جريدة الجرائد

تنبؤات ... حول الثورة الليبية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


خليل علي حيدر

هل كان يمكن اقتلاع نظام القذافي بغير تلك الثورة الشعبية وبغير استخدام العنف المسلح، وبغير العون الجوي الحاسم من طيران "الناتو"؟

مقال مجلة "السنة" في أبريل 1999، المعنون بـ"ماذا بعد القذافي؟!"، استبعد، كما رأينا في مقال سابق، إمكانية نجاح أي ثورة شعبية، ورجّح الانقلاب والاغتيال والموت الطبيعي واحتمال التغير من الداخل، غير أن النظام نجا، كما يقول الكاتب، من نحو 33 عملية انقلابية، وبات شديد القسوة والحذر.

تحدث الكاتب، محمد علي محمد، عن الأوضاع بعد الإطاحة بالقذافي، وتنبأ بوقوع الفتنة الأهلية والحرب الأهلية بين أبناء الشعب الليبي الذي ينقسم إلى قبائل. وأضاف أن قبائل ليبيا كلها تساهم في الوضع القائم، و"كل القبائل الليبية لها شهداء وضحايا وسجناء، ولها في المقابل جلادون وجلاوزة وعملاء للقذافي، يهمهم استمرار القذافي ضد شعبهم، حماية لأنفسهم. وما يقال في شأن العصبية القبلية ينطبق تماماً على العصبية الجهوية".
وغلب الشك وسوء الظن على توقعات الكاتب حول طبيعة الموقف الدولي وحتى المصري من سقوط النظام. وقال إن "الأطماع الدولية لن تترك البلاد وشأنها"، وبخاصة إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، بسبب حجم الاستثمارات وعقود المقاولات والنفط والغاز وصفقات السلاح.

وأضاف أن "هذه العقود الغالية كفيلة بحل بعض مشاكل أوروبا الاقتصادية خاصة إذا علمنا أن عدد البطالة في هذه الدول يفوق عدد سكان ليبيا كثيراً". وقال إن الموقفين الأميركي والروسي لا يختلفان كثيراً في تغليب المنافع الذاتية والأطماع والمصالح.

ثم تساءل: "هل تتحد تلك الأطماع وتتوجه إلى القيام بعمل مشترك يحقق مصالح الطامعين ويتقاسمون الأرباح ولو بنسب متفاوتة؟ أم تتقاطع تلك الأطماع وتتصارع فتنجو الفريسة أو تكاد؟ وهل تقوم أميركا أو الدول الأوروبية بالتدخل المباشر لفرض نظام معين أو لتوجيه الأحداث؟".

ووضع الكاتب تصوراً لسيناريو التدخل الغربي في ليبيا فقال: "المتوقع أن هذه القوى الدولية لن تتدخل مباشرة بشكل سافر لأول وهلة، ولكنها تفضل تحريك أو توجيه الأحداث بأيد وطنية بالدعم والمساندة، وإذا اضطرت إلى التدخل المباشر، فربما تجد وكيلاً محلياً من المنطقة يقوم بهذا الدور نيابة عنها، وإلا فهي تستخدم الغطاء المفضل لها كقوات الأمم المتحدة مثلما حصل في عدة مناطق من العالم. وعلى كل حال فإن الأطماع الدولية مهما تباينت لن تجد سبيلاً لتحقيقها إلا إذا وجدت طرفاً ليبياً يمهد لذلك".

وهكذا يثير الكاتب الشكوك مقدماً في دوافع الدول الغربية، بل ويتهم حتى القوى الثورية داخل ليبيا بالعمالة للخارج والتمهيد لتدخل القوى الدولية.

ونترك للباحثين وللشعب الليبي دراسة ظروف الثورة، ودور القوات الدولية في نجاح تغيير النظام، ومدى "ولاء" قيادات ليبيا الجديدة ... للخارج!

وكم من تشابه لا يخفى بين استعانة الليبيين بالأمم المتحدة وحلف "الناتو" وأوروبا وأميركا في ثورتهم على ديكتاتورية القذافي عام 2011، واستعانة الكويتيين بنفس الهيئات والدول سنة 1990 لاستعادة بلادهم من غزو صدام الهمجي لها. ولا يمكن بالطبع اتهام العالم الغربي وحلف "الناتو" في دعمه للثورة الليبية بأنها كانت مسيرة بدوافع المادية والجشع، ذلك أن القذافي، كما يقول الكاتب نفسه قد أغرق شركات أوروبا وأميركا بالعقود والامتيازات. كما أن تدخلها كان من أحد جوانبه مغامرة سياسية إن فشلت الثورة، واستعاد القذافي نفوذه، وبادر إلى الانتقام منها.

ثم إن التدخل الغربي وعون "الناتو" للثورة، جاء بعد عجز الثوار عن إنزال الهزيمة بالآلة الحربية لنظام القذافي، بل وبعد مناشدة عارمة في كل مكان لدعم حركة التغيير والتخلص من نظام القذافي الوحشي.

وهذا ما عايشناه مع الإعلام العربي في أزمة تحرير الكويت عام 1990 - 1991، حيث وقف الإسلاميون والقوميون والتقدميون ضد التحالف الدولي-العربي، الذي تولى المهمة وسط اتهامات لا حصر لها بنهب بترول الكويت وثرواتها، والإبقاء على أسعار النفط "رخيصة"!

ويطالب الكثيرون اليوم بتدخل أميركا وأوروبا وحلف الناتو لدعم الثورة السورية بالطيران وغير ذلك. ولو تدخل "الناتو" وهزم النظام السوري، فلن يفاجأ أحد بعد سنوات من سقوط النظام بنظرية كاملة حول تآمر الغرب على سوريا ... لإنقاذ إسرائيل!

وهكذا، إن تدخل الغرب لدعمنا شكوناه وهاجمناه واتهمناه، وإن تجاهلنا وانصرف إلى شؤونه وأعلن الحياد نال من نقدنا وهجومنا النصيب نفسه!

ماذا عن جيران ليبيا العرب، مثل مصر وتونس والجزائر، يقول الكاتب: "الأنظمة السياسية للدول المجاورة، لها أطماعها الخاصة الآنية المرتبطة بنظام القذافي. ومن ثم فهي تفضل استمرار حكم القذافي، ذلك أن القذافي يوفر لهذه الأنظمة دعماً مالياً وأمنياً رغم مضايقاته واستفزازاته، كذلك هذه الأنظمة، عسكرية بوليسية لا تمثل شعوبها، ومن ثم فهي غير مستقرة، فلا ترغب في استقرار البلدان المجاورة لها. وهذا ما يفسر منع المعارضة من الإقامة فيها، بل وتعدى ذلك إلى تسليم عناصر المعارضة لنظام القذافي، فهي أنظمة لا يتوقع منها أن تراعي مصلحة الشعب الليبي، إذ هي تفرط في مصلحة شعوبها".

لحسن حظ الليبيين، تغيرت أنظمة بعض هذه الدول ولم تعد الأنظمة المجاورة الأخرى تشكل خطراً مباشراً.

هؤلاء، "يتفاوتون في الوعي والمسؤولية وبُعد النظر وقوة التأثير، وتحت نظام القذافي الإرهابي يلوذ الجميع بالصمت والمداراة، وبعض هؤلاء يُعتبر من أفراد نظام القذافي".

ولكن كيف ستكون مواقف هذه الشخصيات لدى سقوط النظام وزوال خطره عليهم؟

"لعلَّ أهم الأدوار التي يمكن لهذه الفعاليات أداؤه هو التصدي لكل من يحاول إثارة النعرات الجاهلية أو استغلال الفوضى التي تعقب سقوط القذافي".أما "المعارضة"، فقد قامت بعض فصائلها بأعمال وجهود بطولية، مثل أحداث باب العزيزية عام 1984، وبعضها قام بنشاطات إعلامية مضادة للقذافي. ولكن، يضيف الكاتب، تراجع تأثير هذه المعارضة في الآونة الأخيرة لعدة أسباب، "منها التشرذم والاختلاف بين فصائلها، استمالة القذافي لعدد من رموزها وعناصرها، منع نشاطاتها في الدول المجاورة، بل وتسليم بعض عناصرها للقذافي".

على رأس هؤلاء المعارضين للنظام ولا شك كان "منصور الكيخيا"، الذي حسمت السلطات الليبية الجديدة مصير جثته، حيث كان وزير الخارجية الليبي الأسبق، وأبرز معارضي القذافي، بعد نحو 19 عاماً من اختفائه في القاهرة.

وقد تمّ العثور على الجثة في فيلا خاصة بجهاز المخابرات الليبية السابق في طرابلس. وذكر محمود الكيخيا أن عبدالله السنوسي، رئيس مخابرات القذافي وصهره، اعترف بخطف شقيقه منصور، وقال إن من كان مكلفاً بهذه العملية هو إبراهيم البشاري، وزير الخارجية الليبي الأسبق، الذي عمل في القاهرة سفيراً في فترة اختطاف منصور، حيث قُتل البشاري لاحقاً في ظروف غامضة في حادث سيارة ربما دبره القذافي للتخلص من أسراره.

ويختتم الكاتب توقعاته حول مصير ليبيا بعد القذافي بالحديث عن "الحركة الإسلامية" والدور الذي قد تقوم به. غير أنه لا يتوسع في بيان التفاصيل، ويقول إن هذه الجماعات "تعاني مما تعاني منه الحركة الإسلامية من مشاكل كالتشرذم، وضعف الوعي عند البعض، والاستعجال وغيرها". وأضاف أن هذه الحركة تلقت ضربات موجعة من أجهزة القمع القذافية، وقدمت العديد من الشهداء والمئات من السجناء والمهاجرين من أبنائها، غير أن "الشعب يطلب من الحركة الإسلامية ويعلق عليها الأمل في الخلاص من القذافي".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف