"الجهاديون" من صناعة الأسد وإهمال الغرب للثورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أسعد حيدر
لم ينته العالم في 21 كانون الأول من العام 2012، لكن الأسديين يتصرفون وكأن نهاية النظام الأسدي و"فارسه" بشار الأسد هي نهاية الماضي والحاضر والمستقبل. حتى لا تقع هذه النهاية المحتومة والمرسومة مثل موت معلن، فإنهم يحيكون ألف حجة وحجة لا يقنع مجموعها سواهم. ما زالوا يشددون على أن الأسد باق حتى 2014 وبعدها لكل حادث حديث. من الوقائع المسلّم بها أن الأسد خارج كل الحلول بما فيها أكثر التسويات المفترضة ومنها جنيف تفاؤلاً. ما يعني العالم هو تقديم الضمانات للعلويين لينجزوا "طلاقهم" مع الأسد وعائلته، لأن في ذلك تسريع دراماتيكي لخلاص سوريا من دفع المزيد من ضريبة الدماء التي تدفعها للحصول على الحرية والسيادة والكرامة. ووسط بكائية غير معهودة لدى الأسديين على الشعوب وتضحياتها، يهددون السوريين أولاً والعرب والعالم ما عدا روسيا وإيران بأن "صوملة" سوريا ستحرق الأخضر واليابس في المنطقة والعالم كله. ولذلك فإن ما جرى ويجري في مصر واليمن وليبيا وتونس ليس أكثر من نقطة ماء أمام بحر الدماء والدموع السوري. الواقع أن ما يجري في هذه الدول التي عاشت وتعيش الربيع العربي بكل زخمه هو من طبيعة الثورات دائماً الولادات تتطلب مخاضات صعبة ومؤلمة.
في مصر، رغم جشع وشراهة "الاخوان المسلمين" للسلطة، فإن سقوطهم في التجربة يسقط وهماً كبيراً طالما أخافت الأنظمة العربية به شعوبها. جزء أساسي من القمع غير المحدود والمسبوق ضد الاخوان المسلمين في مصر، خصوصاً في سوريا كان خلفه خطة لتصحير الحياة السياسية ونشر الرعب بين الأجيال، خصوصاً الصاعدة منها. لم يستوعب الاخوان، أن الدستور ليس قانوناً حتى يطبق لدى حصوله على نعم من نصف الشعب زائد واحد. الدستور يتطلّب توافقاً وطنياً. في جنوب إفريقيا تطلبت صياغة الدستور سنتان من المناقشات الغنية بين مختلف مكوّنات الشعب الذي عاش حرباً عنصرية طويلة، قبل طرحه على الاستفتاء وحصوله على موافقة 94 في المئة عليه. عكس ما يشيعه الأسديون، الشعب المصري يصنع نفسه بنفسه تاريخه اليوم. دخول المعارضة المدنية بهذا الزخم في معركة الاستفتاء على الدستور يعني الدخول الى قاع المجتمع المصري وبداية إزالة تصحير الحياة السياسية وبناء مجتمع غني بالفكر والتعددية وقبول الواحد للآخر، وممارسة التبادلية السياسية في أرقى صورها. مهما كان الوضع صعباً حالياً والقلق كبير فإن مصر اليوم وغداً أفضل بكثير من حسني مبارك و"المباركية" التي لم تكن مباركة لكثرة ما فرضته من شلل كامل على مصر موقعاً ودوراً.
أما اليمن، فإن التطورات تؤكد رغم المخاطر الكبيرة، انها تسير في مسار التخلص من كل آثار "تصحير" علي عبد الله صالح، وأن التخلص من تركيبته التي أورثها لليمنيين يتم من خلال قضمها وهضمها بثبات. مهما كان وضع اليمن صعباً، فإنها من دون صالح وابنه وعائلته أفضل بكثير مما كانت عليه.
حتى تونس وليبيا اللتان تشهدان أحداثاً صعبة وأحياناً دموية فإنهما من دون زين العابدين وليلى طرابلسي وعائلاتيهما، ومن دون معمر القذافي وجنونه ودمويته المشتركة مع أولاده، حالهما أفضل بكثير.
أما بالنسبة لسوريا، فإن التهديد بالمجموعات الإرهابية هو من نوع جعل "الحبة قبّة". من أصل 250 ألف مسلح اليوم في سوريا حسب مختلف التقديرات، يوجد عشرة آلاف أو أكثر بقليل من المتطرفين والسلفيين، أيضاً وهو مهم أن الاسد هو الذي أنبتهم وصدّرهم الى العراق ولبنان، وقايض بعضهم مع أجهزة المخابرات الغربية، ولأنهم في معظمهم من الوافدين فإن انتصار الثورة غداً أو بعد غد سيحسم وجودهم تدريجياً. المهم ألا تطول حجج الغرب، خصوصاً واشنطن عن دعم الثورة، لأن كل يوم إحباط لدى السوريين من مدنيين وثوار، لأنهم متروكون في العراء أمام النظام الأسدي، الذي يستخدم القنابل العنقودية وصواريخ سكود والشبيحة، يرفع من رصيد المتطرفين ويشرّع وجودهم وشرعيتهم.
ما يجري وسيجري في سوريا ليس سهلاً. سقوط الاسد والنظام الأسدي لن يكون نهاية لآلام الشعب السوري، تعترف مختلف القوى السورية والمعنية من إقليمية ودولية أن أمام سوريا خمس سنوات طويلة على الأقل بعد الأسد لكي تستقر. هذا ما جناه الأسد الأب والأسد الابن على السوريين قبل أن يجنيه أحد عليهم، لأن لا جريمة بلا عقاب، فإن "شيشنة" الأسد لسوريا بعد تصحيرها، جرائم ضد الإنسانية يجب أن يدفع ثمنها غالياً.