«الانقلاب» الرابع لـ«الإخوان» منذ بداية الثورة المصرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صالح القلاب
الانقلاب "الأسود"، بل الحالك السواد - رغم غياب "المارشات" والبلاغات العسكرية عنهم - الذي نفذه "الإخوان المسلمون" في مصر وكانوا قبله قد نفذوا ثلاثة انقلابات سياسية متلاحقة، فأقحموا البلاد - بينما هي تعاني من أوجاع كثيرة - في أزمة طاحنة؛ يؤكد هذا الانقلاب - حتى وإن جرت محاولات لفلفتها بطريقة من الطرق - أن "هؤلاء" الذين بقوا ينتظرون هذه اللحظة التاريخية أكثر من ثمانين عاما ليسوا بوارد أن يفلتوا هذا "الأمر" من أيديهم ما دام أنه قد وصل إليهم، وأنهم مصممون على استخدام الديمقراطية كتذكرة سفر في اتجاه واحد، ويخططون للبقاء في السلطة ما داموا قادرين على ذلك ولسنوات طويلة.
كان "المعممون" الإيرانيون قد رفعوا أجمل شعارات الديمقراطية والتعددية والتداول على السلطة عندما كانوا في المعارضة، وعندما كان الخميني في النجف الأشرف في العراق ينهمك في تأليف الكتب التي تعد الشعب الإيراني بجنة الله على الأرض، وإعداد الأشرطة التحريضية التي تبشر هذا الشعب، إذا أزيل نظام محمد رضا بهلوي، برخاء سياسي واقتصادي على غرار ما هو قائم في أفضل الدول الديمقراطية.
ولهذا فقد استطاع "المعممون"، الذين كانوا متفرغين للمظاهرات والتحريض وتسويق الأفكار والتصورات الجميلة التي كان يرسلها الخميني من النجف الأشرف ولاحقا من منفاه الفرنسي، جذب معظم القوى الإيرانية للمشاركة في إسقاط عرش أسرة بهلوي وبناء المستقبل. لكن ما إن وصل "الأمر" إلى أيدي هؤلاء المعممين، حتى قبضوا عليه بكل قوة وبادروا إلى تصفية كل القوى الأخرى، وأقاموا نظاما استبداديا لا مثيل له في التاريخ، بقي مستمرا منذ فبراير (شباط) عام 1979 وحتى الآن.
والآن فإن "الإخوان المسلمين" المصريين الذين هم مرجعية "إخوانهم" في العالم كله، والذين بقوا يتضورون جوعا لنحو ثمانين عاما للقبض على هذا "الأمر"، أثبتوا منذ اللحظة الأولى بعد انتصار ثورة ميدان التحرير أن درس الثورة الخمينية هو مثلهم الأعلى، وأنهم سيفعلون ما فعله الخمينيون، وأول هذا هو التراجع وبسرعة عن كل وعودهم التي كانوا قطعوها على أنفسهم بألا يهيمنوا على مجلس الشعب (البرلمان) ولا على مجلس الشورى، وأنهم لن يقدموا مرشحا لرئاسة الجمهورية، وأنهم لن ينفردوا بالسلطة، وأنهم سيقبلون بأن تشاركهم كل أو معظم القوى والتنظيمات والأحزاب المصرية في الحكم والسلطة والمسؤولية.
وقبل هذا الانقلاب التشريعي الأخير الذي نصب نفسه من خلاله فرعونا جديدا، وعلى نحو فاجأ المصريين وفاجأ العالم كله، وإن هو لم يفاجئ لا مجلس شورى الإخوان المسلمين ولا المرشد الأعلى محمد بديع الذي يقوم الآن بدور كدور الإمام الخميني بعد انتصار الثورة الإيرانية، وكدور الولي الفقيه علي خامنئي في الفترة الحالية، بادر الرئيس محمد مرسي إلى تحدي قرار المحكمة الدستورية العليا وإلغاء "حل" مجلس الشعب مع أن هذا المجلس لم يحل، وإنما اعتبر غير موجود بالأساس؛ نظرا لأن الانتخابات التي أفرزته، وفقا لهذه المحكمة، غير دستورية، وتعتبر لاغية هي وكل ما ترتب عليها من نتائج.
وبالطبع فقد بادر "الإخوان المسلمين" وكل الذين يدورون في فلكهم إلى تأييد هذه الخطوة التي أقدم عليها محمد مرسي، الرئيس المقيدة صلاحياته بموجب "الإعلان الدستوري المكمل"، وذلك في حين أن معظم التيارات والقوى الأخرى التي تعتبر "ليبرالية" وعلمانية، ومعها رموز مصرية أساسية، مثل عمرو موسى وحمدين صباحي ومحمد البرادعي وعمرو حمزاوي، قد اعتبرت أن ما لجأ إليه رئيس الجمهورية "يعتبر تعديا على أحكام القضاء، وإهدارا لسيادة القانون، وتحديا لحكم المحكمة الدستورية العليا، والتفافا عليها"، وقد حذر جميع هؤلاء وغيرهم من تبعات خطيرة على البلاد إذا لم يتم احتواء هذه الأزمة بسرعة.
وحقيقة وبغض النظر عن رد فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في ذلك الحين، وموقف المحكمة الدستورية العليا، فإن ما أقدم عليه محمد مرسي بقرار من مجلس شورى الإخوان المسلمين، ومن مرشدهم الأعلى محمد بديع، هو الانقلاب الثالث الذي يقوم به "هؤلاء" منذ بداية ثورة يناير (كانون الثاني) من العام الماضي الذي أخطر ما فيه هو أنه استهدف القضاء المصري كله من خلال استهداف هيبة المحكمة الدستورية العليا، والالتفاف على قراراتها، كما أنه استهدف المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي لولاه لما كانت هناك ثورة بالأساس، ولما كان هناك انتقال للسلطة بصورة سلمية، ولربما كان حسني مبارك لا يزال في موقعه السابق، ولربما أيضا عمت الفوضى وغاصت مصر في الدماء حتى الأعناق.
لقد أظهرت هذه الخطوة الخطيرة الأخيرة أن ما جرى هو انقلاب أسود مخطط له مسبقا، وهو الانقلاب الرابع الذي كان سبقه انقلاب ثالث، وأن "الإخوان المسلمين" قد أمسكوا بـ"أمر" وصل إليهم وهم لن يفلتوه من أيديهم حتى وإن اضطروا إلى المواجهة المسلحة؛ فتاريخهم يشهد على نزعتهم هذه، والمعروف أنهم كانوا تقربوا إلى الملك فاروق طمعا بالوصول إلى السلطة، ولكنهم عندما فشلوا في هذا لم يترددوا في اغتيال رئيس وزرائه النقراشي باشا، وأنهم تحالفوا مع انقلاب "الضباط الأحرار" في يوليو (تموز) عام 1952، ولكنهم عندما فشلوا في أن يكونوا جزءا من نظامه بادروا إلى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر المعروفة في عام 1954، وهذا حصل أيضا مع أنور السادات، ومع حسني مبارك الذي بقوا يتعايشون معه إلى أن كانت هذه الثورة، التي ستثبت الأيام أنها ثورة القوات المسلحة، فبادروا إلى الانحياز لها والسيطرة عليها مع أنهم جاءوا متأخرين كثيرا.
لقد كان هناك انقلاب قبل هذا الانقلاب الأخير، هو الانقلاب الثالث لهؤلاء، وكان سبقه الانقلاب الثاني حيث كان لجوء "الإخوان" إلى العصيان المدني، وإلى الاعتصام في الساحات العامة، وبخاصة في ميدان التحرير، والتهديد بإحراق مصر كلها إن لم يجر الاعتراف بفوز مرشحهم لرئاسة الجمهورية محمد مرسي، هذا الذي كانوا قد أعلنوا عن فوزه بعد أربع ساعات من بدء عمليات فرز صناديق الانتخابات الرئاسية، وحيث كانت كل المعطيات تشير إلى أن الفوز سيكون إلى جانب المرشح المنافس الفريق أحمد شفيق، وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هناك من قال إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتجنب كارثة كانت ستحل في البلاد اضطر إلى القبول بابتزاز "الإخوان المسلمين"، فكانت النتيجة هي هذه النتيجة التي جرى إعلانها تحت التهديد والوعيد، والتي كما هو واضح قد أدخلت مصر في دوامة صراع مدمر قد يستمر لسنوات طويلة.
أما الانقلاب الأول، فهو أن "الإخوان المسلمين" وبعد طول تردد استغرق كل فترة البدايات قد بادروا، بعدما تأكدوا من انحياز القوات المسلحة إلى "الثورة"، وبعدما تيقنوا من أن هذه الثورة منتصرة لا محالة، إلى ركوب موجة الاعتصامات والمظاهرات وانتزاع ميدان التحرير وشعاراته من أيدي مجموعات وجماعات الشباب الذين كانوا هم البادئين، والذين كانوا هم المبادرين، والذين بعد أن تمت إزاحتهم والحلول محلهم ها هم يقفون الآن على رصيف كل هذه التحولات التاريخية كالأيتام على مأدبة اللئام.
إن هذا هو ما حصل، وإن "الإخوان المسلمين" الذين قاموا حتى الآن بأربعة انقلابات متتابعة ومتلاحقة من غير الممكن أن يتركوا "الأمور" تفلت من أيديهم حتى وإن اضطروا للقيام بعشرة انقلابات جديدة.. وهذا يجب أن يدركه ويفهمه كل الذين في بلدانهم تنظيمات إخوانية تتبع لمجلس الإرشاد العالمي، وتأتمر بأمر المرشد الأعلى محمد بديع، الذي بات يلعب دورا كدور الولي الفقيه علي خامنئي في جمهورية إيران الإسلامية!!