المنطقة والدور التركي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالزهرة الركابي
يقول المحللون الغربيون، تعليقاً على تراجع شعبية السياسة التركية في المنطقة، إذا كانت أهمية تركيا الإقليمية قبل الانتفاضات تقوم جزئياً على قدرتها على أن تكون حكماً محايداً، وتقوم بمساع حميدة لحل مشكلات المنطقة، فإن هذا التقدير ربما فُقد وسط الفوضى السورية وتعقيدات التحول العربي، كما أنه وسط ما تثيره "العثمانية الجديدة" من رومانسية، نُسيت حقيقة أنه إذا كان الأتراك مجاورين للشرق الأوسط جغرافياً، وأغلبيتهم من المسلمين، فإنهم ما زالوا أجانب بالنظر إلى تركتهم الكولونيالية في العالم العربي.
وهذا الرأي عن تركيا شائع ومنتشر بين العرب من كبار السن، بل وحتى النشطاء الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع لخلع الحكام المستبدين باسم الكرامة والديموقراطية، لا سيما أن أنقرة عملياً لم تتزحزح قيد أنملة عن تحالفها الاستراتيجي مع إسرائيل، وأن كل المناكفات التي حدثت بين أنقرة وتل أبيب، في السنوات الأخيرة، هي في عداد الهواء في شبك، إذ استمر التعاون العلني والسري مع تل أبيب، ووصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين، بما في ذلك المجال العسكري، إلى 3 مليارات دولار، بعدما اشترت أنقرة من إسرائيل طائرات التجسس من دون طيار التي تستخدمها على الحدود مع الدول المجاورة.
هذا، وقد تعالت أصوات المحللين الأتراك انتقاداً للسياسة التركية في المنطقة، بعدما عدّوها محاولة من أنقرة لإخفاء حقائق السياسة التركية الإقليمية الجديدة، التي باتت تذكرنا بسياسات أنقرة في الخمسينات، أيام حلف بغداد والحشود العسكرية على الحدود السورية، والتصويت في الأمم المتحدة ضد الجزائر، والتصدي للتيار القومي الناصري، وأخيراً التحالف مع إسرائيل سراً.
وصحيح أن تركيا دولة محورية في المنطقة، ولا يمكن لأحد تجاهل دورها، إلا أن دورها المزدوج في اتجاهاته أصبح مثار ريبة، كما هي الحال مع الدور الإيراني، الذي بطبيعة الحال يخدم أجنداته الخاصة أولاً، وأجندات الدور التركي هي كذلك على هذا المنوال نفسه، وبفعل الأوضاع السائدة في المنطقة العربية، انتهزت الأدوار الإقليمية الفرصة في التحرك ومضاعفة نشاطاتها على نحو مثير، ولا أحد ينكر البصمات التي طبعتها هذه الأدوار في قضايا المنطقة وأزماتها سلباً أم إيجاباً.
وعلى كل حال، لم يعد التنافس مقتصراً على هذا الدور أو ذاك، في ساحة تعج بالمتنافسين الآخرين الذين ربما يعوزهم الكثير من القوة الناعمة، كما أن قدراتهم المحدودة في مختلف الجوانب تجعلهم غير مؤهلين لقيادة المنطقة بلا منازع.
وكذلك بات من الصعب على ائتلاف من بلدان عدة تزعم مصالح مختلفة وتنافسات إقليمية متقابلة في ظل انعكاسات عالمية مؤثرة في استقطاباتها وتحالفاتها.
ولهذا، فإن بلدان المنطقة لن تقبل السير وراء قيادة تركية، حتى وإن كانت شراكة مع هذه البلدان.