الكويت بين مجلسين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع
انتهت انتخابات مجلس الأمة الرابع عشر في 1 ديسمبر، وأيا ما كان الرأي بشأنها برأي المقاطعين أو المشاركين، فإنه يجب أن ننتقل جميعا للتعامل مع ما بعد الانتخابات وفقا لمستجداتها بحلوها ومرها، وبالرأيين المختلفين بشأنها، بأسلوب حضاري هادئ وإجراءات قانونية وسياسية مسؤولة وعقلانية تعكس نضج الشعب ورقيه، مدركين أن الكويت بحالة سياسية غير مستقرة جعلتها تشهد مجلسين يحملان الاسم نفسه(مجلس 2012) في السنة نفسها هما على النقيض بعضهما من بعض، أحدهما حاز أغلبية من المعارضة وأطيافها بتفاوت في درجة معارضتها، لكنها لم توفق بدورها لاندفاعها غير المدروس في استخدام تلك الأغلبية لفرض الأمور وإدارتها واللاحقة تكاد تخلو من المعارضة سوى قلة جدا، وقد تزامن إلى جوار المجلسين، مجلس آخر معهم في السنة نفسها هو "مجلس 2009"، وهي حالة غير طبيعية إطلاقا، ومن ثم فإن طبيعتها تلك ستنعكس بصورة واضحة على الوضع السياسي الراهن ومشاهده المختلفة، وهو ما يستدعي تعاملا حكيما حصيفا واقعيا للحفاظ على وحدة البلد وتماسكه، منعا للفوضى أو قمع الحريات، وتجنبا لأعمال الشغب أو تقييد الحقوق، ودرءا للفتنة أو العبث بالدستور، ورفضا للتخوين أو استمراء التحريض، ولمحاربة نافخي الكير أو حارقي البخور، ونبذ الغلاة والمتطرفين، وفضح سيئي السمعة بألسنتهم البذيئة وعباراتهم الساقطة.
والأهم من ذلك كله، بل ومصدر ذلك كله، بل محرك ذلك كله، هو الصراع المستطير بين الطامحين من بعض أبناء الأسرة، ممن استعملوا أساليب الإثارة في البلد أدوات لطموحاتهم غير العاقلة، فلم يعد منهم - في رأيي- من هو جدير بتقلد أي مسؤولية، ولنفتح ملفاتهم وملفات أدواتهم ولنتداول أسماءهم إنقاذا للبلد وحماية له من أخطارهم الظاهرة قبل الباطنة، ولنبادر لكشفهم كل منا من جانبه بما لديه من معلومات، فقد سئمنا لعبة ضرب البلد بعصا النيابة البرلمانية المأجورة أو تأجيج الأمور بعصا بعض المعارضة المأسورة، فبين الصفوف في الطرفين من أعمته مصالحه عن إدراك أن الوطن أهم منهم جميعا، فهو ليس سلعة للمتاجرة أو المغامرة، وعليه أن يكف ويبتعد أو يضرب على يده ليرتدع.
من يعتقد أن المقاومة السلمية ورفض المجلس ومحاولة إفشاله بوسائل مشروعة أمر غير جائز فهذا شأنه، ولكن لا يجوز له أن يتهم الآخرين أو يسفّه آراءهم، أو يقلل من قدرهم وضرورة وضع اعتبار لهم وحتمية إفساح المجال لهم أيضا، بعيدا عن القمع واستخدام القوة ماداموا مسالمين، كما أن من يحول المقاومة المشروعة السلمية إلى مشروع شغب، فليعلم أنه صار مارقا على القانون، لا يستحق حمايته وهو يرتكب الترويع والتخريب والشغب المضر بالوطن وأهله، فساحات المقاومة المشروعة لا تكون في المناطق السكنية وبين البيوت أو بالشوارع والطرقات العامة، لكن في الساحات العامة والمفتوحة.
ولئن كان من رأيٍ مفيد فهو بإيجاد قنوات للحوار وبدائل للخروج من هذا الانقسام، وليكن اللجوء للقضاء خيارنا في درء الانقسام ومسبباته، إقصاء للساعين لزيادة فجوته أو الداعمين له من بعض أبناء الأسرة وغيرهم، بكف أيديهم جميعا بإجراءات حاسمة رادعة معلنة، هذا ما يريده الناس حفظا للبلد من الفتنة ورؤوسها.