جريدة الجرائد

الوظائف والنمو هدف أميركا الكبير

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

روبرت رايش

أتمنى أن يوضح الرئيس الأميركي باراك أوباما للأميركيين جميعاً، أن عجز الميزانية الاتحادية الأميركية ليس مشكلة أميركا الاقتصادية الكبرى، وأن خفض هذا العجز لا ينبغي أن يكون هدفنا الكبير.

إن أكبر مشكلاتنا تتمثل في نقص الوظائف الجيدة والنمو الكافي، وهدفنا ينبغي أن يكون إنعاش هذين الأمرين معا، وتخفيض العجز في الميزانية الاتحادية الأميركية يمضي بنا في الاتجاه المعارض، أي بعيداً عن الوظائف والنمو.

والسبب في أن "الهوة المالية" تعد أمرا خطيرا (ينبغي أن نلاحظ هنا أن هذا التعبير مبالغ فيه، لأننا لن نسقط في هذه الهوة فور حلول مطلع يناير)، هو أنها تقتضي تخفيضاً كبيراً للغاية في العجز وبسرعة بالغة، وذلك من شأنه أن ينتزع قدرا أكبر مما ينبغي من الطلب على الاقتصاد الأميركي.

ولكن توفير المزيد من الوظائف الجديدة والنمو، من شأنه أن يساعد في تقليص العجز في الميزانية الاتحادية الأميركية، حيث إن هذا العجز سينكمش كنسبة من مجمل الاقتصاد الأميركي.

دعونا نتذكر تسعينات القرن الماضي عندما عمدت إدارة كلينتون إلى تحقيق توازن في الميزانية قبل الموعد الذي حددته مع الكونغرس، وكان ذلك راجعاً إلى تحقيق نمو أسرع في توفير الوظائف الجيدة يفوق ما توقعه الجميع، الأمر الذي أدى إلى إيجاد مزيد من الوظائف وتحقيق عوائد ضريبة تفوق المتوقع.

تقدم أوروبا هذا الدرس نفسه ولكن بشكل معكوس، حيث إن عجوزاتها تتزايد لأن سياساتها التقشفية قد جعلت اقتصاداتها تنكمش، وبالتأكيد فإن اليونان يتعين عليها أن تشد حزامها، ولكن بريطانيا وإسبانيا كانتا تحققان نتائج طيبة قبل شروعهما في خفض الإنفاق العام، والآن نجد أنهما قد انتزعتا قدراً أكثر مما ينبغي من الطلب من اقتصادهما، بحيث إن معدل البطالة ارتفع والعوائد الضريبية انخفضت.

يحتاج صانعو السياسات إلى إدراك أنه عندما تكون البطالة مرتفعة، ومواقع العمل في حالة جمود، فإن أفضل طريقة لإيجاد الوظائف والنمو هي أن تقوم الحكومة بِإنفاق المزيد وليس الأقل. ويؤدي فرض الضرائب على الطبقة المتوسطة، إلى إبقاء عوائد الضرائب منخفضة، أو ازدياد انخفاضها.

وبالمناسبة، فإن فرض ضرائب أعلى على الأثرياء لا يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي، لأن الأثرياء ينفقون شريحة أصغر كثيراً مما يكسبونه، وذلك مقارنة بما تنفقه الطبقة المتوسطة.

وهم سيواصلون الإنفاق حتى لو ازدادت المعدلات الضريبية المفروضة عليهم، وهم يحصلون بالفعل على نصيب يقترب من الرقم القياسي من إجمالي دخل أميركا، ويحظون بنصيب قياسي من إجمالي ثروتها.

لماذا لا يستوعب السياسيون والإعلاميون الأميركيون هذه الحقيقة؟ يرجع ذلك إلى أن صناعة خفض عجز بكاملها قد نشأت خلال السنوات الأخيرة، وقد بدأت هذه الصناعة مع الحزب الثالث الذي طرحه روس بيرو في انتخابات 1992، وتواصلت عبر معهد بيتر سو وغيره من مراكز الأبحاث التي تمولها "وول ستريت" والشركات الكبرى، وقد تبناها في أواخر تسعينات القرن الماضي وأوائل هذا القرن، كارهو الحكومة في الحزب الجمهوري وحشد صقور العجز بين الديمقراطيين.

ووصلت هذه الصناعة إلى ذروتها في لجنة سمبسون- باولز التي أنشأها الرئيس الأميركي باراك أوباما لتهدئة هؤلاء الصقور، ولكن كل ما أسفرت عنه هو إضفاء الطابع القانوني بشكل أكبر على مواقفهم.

وكنتيجة لذلك، فإن جانباً كبيراً من واشنطن الرسمية وأجهزة الإعلام الأميركية، قد تقبلت السياق القائل بأن المشكلات الاقتصادية تنبع من عجز في الميزانية الاتحادية تجاوز إمكانية السيطرة عليه، وهم يرددون الآن أننا نقف وجهاً لوجه أمام الهوة المالية، التي تصور مدى الخطورة التي يمكن أن يصل إليها خفض العجز.

ويُحذّر مخضرمو العجز بصورة روتينية من أنه ما لم يتم تقليصه، فإننا سنذهب ضحايا للتضخم ومعدلات الفائدة الآخذة في الارتفاع، ولكن ليس هناك مؤشر في أي مكان للتضخم، فالعالم يحفل بالقدرة المستخدمة بشكل محدود، وفيما يتعلق بمعدلات الفائدة، فإن العائد على سندات الخزينة الأميركية ذات العشر سنوات، يعد الآن أقل منه في أي وقت تستوعبه الذاكرة.

وفي حقيقة الأمر، فإنه إذا كان هناك وقت يتعين فيه على أميركا أن تقترض أكثر لكي تعيد مواطنيها إلى العمل في إصلاح بنيتها الأساسية وإعادة بناء مدارسها، فإن هذا الوقت هو الآن.

وأخيراً، فإن المحرك الأكبر للعجوزات المستقبلية هو التكلفة المتزايدة للرعاية الصحية، وهي تلك الظاهرة نفسها التي تسبب موجات صداع للأفراد والعائلات والشركات.

والنظام الأميركي غير المتسم بالكفاءة والرعاية الصحية، ينتزع بالفعل نصيباً أكبر من الاقتصاد الإجمالي يفوق نظيره في جميع الدول الغنية الأخرى (18٪)، ومع ذلك فإن النتائج على صعيد صحة الأميركيين تعد الأسوأ.

وهكذا فإنه بدلا من الشجار حول كيفية خفض العجز في الميزانية الاتحادية، يتعين على الأميركيين إجراء حوار بناء حول كيفية استخدام القوة التساهمية للحكومة من خلال "ميد كير" و"ميديك إيد"، لكبح جماح تكلفة الرعاية الصحية، ثم استخدام قانون الرعاية الممكنة كخطوة نحو نظام للرعاية الصحية يقوم على الدافع الواحد لتكلفة هذه الرعاية.

هل يمكن إذا للأميركيين التوقف عن اهتمامهم الاستحواذي بالعجوزات المستقبلية في الميزانية الاتحادية؟ إنهم يشتتون انتباهنا بعيداً عما ينبغي أن نهتم به حقاً، وهو استعادة الوظائف والنمو، وجعل نظام الرعاية الصحية الأميركي يكلل بنجاح.

opinion@albayan.ae

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف