، انتخب أميناً عاماً لنقابة الطلاب الأفارقة، لكن بعد حملة اعتقالات ضد عناصر الحزب خلال العام التالي غادر البلاد ولم يعد من المنفى إلا بعد 28 عاماً، بعيد خروج نيسلون مانديلا من السجن. وكان مبيكي في التاسعة عشرة عندما وصل إلى إنجلترا لدراسة الاقتصاد في جامعة ساسكس، حيث أصبح ممثلاً لـ"حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" هناك، فقام بدور كبير في تعبئة الدعم لصالحه. وبعد تخرجه عام 1966، انتقل إلى الاتحاد السوفييتي حيث حضر دروساً في مدرسة الحزب الشيوعي وتلّقى التدريب العسكري في معهد لينين بموسكو. ثم استُدعي إلى زامبيا، ليصبح في عام 1971 أميناً عاماً مساعداً للمجلس الثوري للحزب، والذي كان قد اتخذ من العاصمة الزامبية لوساكا مقراً له. وتفاوض مبيكي مع كل من بوتسوانا وسوازيلاند ونيجيريا من أجل فتح مكاتب للحزب على أراضيها. وفي عام 1975 أصبح عضو اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب، ثم مستشاراً سياسياً في مكتب رئيس الحزب "أوليفر تامبو" عام 1978، وأصبح في عام 1984 رئيس خدمات الإعلام والدعاية في الحزب، ثم رئيس قسم العلاقات الخارجية عام 1989. وفي ذلك العام، قاد وفد الحزب خلال اجتماع سري مع ممثلي حكومة جنوب أفريقيا، وهي المحادثات التي بدأت عام 1985 وأدت إلى إضفاء الصفة القانونية على الحزب وإلى إطلاق سراح السجناء السياسيين. ولدى عودته من المنفى عام 1990، قال إنه شارك بنشاط في التفاوض مع حكومة الأقلية البيضاء، لإنهاء الفصل العنصري وبدء عملية انتقال سلمي للسلطة. ثم شارك في المباحثات اللاحقة بشأن صياغة دستور مؤقت لجنوب أفريقيا.
وعقب فوز "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" في أول انتخابات بعد نهاية نظام الآبارتايد عام 1994، أصبح مانديلا أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، وأصبح مبيكي أول نائب رئيس لها من الغالبية السوداء. وفي يونيو 1999 انتخب مبيكي رئيساً لجنوب أفريقيا، خلفاً لمانديلا الذي استقال من المنصب، فقرر مبيكي اختيار جاكوب زوما في منصب نائب الرئيس، ثم أعيد انتخابهما لولاية ثانية عام 2004.
ورغم الإنجازات التي حققها مبيكي، ومنها رفع النمو الاقتصادي إلى 6 في المئة سنوياً خلال 10 سنوات، وبناؤه مليوني وحدة سكنية جديدة، ومدّه شبكات الاتصال والكهرباء إلى نحو أربعة ملايين أسرة من السود، وتوسيع شبكات مياه الشرب لتشمل 85 في المئة من مواطني جنوب أفريقيا (وعددهم 48 مليون نسمة)... فإن 10 في المئة من السكان ظلوا في فقر مدقع، كما ارتفع معدل البطالة ليقارب 40 في المئة، علاوة على الزيادة الحادة في الجريمة، وانتشار وباء الإيدز، وتدهور نوعية التعليم العام، واتساع الفوارق الاجتماعية... مما سهل على خصومه (خارج وداخل الحزب) اتهامه بالتعالي وفقدان الاتصال مع الناس وتركيز اهتمامه على البرجوازية السوداء الجديدة، وانتهاج ليبرالية أضرت بالفقراء.
وقد تفاقمت متاعب مبيكي عقب الكشف في عام 2005 عن قضية فساد تتعلق بصفقة أسلحة قدرها 3.7 مليار يورو، مما أدى إلى انقسام خطير داخل الحزب الحاكم، خاصة بعد أن أقال مبيكي نائبه زوما، المتهم في الصفقة، والذي يحظى بتأييد كبير داخل الحزب. وهكذا تعرض مبيكي لهزيمة نكراء على يدي زوما في انتخابات رئاسة الحزب، حيث صوتت للأخير 5 محافظات من أصل تسع، كما حصل على 61 في المئة من أصوات المندوبين.
وفي احتجاج غير مباشر على "التدخلات السياسية" من قبل القاضي الذي رفض الدعوى في فضيحة الفساد التي يُعتقد أن زوما متورط فيها حين كان وزيراً للدفاع، أعلن مبيكي استقالته في 21 سبتمبر 2008، ليعود من قصر الرئاسة في جوهانسبيرج إلى بيته في آيدوتييوا.
لكن قبل ذلك كان مبيكي قد ترك بصمته الواضحة على السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا ودورها في الأزمات الأفريقية والقضايا الدولية، إذ تعاونت حكومته مع البرازيل تحت قيادة دا سيلفا والهند في ظل حكومة بيهاري فاجبايي، في تشكيل تحالف للدفاع عن مصالح الدول النامية. كما لعب دوراً هاماً في الدعوة إلى "الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا" وإقامة الاتحاد الأفريقي. وساعد في تعزيز عمليات السلام في كل من رواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطي. كما توسط في الأزمة السياسية والعسكرية التي عصفت بساحل العاج بين عامي 2004 و 2005. وقام بجهد كبير في إطلاق الحوار بين رئيس زيمبابوي روبرت موجابي ومعارضته ممثلة في "الحركة من أجل التغيير الديمقراطي"، حيث انتهج سياسة "الدبلوماسية الهادئة"، وعارض العقوبات الغربية ضد زيمبابوي وتعليق عضويتها في الكومنولث.
وفيما يخص وساطته بين السودان وجنوب السودان، والتي نال عنها جائزة الشخصية الأفريقية، المقدمة برعاية من صحيفة "ديلي ترست أبوجا" النيجيرية، فقد قام مبيكي برحلات مكوكية بين الخرطوم وجوبا دون كلل، وتعامل مع خلافاتهما بصبر ومثابرة، مما أفضى إلى وقف الأعمال العدائية، واستئناف صادرات نفط الجنوب عبر الشمال، وفتح الحدود أمام حركة التجارة... ما قد يشكل بداية جديدة لعلاقات تحولت بسرعة كبيرة نحو التعقيد والتصعيد، لولا دور الوساطة الأفريقية برئاسة مبيكي!
محمد ولد المنى