من وحي الأزمة في مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد كريشان
ما جرى في مصر مؤخرا من استئثار الرئيس مرسي بصلاحيات لم يجرؤ عليه أحد ممن سبقه من الرؤساء وما أعقب ذلك من سخط الكثيرين ومواجهات في الشوارع، وبدرجة أقل ما يجري في تونس من تعثر في مسار الانتقال الديمقراطي وضبابية في الرؤية حول عديد الملفات يحيلنا الى السؤال الكبير المحير: هل نحن أمة غير قادرة أو غير مؤهلة أو غير جاهزة أو غير جديرة بحياة ديمقراطية ولو على مراحل؟!!
القيادات الجديدة الحاكمة في مصر وتونس، ممثلة خاصة في رئيس الجمهورية في الاولى وفي رئاسة الحكومة في الثانية، تأتي من حركة إسلامية وهؤلاء لم يثبتوا إلى حد الان أنهم غير مصابين بلوثة الاستئثار بالسلطة. هذا الاستئثار يستند إلى تعليل جاهز هو صناديق الاقتراع التي جاءت بهم، وهذا لا مجال لانكاره أو التقليل من شأنه، غير أن خلفيتهم العقائدية تجعلهم يعتبرون أنفسهم الاكثر هدى وصوابا. جاءت بهم الانتخابات أملا في إصلاح شأن البلاد والعباد، بعد سنوات من المعارضة ومر الشكوى من السابقين، لكنهم للأسف ظنوا أن الطريق الاقصر هو 'التكويش' على السلطة وتأجيل ما عدا ذلك من مطالب ديمقراطية ملحة جدا للتواقين للحرية وحكم القانون لكنها ليست ملحة لهم هم بالضرورة. هذا الاستنتاج أو الانطباع الذي تجلى إلى حد الان في مصر وتونس ليس رجما بالغيب أو قراءة في النوايا بل استقراء هادىء جدا لما أفرزته الوقائع على الارض في مجالات وقرارات كثيرة بعيدا عن إلقاء المعاذير.
رغبة الاستئثار المستأسدة بالشرعية والمستكينة لشعور غامر بالهداية والتوفيق قادت أحد الصحفيين المصريين إلى التعليق الساخر بأن الرئيس محمد مرسي عندما خاطب في بداية عهده جماهير ميدان التحرير بأنه 'سيكمل المشوار' إنما كان يقصد مشوار حسني مبارك!! هذه الرغبة تدعو إلى التساؤل عما إذا كان لدينا كعرب جنوح فطري تقريبا نحو الاستبداد، لكأن شيئا ما في الجينات ينمو ويكبر معنا منتظرا دائماً فرصته للانقضاض. اتضح أن حكامنا السابقين والحاليين يميلون بداهة تقريبا إلى ذات الأساليب في الاستبداد وهم في ذلك لا يختلفون كثيرا عن شعوبهم في مستويات متعددة من رئيس وردية عمال في مصنع إلى رئيس قسم في ادارة إلى مدير شركة فالوزير فالرئيس. البعض ممن تعرفهم تمام المعرفة من أصدقاء وزملاء تكتشف بعد فترة وجيزة من توليهم منصبا ما أنهم أصبحوا أناسا آخرين غير الذين كنت تظن انك خبرتهم جيدا حتى بات الواحد منا عاجزا على أن يضمن أحدا ربما بما فيهم نفسه ذاتها!
'لهذا الكرسي سحره الخاص الذي تجهلونه' ... هكذا كان يردد باسما المرحوم حسيب بن عمار الوزير السابق في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عندما كانت ترتفع الأصوات في اجتماعات جريدة 'الرأي' التي أسسها أواسط سبعينات القرن الماضي منتقدة أداء هذا الوزير أو ذاك. نعم إنها السلطة التي تزداد عيوبها استفحالا عندما يكون وراءك تنظيم من النوع الشمولي الذي يتوهم أنه يملك حلولا ووصفات جاهزة لكل المشاكل فما بالك ان كان يتحرك بخلفية دينية. قيادات هذا النوع من التنظيم، في الغالب، كما قواعدهم طبعا، قناعاتهم الديمقراطية وقبولهم بالاخر هشة للغاية بحكم المعتقد والتكوين الخاص لاسيما مع الملاحقة والاضطهاد اللذين لقوهما. هذه المعضلة تتعقد أكثر عندما نجد أن الحاكم الحقيقي في مصر هو المرشد العام لحركة الاخوان المسلمين وفي تونس رئيس حركة النهضة. هذا وضع غير مسبوق في البلدين لأننا تعودنا أن من يوجد في هرم الدولة هو الحاكم الحقيقي وليس أناسا آخرين يختبئون وراءه يحكمون ولا يساءلهم أحد أو يحاسبهم!!
الخطاب السياسي العام للإسلاميين في مصر، وأكثر منهم إخوانهم في تونس مطمئن، ولكن عندما نصل إلى التنفيذ تختلف الامور. المعارض السابق والمسؤول الحالي ينسى كل تطميناته السابقة وينزلق بسرعة الى ما كان يعير به سلفه. تربيتنا التي نشأنا عليها والعقليات التي كبرنا معها وغياب المؤسسات والقوانين الكابحة لجنوح الفرد نحو الهيمنة والتسلط،، كلها تجعل مثل هذا المسار متوقعا للغاية للاسف الشديد حتى بعد ثورة عظيمة كتلك التي عرفتها تونس ومصر. وفي مناخ من هذا القبيل، يعتبر المخاض الصعب لدستور جديد في كل من البلدين الامتحان الأقسى لانه يتعلق بنمط المجتمع المنشود بعد عقود من الدكتاتورية. هنا لا يبدو أن حكام مصر الجدد، وبدرجة أهون حكام تونس، متحمسون لدستور عصري متقدم يصون الحريات بلا لبس وينأى بنفسه عن الوصاية على ضمائر الناس. وفي انتظار مناخ أفضل ،، الحماسة للثورة تفتر والرصيد يتآكل والحيرة تزداد.