إسرائيل وحماس وانقلاب السحر على الفلسطينيين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
رضوان السيد
نشر الصديق الأستاذ عطاء الله مهاجراني يوم الاثنين في 26/11/2012 مقالة بجريدة "الشرق الأوسط" الزاهرة بعنوان: "حماس وإسرائيل.. انقلب السحر على الساحر"، استعار فيها عبارة لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي في حركة حماس بشأن انقلاب السحر على الساحر "الإسرائيلي". وهي تقوم على ثلاث مقدمات ونتيجة. والمقدمات هي: أنّ غرض إسرائيل كان دائما القضاء على القوة العسكرية والصاروخية لحماس، وأنها شنّت حربين من أجل إنجاز ذلك، وأنها فشلت في الحالتين في تحقيق ذاك الهدف. ولذا تكون النتيجة - بالنظر للمستجدات وأهمها: تنامي قوة حماس والتنظيمات الأخرى، وتغير الموقف المصري بعد الثورة - أنّ "قضية" فلسطين لن تنتهي، وكذلك حركة حماس! ولست أرى ما رآه الصديق مهاجراني في مقدماته، ولا في إحدى نتيجتيه! وسأحاول في السطور المقبلة أن أوضح أسباب ما انتهيت إليه في عنوان المقالة.
إنّ الناظر في تطورات الصراع على فلسطين بعد حرب حزب الله على إسرائيل عام 2006، واستفراد حماس بغزة عام 2007، يرى أنّ الاستراتيجية الإسرائيلية - بل والأميركية - بعد هذين الحَدَثين، ما عادت تهدف للقضاء على حزب الله ولا على حركة حماس. بل صار الهدف، إذا صح التعبير "عزل" هذين الاعتراضين المسلَّحين، والعمل على "صون" وتنمية الانقسام السياسي والاجتماعي في صفوف اللبنانيين والفلسطينيين، باعتباره الضمان الحقيقي لأمن إسرائيل، ما دام الهدف غير المعلن عدم السير في حل الدولتين، والاعتماد على التدخلية الإيرانية في تخليد العجز العربي، وتحويل هذا العجز والضعف و"الخواء الاستراتيجي" - بحسب تعبير الأمير سعود الفيصل - إلى ما يشبه الرجل المريض العثماني، والمسألة الشرقية!
ولنتأمل المشهد أو الساحة الشرق أوسطية بعد حرب عام 2006، وانفصال عام 2007. كانت الولايات المتحدة بجيوشها الجرارة التي احتلت البر والبحر والجوّ بعد غزو أفغانستان والعراق، تعاني من تمردات ومقاومات داخلية متنامية في البلدين المحتلين، بالإضافة إلى فلسطين المحتلة، وسخط الداخل الأميركي. وكانت إيران قد ساعدت الولايات المتحدة (كما هو معروف) في غزو البلدين، وتسيطر على حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي في لبنان وفلسطين. وقد بادر شارون للانسحاب من غزة منفردا لأنه ما كان يريد السير في أوسلو، ولا في حل الدولتين. واقترحت اللجنة المعروفة باسم لجنة بيكر/هاملتون فتح باب التفاوض والتطبيع مع إيران وسوريا دون الفلسطينيين، الذين اخترعوا لهم اللجنة الرباعية التي ما تزال تعمل أو لا تعمل حتى الآن!
ولأنّ النقطة الرئيسية في برنامج أوباما لانتخابات الرئاسة الأولى كانت الانسحاب من العراق، فقد تسارعت المفاوضات مع إيران من أجل تأمين الخروج الآمن للقوات الأميركية من جهة، وضمان عدم التحرش بإسرائيل من جانب أنصار إيران من جهة ثانية. ولذا ففي عام 2010 حصل الاتفاق على تسييد المالكي في العراق، وإعادة السفير الأميركي إلى سوريا، وإفساح المجال لحزب الله (بعد اتفاق الدوحة) للسيطرة على لبنان. وبقيت نقطة واحدة غامضة أو غير مؤكدة: إمكان تحرش الحمساويين بإسرائيل. وقد حاولوا إقناع الرئيس المصري حسني مبارك بـ"ضمان" الأمن في غزة لكنه استمر في سياساته الانكفائية في سائر الأنحاء، معتبرا أنّ الحديث عن "الدور المصري" بالمشرق العربي هو "كلام فارغ" (انظر المقابلة مع عمرو موسى بجريدة "الحياة" يوم الاثنين في 16/11/2012). لقد كانت وجهة نظر مبارك (كما سمعتها منه) أنّ لحماس ثلاث وظائف: قسمة كلمة الفلسطينيين، وأن تكون شوكة في خاصرة مصر، وإزعاج إسرائيل عندما تريد إيران ذلك! ولذا فقد ارتأى النأي بنفسه بقدر الإمكان حتى لا يُبتلى بسفك الدم الفلسطيني مثلما فعل الأردنيون والسوريون واللبنانيون! وبالفعل فإنه منذ عام 2006 على الجبهة اللبنانية، ومنذ عام 2009 على الجبهة الغزاوية، ما جرى المساس بأمن إسرائيل، وانصرفت التدخليات الإيرانية بالدواخل العربية إلى الاستيلاء على الأنظمة والدول أو قسمة المجتمعات، وبالتنظيمات المسلحة أو قوى الإسلام السياسي الاعتراضية. وكل من كان (وما يزال) يستنكر ويحذر مما يجري كان يتهم (وما يزال) بأنه عدو للمقاومة، وصديق لإسرائيل. وبالأمس القريب، وعندما كان حسن نصر الله يتهدد إسرائيل بآلاف الصواريخ للمرة العشرين، كان يتهم معارضيه بالداخل اللبناني بأنهم كانوا يتمنون أن تهاجم إسرائيل قوى المقاومة والممانعة، لكن إسرائيل خيبت آمالهم!
إنّ هذا المشهد السائد منذ خمس سنوات وأكثر (أي اعتماد إسرائيل في أمنها على المقاومات التي انصرفت عنها مطمئنة لاحتلال مدننا ومنها غزة وبيروت)، غيَّر منه جزئيا اندلاع الثورة في سوريا على نظام الأسد، واشتداد الحصار على إيران بسبب الملف النووي. وقد كان من نتائج تلك الثورة انصراف إيران وحزب الله والمالكي للقتال إلى جانب نظام الأسد. كما كان من نتائجها خروج حماس من سوريا، دون أن تخرج بالطبع من غزة. ووسط حيرة حماس وانقسامها بين الداخل والخارج، أرادت إيران استقبال أوباما في فترته الثانية بحرب من لبنان أو من غزة. ولأنّ الاستثمار في حزب الله هو الأكبر والأنجح، فقد آثرت إيران الاكتفاء بالإزعاج من غزة، موفرة حزب الله لما بعد مفاوضات منتصف الشهر المقبل مع لجنة الـ5+1.
وما تحركت حماس بسرعة بناء على الأوامر بسبب الانقسام، فبدأ تنظيم الجهاد الإسلامي الإيراني البداية والمسار، كما بدأ الجهاديون الآخرون بإطلاق النار. وعلى الرغم من التهديد بالغزو البري؛ فإنّ الإسرائيليين ما أرادوا القيام بغزو شامل بالفعل، وإنما انتظروا الحركة الأميركية باتجاه مصر (اتصل أوباما بمرسي 8 مرات في 7 أيام)، وضمنت مصر ما سبق لمبارك أن رفضه مطلع عام 2009، وظهرت قطر في هذا السياق، كما ظهرت بعد حربي عام 2006، و2008-2009. وانتصرت حماس عام 2012، مثلما انتصر حزب الله (وما يزال) عام 2006!
إنّ التنظيمات الحزبية الإسلامية (وأنا خبير بها مثل الصديق مهاجراني لا أكثر) هي انشقاقات في قلب المجتمعات الوطنية العربية والإسلامية، وأرى أنها ستظل كذلك حتى لو فازت بالانتخابات (!). ولذا فإنها لا تستطيع القيام بعمل تحريري حتى لو أرادت. لأن الأعمال الكبرى في حروب التحرير، تعتمد على الوحدة الوطنية الداخلية، والوحدة القومية الشاسعة من حولها. وهذا الكلام ليس لي، بل للجنرال الأميركي وستمورلاند، وقاله لجونسون ونيكسون عندما اشتدّ عليه اللوم لأنه لم يحقق الانتصار لفيتنام الجنوبية والولايات المتحدة في الحرب الشهيرة في النصف الثاني من الستينات: الفيتناميون جميعا ضد الأميركيين وحلفائهم المحليين، فلا أمل في الفوز بالحرب!
ما انتصر حزب الله بعد عام 2000 وحتى الآن إلا على اللبنانيين. وما انتصرت حماس منذ عام 2007 إلا على أهل غزة. بيد أن "انتصار" حماس أكبر ضررا على فلسطين من انتصار حزب الله في لبنان. فقد قسمت حماس الحركة الوطنية الفلسطينية، وأقامت كيانا منعزلا في ظل الاحتلال. وجعلت (باسم تحرير كامل فلسطين) من إقامة الدولة المستقلة في حدود 4 يونيو (حزيران) 1967 هدفا سخيفا.
ومع ذلك؛ فإنني أريد أن أغالب عقلي وخبرتي، وأعطي نفسي والصديق مهاجراني وحماسا فائدة الشك. لقد سرتني تصريحات خالد مشعل المتكررة عن الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعن تأييد محمود عباس في ذهابه إلى الأمم المتحدة للمطالبة بوضع الدولة غير العضو في المنظمة الدولية. نحن نعلم أنّ نتنياهو وليبرمان ما انزعجا من صواريخ حماس بقدر انزعاجهما من إصرار عباس على الذهاب إلى المنظمة الدولية! والتحدي الآن أن نخرج من انسدادات "القضية" إلى أفق الدولة، أو لا تبقى لنا غير تهديدات محمود الزهار لمحمود عباس، وإصبع حسن نصر الله المرفوعة في وجوهنا، إضافة إلى صواريخ فجر 7،6،5،..الخ، وإعلانات الرئيس مرسي الدستورية بعد انتصاره أيضا في غزة.