الفلسطينيون: انتصاران . . ولكن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
علي جرادات
ظن كثيرون أن بوسع تحولات المنطقة العاصفة إطالة أمد تهميش قضية فلسطين، بل، وظن قادة ldquo;إسرائيلrdquo; والولايات المتحدة، وكل المتواطئين معهم، أن أمر تصفية هذه القضية، (باسم تسويتها)، صار طوع البنان أو يكاد، لكن سرعان ما تبين أن هذا الظن مجرد وهمٍ، ليس إلا، حيث عادت قضية فلسطين إلى صدارة مشهد المنطقة والعالم، لا يعلو على صوتها صوت . وأكثر، فإن ثمة، من حيث المبدأ، نصرين جديدين للشعب الفلسطيني المكافح وقضيته العادلة: الأول ميداني في غزة، والثاني دبلوماسي في هيئة الأمم . لكن، من دون تهويل أو تهوين، وبحسبان أن تحقيق هدف استعادة الأرض وزوال الاحتلال عنها هو، في نهاية المطاف، المعيار الأساسي لتحقيق انتصارات حاسمة في الصراع، فإن من المنطقي إدراج هذين النصرين الفلسطينيين الجديدين، في منزلة النسبي من الانتصارات . إذ فقط باحتساب الاختلال الشامل في ميزان القوى، يُعد إفشال العدوان على غزة نصراً؛ وفقط، باعتبار استعادة الأراضي المحتلة العام 1967 أدنى الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، يعد انتزاع مكانة ldquo;دولة فلسطينية غير عضوrdquo; نصراً؛ وفقط، (وهنا الأهم)، بإنهاء الانقسام الفصائلي العبثي، يمكن تحويل هذين النصرين، الميداني والدبلوماسي، إلى انتصار سياسي وطني، يمنع تبديدهما، أو التوظيف السياسي الفئوي لهما، والتنغيص، بالتالي، على فرحة، وعلى آمال، الشعب الذي صنعهما بوحدته الميدانية، ومقاومته الباسلة، وصموده الأسطوري، وتضحياته الجسيمة . ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني أن النصرين الفلسطينيين الجديدين هما، من دون تضخيم أو تقزيم، خطوتان لا يستهان بهما، إنما، فقط، بوصفهما خطوتين في مشوار طويل، لا يمكن أن تتحقق أهدافه إلا بنضال شاق، مرير، ومتعدد الأشكال والمراحل، بل، إن هذين النصرين، الميداني والدبلوماسي، يمكن أن يحصدا في السياسة عكس مُراد، وآمال، وطموحات، الشعب الذي صنعهما، إن هما لم يُتوّجا بإنهاء الانقسام الفصائلي المُدمر، وبناء وحدة سياسية على أساس برنامج سياسي وطني ينهي مرحلة عشرين عاماً من رهانات مفاوضات أوسلو الفاشلة، ويكفل تفعيل، واستنهاض، الدعم العربي، الرسمي والشعبي، وإحراز المزيد من الدعم الدولي في إطار السعي إلى إحداث تغيير فعلي في ميزان القوى، يجعل هدف استعادة الأراضي المحتلة العام 1967 في متناول اليد، وهو ما لا يكون إلا عندما يصبح الاحتلال مشروعاً خاسراً، سياسياً وبشرياً واقتصادياً .
عليه، وبما أن المعيار الأساسي للحكم على مصير هذين الانتصارين، إنما يتمثل في ما سيقودان إليه، وما يُبنى عليهما، سياسياً، فإن من المنطقي القول: لئن كان مهماً، ومبشراً، ما رافق هذين الانتصارين، وتلاهما، من أجواء إيجابية بين طرفي الانقسام الفلسطيني، فإن الأكثر أهمية، إنما يتمثل في استخلاص قيادتي منظمة التحرير وrdquo;حماسrdquo; أن عدم الاتفاق على مضمون برنامج سياسي بديل لبرنامج أوسلو هو، أساساً، سبب فشل كل حواراتهما، واتفاقاتهما، وتفاهماتهما، السابقة، في إنجاز وحدتهما المنشودة؛ وفي معرفتهما لحقيقة أن كيفية العمل على إنجاز هذه الوحدة بعد إحراز شعبهما لهذين النصرين، يجب أن تكون، (بالضرورة)، مختلفة عن الكيفية التي سبقتهما؛ وفي استعدادهما الفعلي لتطوير اتفاقاتهما السابقة بما يستجيب لتحديات، واستحقاقات، مرحلة ما بعد هذين النصرين . وهي التحديات، والاستحقاقات، التي كشف ثقلها الرد السياسي ldquo;الإسرائيليrdquo;، سواء لجهة خرق ldquo;تفاهمات وقف إطلاق النارrdquo; مع ldquo;سلطةrdquo; ldquo;حماسrdquo; في غزة، أو لجهة وقف تحويل المستحقات المالية لسلطة ldquo;فتحrdquo; في رام الله، أو لجهة، (وهنا الأهم)، تصعيد سياسة التوسع، بإعلان العزم على بناء 3000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة، بل، وفي (منطقة E1) الواقعة بين مستوطنة معاليه أدوميم والقدس، إذ من شأن تنفيذ مخطط الاستيطان فيها أن يفصل القدس تماماً عن الضفة، وأن يشطر الأخيرة إلى شطرين لا تواصل بينهما، وأن يقتل كل أمل في أن تفضي العودة إلى المفاوضات إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية على الأراضي المحتلة العام 1967 .
ويزيد من ثقل هذه التحديات والاستحقاقات طبيعة الرد الأمريكي على غطرسة، وجنون، رد فعل قادة ldquo;إسرائيلrdquo; على نيل فلسطين صفة ldquo;دولة غير عضوrdquo;، حيث جاءت تصريحات البيت الأبيض باهتة، ونافية لكل أمل في أن تمارس الولايات المتحدة ضغطاً جدياً على قادة ldquo;إسرائيلrdquo; . وهو الضغط الذي لم ينفع للحصول عليه تخفيف حدة خطاب الرئيس الفلسطيني في هيئة الأمم، وتأكيداته: ldquo;أننا لا نطالب بنزع الشرعية عن ldquo;إسرائيلrdquo;، وrdquo;أننا مستعدون للعودة إلى المفاوضاتrdquo;، وrdquo;أننا مازلنا نراهن على الشرعية الدولية، وعلى إمكان تحقيق المصالحة التاريخيةrdquo;، وrdquo;أننا لا ننوي اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية إلا إذا اعتدي عليناrdquo;، وكأنه ليس عدواناً استمرار الاحتلال، وتعميقه بعمليات الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي وبناء جدران العزل والتمزيق، وحمايته بكل أشكال العدوان العسكري، والحصار الاقتصادي، والقتل والجرح والاعتقال وتدمير البيوت والبنى التحتية والمزروعات . .إلخ .
إنها التحديات والاستحقاقات المفروضة ذاتها التي ماانفك الشعب الفلسطيني يواجهها منذ ldquo;النكبةrdquo; . فمنذ أعلن بن غوريون في مايو/أيار 1948 قيام ldquo;دولةrdquo; ldquo;إسرائيلrdquo; على مساحة تفوق المساحة المخصصة لها في القرار الدولي ،181 (تقسيم فلسطين)، صار جلياً، خلافاً لظن كثيرين، أن قادة ldquo;إسرائيلrdquo;، على اختلاف ألوانهم الحزبية الصهيونية، يرفضون فكرة التقسيم أساساً لتسوية الصراع، وأنهم يصرّون على استكمال تنفيذ جوهر مخططهم الصهيوني، بشعاره الأيديولوجي الناظم: ldquo;فلسطين ملك للشعب اليهوديrdquo; . وتلك حقائق أكدها، وبدد الظن بغيرها، إقدام قادة ldquo;إسرائيلrdquo; على احتلال ما تبقى من أرض فلسطين، (وأجزاء من أراضي دول عربية متاخمة)، في العام ،1967 وضم القدس، رسمياً، في العام ،1968 والعمل باستماتة على فصلها عن غزة والضفة التي تتعرض لعملية قضم فعلي بمخطط تهويدي واستيطاني مبرمج ماانفك جارياً على قدم وساق منذ احتلالها وحتى يوم الناس هذا .
قصارى القول: بهذه التحديات والاستحقاقات المفروضة يتحدد مضمون البرنامج السياسي النضالي الفلسطيني البديل المطلوب لضمان الإنهاء الفعلي لانقسام الصف الوطني وتوحيده، ولضمان الاستثمار السياسي الوطني للنصرين النسبيين، الميداني في غزة، والدبلوماسي في هيئة الأمم .