دستور العثماني أقرّ بما لا يُقرّه "الإخوان" من مساواة بين المصريين!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وسام سعادة
كانت السيدة الأولى "المخلوعة" سوزان مبارك "ترعى" أنشطة هادفة إلى محو الأميّة في مصر. بقيت نسبة الأميّة مرتفعة في أرض الكنانة. لم تنفع الأنشطة "السوزانية". كانت إطاراً مساعداً على استشراء الأميّة في الثقافة المكتوبة أيضاً. لكن، أقلّه كانت سوزان مبارك هي من لا يزال يكثر الحديث عن قضية اعتبرت ذات مرّة من أهمّ التحديات أمام الدول المستقلة عن الاستعمار، والتي تعد بإعادة تركيب مجتمعاتها في ضوء "الإصلاح الزراعي" وتداعياته.
حصيلة القرن الماضي كانت فشلاً ذريعاً لكل الجهود المبذولة والوعود المقطوعة من طرف نظام الضباط الأحرار وجمال عبد الناصر لأجل تجفيف بحيرة الأميّة، وهي بحيرة لم يكن للقرن التاسع الغربي أن يكرّس مبدأ "الاقتراع العام" إلا على قاعدة نجاحه في تجفيفها بشكل تدريجي. أساساً فكرة "الاقتراع العام" من طريق "التصويت السرّي" كانت تسوية بين فكرتين اثنتين. التصويت السرّي الفردي كان القصد منه حصر المقترعين بمن يعرفون القراءة والكتابة، بدلاً من التصويت العلنيّ الشفويّ الذي سيكون بشكل أو بآخر تصويتاً جماعياً.
لكن هذا الفشل في معالجة قضية الأميّة في مصر، من جمال عبد الناصر حتى سوزان مبارك، سرعان ما وجد حلّه عند الأخوان المسلمين، وعلى أساس هذا الحلّ تراهم يتشوّقون لابتلاع البيضة والتقشيرة في يوم الاستفتاء المزمع.
ما يقترحونه، من خلال عملية "سلقهم للدستور" في ظلام الليل، وظلامية مبادئ منه وأحكام به، ومن خلال استعجال طرحه للاستفتاء العام، هو توزيع شهادة تفقّه دستوري على الشعب، بما في ذلك نسبة الأميّة الكلية المرتفعة نسبياً.
نحن أمام محنة ذهنية بامتياز. ثلث المقترعين سيبصم بدلاً من أن يوقع، إنما هو لا يستفتى في سؤال أو سؤالين، بل في ديباجة و مادة دفعة واحدة! المنطق الأبسط يقول إنه كلما كانت نسبة الأمية أعلى في شعب كلما كان الاحتكام إليه ينبغي أن تسبقه رويّة في صياغة المقترح.
لكن بدلاً من ذلك يقترح الأخوان حلاً تاريخياً لقضية الأمية المزمنة في مصر: توزيع شهادة تفقه بالقانون الدستوري على كل المصريين. هكذا يرسي محمد مرسي القسمة: الأخوان ولاة الأمر، ولهم حراسة الشريعة، ولفقراء الشعب المصري جائزة تقديرية، شهادة دكتوراه فخرية في القانون الدستوريّ، أي من خلال موافقتهم على مسودة تسحب منهم السيادة الشعبية.
هذه الشعبوية المخادعة هي في الحقيقة نقيض إلغائي لمقولة "الشعب مصدر السلطات". تخلع على الشعب ما ليس له، من تفقه بالدساتير، إنما لتسلبه ما له، بل لتسلبه كينونته كشعب مصري يتساوى أبناؤه أمام القانون، ويتكرّس فيه مبدأ المواطنية، صنو فكرة الوطنية.
المسودة الأخوانية للدستور أخطر قطوع يمرّ به الربيع العربي إلى الآن، ويحاذر أن تكون له تداعيات كارثية على مستوى الإقليم.
المؤسف ذهنياً في المقابل، أن تسمع بعض الأخوان يباهون على الفضائيات بأنه دستور "يضاهي" الدستور الفرنسي في حرياته وحقوقه المدنية والسياسية. وهو ما قاله وليد المعلم كذلك الأمر عند أعداد الدستور المتوج لإصلاحات الإرهابي بشار الأسد.
أي مضاهاة، ومسودة الدستور الأخوانية، لا تزال تنص في المادة على نسبة لا تقل عن الخمسين في المئة لـ"العمال والفلاحين"؟ هذا نقص لأسس الديموقراطية التمثيلية، عودة الى مقولات بالية تطعن في الديموقراطية الليبرالية باسم "ديموقراطية شعبية". عمال وفلاحون زائد أخوان؟؟ كملت!!
لكن الأخطر هو إعراض الدستور عن كل ما يتعلّق بالمساواة القانونية بين المصريين في المواطنية، وفي الحقوق والواجبات.
فعن أي ربيع ونهوض سنتحدّث بعد ذلك، إن كان الدستور المقرّ في مصر عام ، ينص في المادة : "المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي ما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية ولا يولى الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون".
دستور الذي عطّل عام أو جرت محاولة استبداله بمسخ لدستور قبل أن يعاد العمل به في العهد الملكي، يمثّل من هذه الناحية مستوى دستورياً وطنياً أكثر تقدماً بما لا يقاس من كل ما تلاه.
لكن إذا كان افتقار هذا الدستور إلى التأصيل الديني هو ما كان يعيبه عليه حتى حزب الوفد، كونه دستوراً أعده حزب الأقلية من الدستوريين الأحرار، تلامذة رائد الليبرالية أحمد لطفي السيد، فماذا لو رجعنا عقوداً الى الوراء؟
المادة من الدستور العثماني لعام أقرت بأن "كل العثمانيين يتساوون أمام القانون. لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات نفسها تجاه بلدهم، دون تمييز يتعلق بالدين".
هذا كان قبل عاماً، وفي ظل دولة على رأسها سلطان خليفة، في ظل دولة الخلافة. فعن أي ربيع، وعن أي مرجعية إسلامية يتحدّث الأخوان المسلمون المصريون؟ ما كان يمكن إقراره قبل عاماً في ظل الخليفة ولا يمكن إقراره في ظل الربيع العربي يعني أن هذا الربيع تجاوز في مصر مرحلة الخطر، إلى مرحلة ما فوق الخطر. وحين يحصل ذلك في مصر يحصل في الإقليم أيضاً. لا مناص من التشاؤم إذاً. يبقى أن التشاؤم غير اليأس.