هل ينتظر العالم إبادة عرقية في سوريا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
د. أحمد زويل
من ألمانيا في ظل النازي إلى رواندا، ارتكبت بعض الفظائع وعمليات الإبادة العرقية الأكثر اتساماً بالطابع اللاإنساني، بينما كان باقي العالم يقف متفرجاً. واليوم، نشهد جميعاً الفظائع والدمار الشامل في سوريا. ومن جديد نشهد ذلك يحدث أمام أعيننا، ربما بقلوب أثقلها الأسى، ولكن دون تدخل فعّال لوقفه.
إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يخوض حرباً ضد أبناء شعبه، فيقصفهم من البحر، ويضربهم بالقنابل من الجو، ويقتلهم داخل منازلهم. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن أكثر من 40 ألف شخص في سوريا لقوا حتفهم حتى الآن. و لاذ أكثر من مليون شخص بالفرار خارج البلاد، فضلاً عن مئات الألوف الذين أصبحوا لاجئين في الدول المجاورة، مثل تركيا والعراق ولبنان.
كذلك يوسع النظام السوري نطاق الدمار إلى المدن التي تضم القيمة التاريخية الكبرى. وتم قصف جميع المدن الكبرى، من حلب في الشمال إلى درعا في الجنوب وحمص في الوسط ودير الزور في الشرق بالقنابل.
لم يعد الوضع في سوريا اليوم مجرد انتفاضة سياسية تشكل الحلقة الأخيرة في الربيع العربي. بل لقد أصبح كارثة إنسانية تزداد دموية كل يوم.
إننا لا يمكننا أن نظل ساكتين ومشلولين تحت ذرائع أن مثل أن "الموقف شديد التعقيد"، أو أن "النظام سوف يسقط في نهاية المطاف"، أو الذريعة التي يروجها أشخاص تتمثل مصلحتهم في الإبقاء على النظام في السلطة، وهي: "أننا يجب أن نسمح بحلول دبلوماسية".
لقد فشلت المهمة التي قام بها مبعوثا الأمم المتحدة كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي. وقرارات الجامعة العربية غير فعّالة. وقرارات الأمم المتحدة مشتتة بسبب الانقسام الحاصل بين الأعضاء الذين لهم حق النقض في مجلس الأمن الدولي.
يعتقد بعض القادة أن الوقت سيحلّ المشكلة. ويحدوهم الأمل في أن نظام الرئيس الأسد سوف يسقط في النهاية بفعل التكلفة الباهظة لأشكال الرعب التي أفرزها. ومن التجربة السابقة مع مثل هذه الأنظمة، فإن هذا السيناريو غير محتمل الحدوث. فلا يزال الأسد، الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية وهي أقلية في سوريا، يسعى إلى حكم الشعب السوري بأكمله بقبضة حديدية، بمن في ذلك الأغلبية السنية.
كل ما فعله الأسد حتى الآن يشير إلى أنه سوف يبذل كل ما يلزم للاستمرار في الحكم، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية في النهاية. نظام حكمه لا يختلف عن نظام حكم أبيه حافظ الأسد الذي دمّر مدينة بأكملها وقام بتسميمها، وهي مدينة حماة، وقتل عشرات الآلاف من أهلها.
إن سوريا هي الوريث الفخور لحضارة قديمة ذات طيف فريد من الأقليات يضم المسلمين والمسيحيين من طوائف متعددة. هناك على الأقل عشر جماعات عرقية ودينية من هذا القبيل. وعلى امتداد قرون، عاشت جميعها معاً في سلام. والآن، ومع احتدام الحرب الداخلية فإن هذه الوحدة تتفكك متحولة إلى حرب مدنية وقبلية لن تقضي على سوريا باعتبارها أمة فحسب، وإنما سوف تمتد رحاها إلى باقي منطقة الشرق الأوسط.
من المؤكد أن سوريا غير المستقرة سوف تزعزع الاستقرار في المنطقة برمتها. سوف يصبح الاضطراب الطائفي الناجم عن هذا الصراع المأساوي معدياً في العراق ولبنان المجاورين. وكان آخر حادث لانفجار سيارة مفخخة الذي أسفر عن مقتل مدنيين أبرياء إشارة منذرة بالانتقال الموشك على الحدوث.
وفي ظل استخدام الأسد لمرتفعات الجولان كـ "ورقة للتخويف"، ربما تبادر إسرائيل بالتدخل. وسوف يدفع ذلك، بدوره، قوى إقليمية وحزب الله وتركيا ومصر إلى التدخل. وتشير التقارير بالفعل إلى أن الجماعات المسلحة، بما فيها تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة، تجد سوريا أرضاً خصبة لنشاطها.
الصين بدأت تقرّ بأن الفوضى في بلد يمتلك آلاف الصواريخ والمخزونات الهائلة من الأسلحة الكيماوية تهدد ليس استقرار منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل ستؤثر على تدفق النفط إلى الغرب والشرق على حد سواء. وفي هذه الحالة، فإن القضية الإنسانية والمصالح الدولية يتلاقيان حقاً.
ربما تبدو سوريا دولة صغيرة، لكن هذا النمط من الصراع المتشابك هو الذي يمكن أن يؤدي إلى كارثة عالمية. فلا يحتاج الأمر إلى الكثير من التخيل لأن نرى في سوريا سراييفو القرن الحادي والعشرين، ويفضي الأمر إلى حرب عالمية.
يجب أن يتدخل العالم الآن وبشكل جماعي. فلو أننا لدينا الإرادة، فسوف نجد سبيلاً. وأقل ما يمكننا القيام به على الفور هو أن نقدم المأوى والمعونات الملموسة لهؤلاء الذي يلوذون بالفرار على امتداد الحدود. وفي إطار موازٍ، يتعين على القوى الكبرى أن تدعم الجيش السوري الحرّ على الأرض وتفرض منطقة حظر الطيران، والتي سوف تقوّض قدرة هذا النظام الوحشي على قصف الأبرياء من الرجال والنساء.
ومع حلول موسم العطلات المسيحية بعد أسابيع، فسوف يكون من العار أن نحتفل بميلاد رجل السلام والإنسانية، والذي كانت اللغة الآرامية هي لغته الأم التي لا تزال تستخدم في معلولة بسوريا، في الوقت الذي تهيمن عمليات الإبادة الجماعية على الأراضي نفسها التي كان هو وحواريوه يجوبونها قبل ألفي عام.