جريدة الجرائد

نتانياهو يهدد عباس بمنع قيام دولة فلسطينية!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


سليم نصار *

بعد الانتصار الساحق الذي حققته إسرائيل في حرب 1967، قررت حكومة أشكول إبعاد كبار العسكريين الذين أسكرتهم نشوة الظفر السريع. وكان من نتيجة ذلك القرار أن عُيِّن رئيس الأركان إسحق رابين سفيراً في واشنطن. في حين منحت الحكومة "فاتح القدس"، الجنرال أوزي ناركيس، إجازة طويلة أمضاها في جامعة هارفرد لمواصلة دراسته في التاريخ.
حدث في إحدى الحلقات الدراسية المتعلقة بالشرق الأوسط أن سأله أستاذ التاريخ هنري كيسنجر عن موعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية وسيناء والجولان!
وأجابه الجنرال ناركيس، بلهجة لا تخلو من الغطرسة، قائلاً: ولماذا ننسحب إذا لم ترغمنا قوة عربية على ذلك؟ وفي تقديري أن الضغط الأميركي الذي أخرجنا من سيناء بعد حرب السويس 1956... لن يتكرر!
عندئذ أجابه كيسنجر، بمنطق الصديق الحريص على مصلحة الدولة المحتلة، قائلاً: لا يجوز يا ناركيس أن تصل الأمور إلى حد تصبح فيه إسرائيل والولايات المتحدة في جهة... بينما الأسرة الدولية كلها في جهة أخرى!
ومن المؤكد أن هنري كيسنجر كان يشير إلى المأزق الذي سيواجهه الحليفان عقب حرب 1967. أي المأزق ذاته الذي توقعه الرئيس أوباما يوم مارس ضغوطه الاقتصادية وتهديداته السياسية ضد الرئيس محمود عباس، على أمل أن يثنيه عن مشروع دولة غير عضو في الأمم المتحدة. خصوصاً أن نتائج التصويت أثبتت أن الولايات المتحدة وإسرائيل تقفان في جهة... بينما الأسرة الدولية بغالبية أعضاء الجمعية العامة، تقف في جهة أخرى. صحيح أن مكانة "دولة غير عضو" تتمتع بالمرتبة التي تتمتع بها دولة الفاتيكان، ولكنها مثلها محرومة من حق التصويت في الجمعية العامة والعضوية الدورية في مجلس الأمن.
من وجهة نظر إسرائيل، كان الاعتراف بالسلطة الفلسطينية، ولو كدولة وهمية، يشكل صفعة لحكومة بنيامين نتانياهو والرئيس الأميركي. وذلك أنها كشفت العزلة القاسية التي تعيشها الدولتان. كما كشفت بالتالي عن دوافع التصويت التي اعتبرتها موسكو احتجاجاً صارخاً من الدول الغربية ضد سياسة إسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة. وقد فوجئت واشنطن بحصول اقتراح الرئيس عباس على 138 صوتاً مقابل 9 أصوات معارضة، وامتناع أكثر من 40 صوتاً عن اتخاذ قرار مؤيد للفريقين. وعليه اعتُبِرَت هذه الأصوات بأنها محايدة.
السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة أشار في كلمة التعقيب على خطاب أبو مازن بأن المكانة التي حصل عليها الفلسطينيون قد أبعدتهم عن تحقيق دولتهم. وكان بهذا الكلام يلمح إلى احتمال نسف مشروع السلام.
رئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو أعرب عن سخطه وغضبه حيال الموقف الذي اتخذته الجمعية العامة من اقتراح أبو مازن، لذلك قرر هذا الأسبوع بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في الضفة الغربية المحتلة.
ورأت وزيرة خارجية أميركا هيلاري كيلنتون أن قرار نتانياهو يشكل عقبة أمام السلام. وقد أيّدتها في هذا التصور غالبية الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا والسويد والدنمارك، لأن المشروع الاستيطاني الجديد سيُبنى في منطقة حساسة (E1) أي في القدس الشرقية والضفة الغربية.
الحكومة الألمانية تعتبر خطاب نتانياهو في "بار إيلان" مجرد تضليل سافر، بهدف خداع الولايات المتحدة وإشعارها بأنه لن يسمح بالبناء في منطقة الحظر (E1). وكانت واشنطن قد حذرته من استئناف بناء المستوطنات لأن ذلك يعيق إقامة دولة فلسطينية متكاملة ومتواصلة في الضفة الغربية. وترى برلين أن تجديد البناء بين القدس ومعاليه أدوميم يمثل صفعة للمستشارة أنغيلا مركل التي أعلنت عن امتناعها عن التصويت لمصلحة إسرائيل، الذي كان بسبب رفض نتانياهو وقف البناء في الأراضي المحتلة.
القيادة الفلسطينية ردت على قرار بناء آلاف المستوطنات في الضفة والقدس الشرقية بتهديد الحكومة الإسرائيلية برفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. خصوصاً أن بناء المستوطنات في الدولة الخاضعة للاحتلال يُعتبر من جرائم الحرب المنصوص عليها في ميثاق روما.
ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية تعتمد في دفاعاتها القانونية على الحكم الذي أصدره القاضي المتقاعد إدموند ليفي. وفي التقرير الذي رفعته اللجنة التي ترأسها، لا توجد كلمة احتلال، الأمر الذي يجعل من عملية بناء المستوطنات عملاً شرعياً.
يقول صائب عريقات، المفاوض الفلسطيني، إن رئيس اللجنة القاضي ليفي انتقى من وثيقة جنيف الرابعة، التي أصدرتها الهيئة الدولية للصليب الأحمر، اقتباسات مضللة بقصد دعم حججه الواهية. أي بقصد تأييد المزاعم التي تقول إن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي لا يخل بتوجيهات القانون الإنساني الدولي.
وفي ردها على هذا التضليل، طلبت إدارة الصليب الأحمر الدولي إصدار توضيح رسمي بهذا الخصوص. ويدَّعي تقرير ليفي أن إسرائيل ليست بمنزلة الدولة المحتلة لأن الضفة الغربية تم الاستيلاء عليها من قبل دولة لم تكن صاحبة السيادة القانونية على ذلك المكان.
الدائرة القانونية في الأمم المتحدة تستند في تفسيرها إلى التعريف الملزم والثابت لمحكمة لاهاي. ويقول التعريف "إن الأرض تُعتبر محتلة حينما تقع تحت سلطة جيش العدو."
ويُستدل من وقائع الجمعية العامة عام 1947 أن أبا إيبان وديفيد هوروفيتس قدّما تقريرهما إلى اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة (يونسكوب) مع توصية بتقسيم "أرض فلسطين" إلى دولتين لشعبين. يومها رفض الفلسطينيون قرار التقسيم لأن المجتمع الدولي، بقيادة بريطانيا والولايات المتحدة، أعطى للصهيونية أرضاً لا تملكها. وهذا ما أتى على ذِكره الرئيس جمال عبدالناصر عندما كتب إلى الرئيس الأميركي جون كينيدي يقول: لقد أعطى مَنْ لا يملك لمَنْ لا يستحق!
وكان بهذه العبارة المقتضبة يشير إلى وعد بلفور الصادر في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1917، والذي يعطي اليهود حق إقامة وطن قومي على أرض لا تملك بريطانيا منها سوى حق الانتداب. وعندما حصل بن غوريون على مبتغاه اعترض على بقاء الانتداب البريطاني في فلسطين، وأدار وجهه نحو الولايات المتحدة.
كتب خوان فيدرو - شيرر، رئيس وفد الهيئة الدولية للصليب الأحمر، مقالة في صحيفة "هآرتس" الشهر الماضي يقول فيها: إن المادة 49 من وثيقة جنيف الرابعة تحرم على كل دولة نقل جزء من سكانها المدنيين إلى أرض احتلتها بالقوة. والمادة إياها لا تكتفي بمنع الدولة المحتلة من إجراء مناقلات قسرية لجزء من سكانها، بل تحرم على المحتَل الإقدام على أي عمل يساعد على نقل مواطنيه إلى المنطقة المحتلة.
وبين الوثائق التي تعدها السلطة الفلسطينية، كنوع من القرائن الدامغة، التقارير السنوية المنشورة في الصحف الإسرائيلية. وهذا جزء مما نشرته الصحف ووكالات الأنباء:
أولاً: اعترفت إسرائيل بسحب حقوق الإقامة لأكثر من ربع مليون فلسطيني بين سنتي 1967 و1994.
ثانياً: أسقط الجيش الإسرائيلي حق المواطنية عن أكثر من مئة ألف فلسطيني من قطاع غزة. وكان غيابهم عن البلاد مدة سبع سنوات - ولو بحجة العمل - مبرراً لحرمانهم من حقوقهم.
ثالثاً: حرمت إسرائيل أكثر من 150 ألف فلسطيني من حق العودة إلى الضفة الغربية بداعي الغياب أكثر من ثلاث سنوات. وقد نتج عن هذا القرار إقصاء ما نسبته عشرة في المئة من سكان الضفة.
قبل أن يعلن إيهود باراك انسحابه من الحياة السياسية أعرب عن رفضه إقامة دولة للفلسطينيين على حدود 1967. وتعهد بأنه لن تكون هناك دولة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط سوى دولة إسرائيل. ويُشار إلى أن هذا الموقف يُخالف موقفه السابق عام 2000، أثناء مفاوضات "كامب ديفيد"، عندما وافق على التنازل عن الضفة الغربية إلى الفلسطينيين بما فيها مستوطنات بيت إيل وعوفر وبعل - حتسور.
وردّ الدكتور صائب عريقات على هذا التصريح بالقول إن باراك ينافس نتانياهو في التصلب والمزايدة أملاً في القضاء على حل الدولتين. وقد عزا في حينه ذلك التصريح إلى خلافه مع رئيس الحكومة الذي وبخه لأنه عقد لقاء مع رام إمانويل من دون استشارته. وكان إمانويل يشغل وظيفة رئيس طاقم موظفي البيت الأبيض قبل أن يدعمه الرئيس أوباما للظفر بمنصب رئيس بلدية شيكاغو.
ولما قرر نتانياهو بناء مساكن جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية طلب أوباما من وزيرة الخارجية كلينتون انتقاد هذه الخطوة لأنها تحول دون إحياء المفاوضات المتوقفة مع الفلسطينيين منذ أربع سنوات، كما تحول دون قيام دولة فلسطينية متكاملة. وتقول مصادر البيت الأبيض إن الرئيس أوباما كلف هيلاري بدور المنتقِد خوفاً من رد فعل نتانياهو الذي أيَّد منافسه ميت رومني، وتجرأ على توبيخه إثر تصريحه بأن حدود الدولة الفلسطينية يجب أن تكون على قاعدة حدود ما قبل الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967. ومثل هذا التعليق - كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" - أثار حفيظة نتانياهو وانتقاده الذي لم يتورع عن توبيخ الرئيس أثناء لقائهما في البيت الأبيض. وهذا ما فعله مع بيل كلينتون - وفق رواية دنيس روس. وتقول الرواية إن كلينتون سأل روس عقب اجتماعه بنتانياهو: مَنْ يكون هذا الرجل؟ فهو يعتقد أنه رئيس أميركا... وأنا رئيس وزراء إسرائيل.
يقول إمانويل إن الرئيس أوباما لن يقبل بعد اليوم بتعامل مهين من نتانياهو، مثلما حدث في 20 أيار (مايو) السنة الماضية. ووصف الحوار التصادمي بينهما بالنزاع الصامت، خصوصاً أن أوباما اضطر إلى استخدام عبارة "نكران الجميل"، في حين رد عليه نتانياهو محذراً من عواقب غضبه وانتقامه.
وبسبب هذه الخلفية يتوقع المراقبون أن يتدخل الرئيس الأميركي لإسقاط نتانياهو في انتخابات الشهر المقبل. بينما سيحرِّض رئيس وزراء إسرائيل "اللوبي اليهودي" لجعل الولاية الثانية من عهد أوباما نسخة مكررة عن ولاية نيكسون وفضيحة "ووترغيت"!

* كاتب وصحافي لبناني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف