القمة الخليجية وأوجه التعاون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد العسومي
يزخر جدول أعمال القمة الخليجية المتوقع أن تلتئم بعد أيام قليلة في العاصمة البحرينية المنامة بالكثير من القضايا والمستجدات المؤثرة على تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، مما يعني أن الأحداث الجارية، وبالأخص الجدل الدائر حول الاتحاد الخليجي والأوضاع في سوريا والتهديدات المحيطة بمنطقة الخليج العربي سوف تستحوذ على المساحة الأكبر من جدول الأعمال.
ومع ذلك، فإن التعاون الاقتصادي لابد أن يكون له نصيب ولو بصورة أقل من القمم السابقة لأسباب عديدة، تأتي من ضمنها التحديات التي تواجهها دول المجلس والتي تتطلب زيادة التنسيق والتلاحم الخليجي، وكذلك تقلص مساحة تعميق التكامل الاقتصادي بعد إنجاز أوجه التعاون التي لا تقترب مما يسمى بالسيادة الوطنية، كمنطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي وحرية انتقال السلع والخدمات وعمل أصحاب المهن من المواطنين الخليجيين.
أما بقية القضايا الاقتصادية التي تتطلب التنازل عن جزء من هذه السيادة، كالسوق المشتركة الكاملة وتوحيد القوانين والأنظمة الاقتصادية، فإنها ستظل معلقة لفترة طويلة، كما يتضح من تعامل الأمانة العامة معها وركنها جانباً بسبب تفاوت مواقف دول المجلس بشأنها. ومع ذلك، فإن التقدم الذي حققته دول المجلس في بعض المجالات ولمست جميعها نتائجه الإيجابية، كالربط الكهربائي الذي ضمن إمدادات مستمرة ودون انقطاع في كافة دول المجلس أثناء فترات الذروة في فصل الصيف، مما قد يدفعها في القمة المرتقبة إلى تبني أوجه تعاون مماثلة ومتاحة، كالربط المائي الذي يتم تداوله في الوقت الحاضر.
وتحمل عملية الربط المائي جوانب اقتصادية ومعيشية مهمة، وستشكل إضافة كبيرة للتعاون الخليجي إذا ما أدرجت وأقرت في قمة المنامة، فالطلب على مصادر المياه المحلاة مرتفعة التكاليف يتضاعف بصورة سريعة وتتحمل بسببها موازنات دول المجلس مبالغ طائلة، حيث يتوقع أن تصل تكاليف إقامة محطات التحلية في دول المجلس إلى أكثر من 19 مليار دولار حتى عام 2020، وفق شركة "بلاك فيتش" مما يعني زيادة الاعتمادات المخصصة لإنتاج المياه. إذ من المهم ألا يقتصر الربط المائي على الجانب اللوجستي وأن يشمل وضع استراتيجية شاملة تتضمن توجهات يمكن تلخيص أهمها في الآتي:
من المعروف أن المبالغ المخصصة لاستيراد تقنيات تحلية المياه تستحوذ على الجزء الأكبر من تكاليف وتشغيل هذه المحطات، ومع أن دول المجلس تعتبر أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، فإنها لا تملك حتى الآن قاعدة تكنولوجية لإنتاج وتطوير تقنيات التحلية. ولذلك لابد من توطين تقنيات التحلية وإعداد المؤهلات الخليجية العاملة في هذا المجال وتفعيل المركز المتخصص بذلك الذي اتفقت دول المجلس على إقامته في سلطنة عمان.
أما الجانب الآخر لهذه الاستراتيجية، فيكمن في اعتماد التوجه الخليجي الخاص بالربط المائي على مصادر متعددة من التزود بالمياه التي تعتمد بصورة شبه تامة حالياً على التحلية، فهناك مصادر المياه الجوفية، حيث يذكر عالم وكالة "ناسا" الدكتور فاروق الباز أن هناك كميات هائلة تحت صحراء الربع الخالي تساوي مصب نهر النيل لمدة 600 عام. كما أن هناك مصادر المياه الحلوة الكائنة في مياه الخليج التي اكتشفها وطورها الفينيقيون منذ آلاف السنين وسميت المنطقة الممتدة من البصرة إلى الأحساء باسم البحرين لوجود المياه الحلوة والمالحة مجتمعة، إذ يكلف سعر المتر المكعب من مياه البحر الحلوة دولاراً واحداً فقط، مقابل 5-7 دولارات تكلفة المتر المكعب للمياه المحلاة.
وأخيراً، فإن ترشيد استهلاك المياه يمكن أن يقف على رأس أولويات هذه الاستراتيجية، فهناك ارتفاع كبير في معدل الاستهلاك بسبب سوء الاستخدام، مما وضع دول المجلس في مقدمة بلدان العالم في حصة استهلاك الفرد، في الوقت الذي تفتقر فيه إلى مصادر المياه. هذه إحدى القضايا المهمة التي تشكل أحد مقومات التنمية المستدامة الضرورية لاستقرار دول المجلس والمحافظة على الثروات الطبيعية وعلى مستويات المعيشة المرتفعة التي تتمتع بها في الوقت الحاضر.