قرارات صعبة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حسين شبكشي
غير معروف حتى الآن "حجم" الاعتراض على القرارات الرئاسية الأخيرة للرئيس المصري محمد مرسي، ولكن من الواضح جدا أن هذه القرارات "ضربت" على وتر حساس للغاية في المجتمع المصري وأثارت مجموعات سياسية مختلفة تخشى من كابوس عودة بعبع الديكتاتورية واضمحلال تام لدولة المؤسسات (التي كانت هشة أساسا). الرئيس محمد مرسي حين تسلم المنصب رسميا بعد انتخابات رئاسية كان فيها الكثير من الجدل واللغط كان يدرك أنه أمام ثلاثة تحديات رئيسية لكي يحصل له "التمكين" المنشود؛ التحدي الأول هو تحييد القوات المسلحة تماما والخلاص من الصف الأول من القادة المحسوبين على العهد القديم، وقد تم له ذلك كما اتضح من تبعات الأحداث، والتحدي الثاني كان السيطرة على الإعلام الرسمي تماما وزرع العناصر والكفاءات التي تكون مضمونة الولاء للاتجاه الجديد للحكم، أما التحدي الأهم والأعقد كما اتضح بعد ذلك كان معركة السيطرة على القضاء.
مؤسسة القضاء "تاريخيا وتقليديا" في مصر تعتبر أنها ذات طابع مستقل نوعا ما، وهذه المؤسسة على الرغم مما طرأ عليها من ترهل وتأثر بالأوضاع السيئة التي مرت عليها البلاد عموما، فإنها ظلت في معظم الأحيان بمثابة صوت الضمير والحكمة كما كان الحال حتى في السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك، وتحديدا خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت وسادها الكثير من علامات وشواهد التزوير والاحتيال، وكان لموقف بعض القضاة التمهيد "المبادئي" للتشكيك في جدارة ومصداقية الحكم، وبالتالي كانت بداية التطورات التي أدت إلى ما آلت إليه الأمور بشكل متسارع.
واليوم ومع قرارات الرئيس المصري الأخيرة، التي استهدف فيها مؤسسة القضاء بشكل واضح وصريح وتم "إخراج" القرارات المذكورة بشكل فيه الكثير من التحدي والمواجهة وإلى حد كبير "الاستفزاز"، مما جعل الكثير من القوى السياسية الأخرى والمنافسة لجماعة الإخوان المسلمين تتوحد في مواجهة الرئيس وليشتعل الشارع المصري مجددا، ويبدو أن البلاد دخلت في خندق مواجهة "تكسير عظم" في ظل رفض واضح بين الطرفين لتقريب وجهات النظر، إلا أن العناد والتصلب والتشبث بالرأي سيضر بالبلاد أشد الضرر، والذي فاقم تطور الأزمة كان الاستقالات المتتالية لعدد غير بسيط من المستشارين المعينين لرئيس الجمهورية، وهذا التطور بحد ذاته يعتبر كارثيا لأنه يأتي بمثابة اعتراض من الدائرة المقربة للرئيس، مما يعني أن القرارات الرئاسية الأخيرة لم تأخذ نصيبها الكافي من التريث والدراسة للإلمام بالتبعات المتوقعة في ظل جو متوتر وشارع متأجج المشاعر.
تأتي هذه القرارات المثيرة للجدل في وسط جو ملتهب وغاضب ومحبط من أداء وزارة هشام قنديل رئيس الوزراء الذي يوصف بالضعف وقلة الخبرة. هناك انطباع آخذ في التكون، وهو انطباع قاسٍ نوعا ما، بأن هناك مرحلة "تعلم في الحكم" تطبق الآن من الجماعة الحاكمة في مصر على حساب الناس والشعب، وهذه المسألة باتت مكلفة وباهظة الثمن في ظل تقهقر الأمن وتخبط الاقتصاد، كما يظهر ذلك بالأرقام في القطاعين.
مصر بحاجة ماسة وعاجلة للتصالح مع النفس وعلى عجالة لأن الهوة مستمرة في الاتساع بين أطياف المجتمع، والشارع متأزم، وظاهر القرارات يبدو واضحا فيه التسلط الكامل لصالح طرف واحد لا غير، وإعادة شبح الديكتاتورية بشكل جديد (وهو نفس النغمة التي رددها الضباط الأحرار الذين انقلبوا على النظام الملكي ووعدوا بأن ما حصل من تعطيل للدستور وإلغاء للحريات والحكم المطلق للثورة هو مسألة مؤقتة ليكتشف الناس أنه كان كابوسا مستمرا لستة عقود من الزمن).
اليوم مصر تشهد ثورة غير مكتملة وحريات غير محققة وتصارعات بلا تصالح، والنتيجة أن الثورة لا تجد من يفرح بها كاملة إلى الآن، ولكن يبقى الرهان قائما على مجتمع مدني موجود في مصر له إعلامه وله نقاباته وله رجاله وله أصواته، سيكون بشكل أو بآخر قادرا على لجم التسلط والاستفراد بالسلطة. قد يبدو الطرح مثاليا بعض الشيء ولكني أعتقد أنه ما كان مسموحا به ذات يوم لن يكون من الممكن أن يتكرر مجددا.
مصر بحاجة إلى قرارات صعبة أساسها المشاركة بين الجميع.