التغيير الروسي المرتقب حيال سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الوهاب بدرخان
السؤال الملتبس والمحيّر طرح نفسه طوال الشهور الماضية: هل لروسيا نفوذ على النظام السوري؟ قد يكون الجواب: نعم، لكن موسكو لا تمارس هذا النفوذ على طريقة الولايات المتحدة التي لم تتأخر في تأييد خلع رئيسي مصر وتونس عندما ثار شعباهما عليهما، وكانت لها مساهمة ملموسة في إطاحة زعيم ليبيا وفي دفع الرئيس اليمني إلى التنحي، وأتيحت لروسيا فرص عدة لإيضاح أنها لا تتدخل ولا تؤيد التدخل لتغيير الأنظمة، وهو ما يبدو ظاهرياً موقفاً محموداً بل موقفاً مبدئياً يصلح لأن يرسخ في السياسة الدولية لو أن موسكو سعت فعلاً إلى إطلاق نقاش دولي حوله بغية تعزيز سياسة الدول واحترام الشعوب.
غير أن شيئاً من هذا لا يشغل فعلاً الروس، إذ بذلوا ما في وسعهم لاستثمار الأزمة السورية في نيل مصالح ومكاسب كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة لتحصيلها في صراعهم مع الدول الغربية. ثم أنهم قدموا للنظام السوري كل الدعم الممكن للحيلولة دون سقوطه وتغييره من الداخل وبفعل كفاح الشعب السوري.
وقد يكون الجواب: لا، ليس لروسيا نفوذ يسمح لها بأن تضغط على النظام السوري لحمل رئيسه على التنحي أو الرحيل، لكنها رأت أن تستغل "الفيتو" الذي تتمتع به في مجلس الأمن لتعرقل أي جهد دولي منسق يمكن أن يتوصل إلى إسقاط النظام السوري. ووجدت مصلحة في الاختباء وراء الموقف الروسي، وكذلك إيران، وادّعت الدول الثلاث أن لها مصالح في سوريا، ولابد من التفاهم معها كي تؤيد التغيير الذي تعتبر أنه ملزم بالحفاظ على تلك المصالح، وإذا تعذّر هذا التفاهم فإنها ستعمل على إطالة الأزمة إلى ما لا نهاية، لكن إذا لم يكن لروسيا النفوذ الذي يمكنها من تقديم "إطاحة النظام" لقاء رزمة المصالح، فعلام تدور المساومة بينها وبين الولايات المتحدة؟
المعلوم أن هناك مفاوضات أمريكية - روسية تتم على مستوى الخبراء منذ فترة وبعيداً عن الأضواء، وهي تتمحور حول مسائل غير مرتبطة مباشرة بالشأن السوري، بل بالشأن الاستراتيجي الشامل، بدءاً بالدرع الصاروخية في أوروبا ومروراً بالتعامل مع الأزمة النووية مع إيران وصولاً إلى الأمن الاستراتيجي في وسط آسيا، بالإضافة إلى ملفات اقتصادية، ذاك أن اللقاء المرتقب بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين يفترض أن يتوصل إلى تفاهم بين الدولتين الكبريين يغطي معظم خلافاتهما ويحاول تفعيل التوافقات التي تتحدثان عنها في مختلف المناسبات، ولا يبدو أن مواقفهما من سوريا هي المقياس المناسب لتقدير تقاربهما أو تباعدهما، وإنما تستخدمانها إما للتعبير عن تقدم أو تعثر في التفاوض الجاري بينهما، أو للتعتيم على التقائهما الفعلي بشأن سوريا، إلا أن الظروف لم تنضجه بشكل كافٍ كي يُصار إلى إعلانه.
قبل عشرة أيام التقى وزيرا الخارجية هيلاري كلينتون وسيرغي لافروف في دبلن (أيرلندا) وشارك المبعوث الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي في جانب من محادثاتهما، لم يُفهم شيء، أي شيء محدد مما صرّحا به، لكن الإبراهيمي أشار إلى أنهما لا يزالان يؤيدان "تسوية سياسية" في سوريا، وقيل إن اقتراح إرسال "قوات لحفظ السلام" كان مدار بحث، ثم أن مساعديهما وليام بيرنز وميخائيل بوغوانوف تابعا التفاوض في جنيف وأشركا أيضا الإبراهيمي، وفي هذه المحطة اتضح أن تنقيح "اتفاق جنيف" 30 يونيو سيعكس تقارباً بين الدولتين وأنه يمكن عندئذ الذهاب إلى مجلس الأمن بمشروع قرار مستند إلى ذلك الاتفاق لإلزام الطرفين بوقف إطلاق النار وإطلاق "عملية نقل السلطة".
كانت روسيا ذهبت إلى أقصى حد في استغلال قضية "التدخل الخارجي" في سوريا، والمقصود هو التدخل العسكري، رغم علمها بأنه لم يكن مطروحاً في أي وقت، لا بالسيناريو العراقي (الاجتياح والاحتلال)، ولا بالسيناريو الليبي (تدمير القدرات العسكرية للنظام)، ولعل ما سحب هذه الورقة من الاستغلال الروسي إعلان رئيس "الائتلاف الوطني السوري"، إن المعارضة لم تعد تحتاج إلى قوات دولية لمساعدتها ضد النظام وفي الوقت نفسه، كانت روسيا تراهن على أن يحسم النظام الموقف العسكري لصالحه، فهذا يقوي موقفها التفاوضي، ويمنحها الوقت الكافي لخوض المساومة الكبرى مع أمريكا، لكنها فوجئت، مثل الأمريكيين، بأن الإنجازات الميدانية للمعارضة تنافس كل المساومات وتسابقها، حتى أصبح همّ الدولتين التعجيل بالتفاهم قبل أن تفرض عليهما الأرض أمراً واقعاً يصعب التعامل معه.
وفيما أعلنت واشنطن اعترافها بـ"الائتلاف" ممثلاً شرعياً للشعب السوري، بادر نائب وزير الخارجية الروسي إلى القول إن المعارضة تكسب "ويمكن أن تنتصر"، لكن الأمريكيين استبقوا الاعتراف بوضع "جبهة النصرة" على قائمة الإرهاب، ثم أن الروس نفوا كلام نائب الوزير بوغوانوف مؤكدين أن موقفهم "لم ولن يتغير"، ولا يعني هذا التذبذب الزئبقي سوى أن الدولتين لم تقفلا ملفاتهما الأخرى لحسم موقفهما حيال الوضع السوري، وطالما أن موسكو تعرف أن الأمريكيين لا يحبذون تدخلاً عسكرياً، وواشنطن تعرف أن الروس لا نفوذ فعلياً لهم على رأس النظام السوري، فإن "التغيير" المرتقب لابد أن يصاغ في قرار لمجلس الأمن.
وحين يتبلغ النظام في دمشق أن روسيا ستؤيد قراراً ملزماً بوقف النار والشروع في نقل السلطة سيعرف أن اللعبة الروسية التي ارتكز عليها لمقاتلة شعبه قد انتهت.
التعليقات
خطأ جوهري جسيم
ماجد السوري -للأسف السيد بدرخان ارتكب خطأ أساسي في بداية المقال تماماً. روسيا لا تملك أي نفوذ على القرار السوري والنظام السوري منذ ١٩٩٢ عندما قرر حافظ الأسد وضع نقطة النهاية لعلاقته معها بعد رفضها تسلميه طائرات ميغ ٢٩ بسبب الضغوط الأمريكية ورفضها إعادة جدولة ديونه، مما اضطره للاستدانة من ألمانيا. إن ما يجعل روسيا صاحبة قرار قوي على الساحة السورية اليوم هي كون بشار الأسد هو الذي ضحى باستقلالية بلده وألقاها بكلها على الروس (يعني باعها بالمجان) طبعاً لقاء ضمان الروس له بإبقائه على كرسي السلطة. لم تكن تحلم روسيا أن تبني قاعدة عسكرية في طرطوس لولا نذالة بشار الأسد واسترخاص مياه وأراضي بلده من أجل الكرسي. الشيء الوحيد الذي يعلمه بشار هو أن الروس يبحثون منذ هزيمتهم في الحرب الباردة عن أي "شوكة" ينخزون بها الغرب الديمقراطي الرأسمالي. وهذا شيء ليس بجديد على الروس واكتشافه لا يحتاج إلى عبقرية. لذلك فقبل بشار النذل أن يحول البلد إلى هذه الشوكة حتى لو كان الثمن هو أمنها وحياة واقتصاد شعبها. الخلاصة أن الروس لم يكونوا يمتلكون أية سلطة على سوريا لولا أن حولها بشار إلى رهينة قرض روسي غير عادل بتاتاً مادته السلاح وغايته التدمير. وإضافة أخيرة: روسيا لا تمتلك أية سلطة ولا على أي بلد خارج حدودها إلا على بعض البلدان الصغيرة الضعيفة على جبهتها الغربية والتي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي.
الجوز الفارغ
وسيم -مخالف لشروط النشر
الجوز الفارغ
وسيم -مخالف لشروط النشر