المصالحة الفلسطينية.. هل من جديد؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد عمرابي
"نعم.. أصبح الآن لنا دولة"، هكذا أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على الملأ الفلسطيني، فور عودته من نيويورك، بعد نيل فلسطين مكانة "دولة مراقب" في الأمم المتحدة. لكن أليس إعلان الرئيس الفلسطيني سابقاً لأوانه؟ القرار الأممي نصر دبلوماسي للفلسطينيين أجمعين، لكنه نصر محدود الأثر، إذ ليس معناه أنه قد صارت للشعب الفلسطيني دولة.
فما المطلوب إذاً من أجل تفعيل القرار ونقله من الدائرة الدبلوماسية النظرية إلى دائرة الواقع على الأرض؟ في اليوم التالي لصدور القرار الأممي، أعلن القادة الإسرائيليون على العالم أن لدى إسرائيل خطة لبناء ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة في أرض الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وكأنهم أرادوا بهذا الإعلان أن يذكروا القيادة الفلسطينية بأن فلسطين لا تزال وستبقى رهن الاحتلال الاستيطاني.
وبالتالي فإن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة ليس سوى خرافة. في خطابة الاحتفالي عقب العودة من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، لم يأت عباس إطلاقاً على ذكر نهج المقاومة المسلحة. لقد تحدث عن المصالحة الفلسطينية، متعهداً بتسريع خطاها، ولكن هل تتحقق أي مصالحة تضم كافة الفصائل الفلسطينية، دون التوافق الكامل على برنامج وطني لتحرير الأرض بكافة الأساليب النضالية، بما في ذلك الكفاح المسلح؟
على مدى ما يقارب عقداً زمنيا، ظل رئيس السلطة الفلسطينية وحتى اليوم يلزم نفسه بمنهج التفاوض في التعامل مع القيادات الإسرائيلية، والنتيجة كانت هي الصفر. ومع التوسع الإسرائيلي المنتظم في العمليات الاستيطانية خلال هذه الفترة، يمكن القول إن النتيجة صارت تحت الصفر.
ورغم أن الرئيس الفلسطيني لا يشرح لنا الحكمة وراء استبعاده خيار المقاومة المسلحة نهائياً، إلا أنه بات في ما يبدو على قناعة نهائية بأن الأمر يتعلق بميزان القوة، من حيث إن من المستحيل أن تتغلب القوة القتالية الفلسطينية على القوة الإسرائيلية التي يأتي جيشها في المرتبة الرابعة كأقوى جيش في العالم. ولكن.. هل توقف رئيس السلطة الفلسطينية وقائد فصيل فتح، ملياً عند التجربة الأخيرة لقطاع غزة وفصيل "حماس"؟ وهل تمكن من استخلاص المغزى؟
لقد صمدت الكوادر القتالية لفصيل كتائب عز الدين القسام (ومعها سرايا القدس التابعة لفصيل الجهاد الإسلامي)، ضد هجوم عسكري إسرائيلي كاسح الشهر الماضي.. ومن ثم اتخذت مبادرة هجومية غير مسبوقة.. فارتعدت فرائض الإسرائيليين قاطبة، من عسكريين ومدنيين وقيادات عسكرية وسياسية، عندما وصلت صواريخ المقاومة إلى تل أبيب.
وللمرة الأولى كانت إسرائيل هي الطرف الذي بادر بطلب وقف إطلاق النار. لقد بلغ الذعر المنتشر بين الإسرائيليين، أن رئيس الحكومة نتانياهو أصدر أوامر بإلغاء هجوم بري للتوغل داخل قطاع غزة، تهيباً من رد فعل مضاعف من كوادر المقاومة.
من هنا يكون الاستخلاص الذي ينبغي أن يتوصل إليه الرئيس عباس، وهو أن الإرادة القتالية الإسرائيلية ليست بالقوة الأسطورية التي نتصورها، وأن الإرادة القتالية للمقاومة فوق التصور. هذا ما أثبتته حماس عملياً خلال أقل من عشرة أيام، حققت خلالها مكاسب سياسية، في مقدمتها إجبار إسرائيل عملياً على فك الحصار الذي فرضته على قطاع غزة، وتعهدها بالتوقف عن اغتيال رموز المقاومة.
هكذا وعلى الصعيد التطبيقي تحول ميزان القوة إلى ميزان الردع أو ميزان الرعب. ونأمل أن تكون قيادة السلطة الفلسطينية قد استوعبت هذا التحول المفصلي، بما يؤدي إلى تغيير قناعتها بشأن نهج الكفاح المسلح.
وهناك تحول آخر ذو طبيعة سياسية بشأن ذلك التطور النوعي في التعامل العربي مع القضية الفلسطينية، ذلك أنه للمرة الأولى منذ عقود، فإن القضية عادت خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى مكانة القضية العربية المركزية الأولى. ويبقى السؤال الكبير: كيف يمكن أن تنعكس هذه التطورات على الجولة المرتقبة لاستئناف اجتماعات المصالحة الوطنية، عندما تنعقد قريباً بين كبار قيادات الفصائل الفلسطينية، خاصة الفصيلين الكبيرين فتح وحماس؟
ابتداءً هناك ملاحظة وتساؤل؛ الملاحظة هي أن إسرائيل تحتفظ لنفسها بفيتو على المصالحة الفلسطينية. والسؤال هو: هل تلغى قيادة السلطة الفلسطينية اتفاقها القائم مع إسرائيل حول التنسيق الأمني؟ علماً بأن إسرائيل تعتبر أن حماس ليست سوى منظمة إرهابية!
حتى الآن الصورة ليست واضحة، لكن هناك تصريح للرئيس عباس يستحق وقفة. التصريح ورد في سياق خطابه إلى الجماهير الفلسطينية فور عودته من نيويورك، بشأن القرار الأممي بالاعتراف بدولة فلسطينية بصفة مراقب. ولكي ندرك مغزى التصريح، فإن من بين امتيازات هذا الوضع الجديد أن القانون الدولي يتيح للدولة الفلسطينية رفع دعوى جنائية ضد إسرائيل لدى المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامها بارتكاب جرائم حرب.
لقد أعلن الرئيس عباس أن السلطة الفلسطينية لن تستغل هذا الامتياز القانوني "إلا في حالة الاعتداء علينا"، وعلى هذا النحو فإن قيادة السلطة الفلسطينية تبدو وكأنها ترى أن الاستيطان اليهودي على الأراضي الفلسطينية ليس اعتداء. إن مثل هذه التصريحات لا تبشر بمآل جيد لاجتماعات المصالحة الفلسطينية المرتقبة، لكن في كل الأحوال علينا ألا نتعجل إصدار أحكام مسبقة.. فلننتظر لنرى.