جريدة الجرائد

هل هو انفلات إيديولوجي في مصر وتونس؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يوسف بلحاج رحومة

تشهد مصر هذه الأيام حالة توتر وصراعا بين التيار الإخواني ومعارضيه، وفي تونس يدور نفس الصراع تقريبا بين النهضة الإسلامية ومعارضيها. وشاء من شاء وأبى من أبى، يبقى الصراع إيديولوجيا بالأساس، رغم أن شعارات المطالبة بالحريات والشريعة وما إلى ذلك هي الطاغية على سطح الأحداث.
كل مجتمع أو كل بلد توجد فيه اختلافات إيديولوجية، وهذه طبيعة البشر، وكل فرد مهما حاول التهرب من الإيديولوجيات ونبذها إلا أنه في حقيقة الأمر مأدلج، لأن اللا إيديولوجيا هي في حد ذاتها إيديولوجيا، ونفس الشيء بالنسبة للأحزاب، فلكل حزب إيديولوجيا. الدولة المدنية الديمقراطية تدير الإيديولوجيات وتستوعبها وتوجهها نحو التفاعلات والتجاذبات الإيجابية اعتمادا على مبدأ التداول على السلطة وحكم الأغلبية مع احترام الأقلية.
الأنظمة السابقة في تونس ومصر لم تكن مدنية ديمقراطية، بل كانت ديكتاتورية تسلطية، وكانت تنتج عوامل بقائها اعتمادا على القمع والبوليس وتمييع النظم السياسية والإعلامية والثقافية. وبعد قيام ما تسمى اثورات الربيع العربيب انهارت تلك الأنظمة وصعدت مكانها أنظمة جديدة تستمد شرعيتها من الدين، وهذه الأنظمة الجديدة نشأت في رحم الأنظمة الاستبدادية السابقة، فلا يخفى على أحد أن التيار الدستوري البورقيبي في تونس احتضن التيار الإخواني ليكون مكملا للمنظومة الاستبدادية عبر تبريرها باسم الدين والفتاوى، وليكون أداة لضرب التيارات اليسارية والقومية التي تدعو إلى التغيير. أما في مصر فلم يكن المشهد مختلفا كثيرا في عهد أنور السادات الذي احتضن التيار الإخواني ودلّله لأنه يدرك استحالة ترويض الشعب وقمعه دون مساندة من هذا التيار. فما كان يؤلّف بين التيارات الدينية والأنظمة الاستبدادية هو معاداة الحرية ونشر الاستبداد. وبالتالي كانت الأنظمة الجديدة التي تستمد شرعيتها من الدين ناضجة وجاهزة لتكون عجلة النجدة للأنظمة الاستبدادية السابقة.
البلدان العربية عامة تأخرت في بناء أنظمة مدنية ديمقراطية حقيقية، فالحكام كانوا يسعون إلى إنتاج تناقضات مفتعلة يبررون بها أنظمتهم الديكتاتورية، فكان البحث دائما عن صور لرسمها في الوعي الشعبي، من قبيل المتآمرين على الوطن والإرهابيين والمتواطئين مع الخارج وما إلى ذلك.
الأنظمة المدنية الديمقراطية هي الحل لاستيعاب التناقضات والاختلافات الإيديولوجية داخل المجتمع، ولتحويل الاختلاف إلى تنوع وتطور وازدهار بدل تحويل الاختلاف إلى خلاف وعنف وتخلّف. لكن هناك في العالم العربي من ما زال يعتقد في أن الأنظمة المدنية الديمقراطية هي مؤامرة صليبية أو ماسونية لضرب الأمة الإسلامية وللقضاء على عوامل قوتها.
المشهد الاجتماعي والسياسي في كل من تونس ومصر يعيش حالة انفلات رغم كل ما نراه من تجاذبات، لكنها تجاذبات فارغة لا تعبّر عن ذلك الاختلاف الإيجابي الّذي يولّد حركيّة فكرية واجتماعية ثريّة تهدف إلى البحث عن واقع اقتصادي اجتماعي جديد، فهناك صراع على مسائل بدائيّة حسمتها البشرية من قبيل (نوعية النظام، شكل الدولة، الحريات الفردية).
المجتمعات والشعوب لا تتطوّر ولا تتقدّم في غياب التجاذبات الإيجابية الّتي يتمّ بموجبها تحويل الخلاف إلى اختلاف ثم تحويل الاختلاف إلى تنوع، فيكون التنوع مصدر إثراء وتناغم داخل المجتمع وانطلاقا منه يولد التطور والازدهار والتقدم، وهذا يتطلب ديمقراطية قوية تقوم على القانون والمؤسسات، كما يتطلب ثقافة الديمقراطية التي لا تُستورد من وراء البحار ولا تُدرّس في الأكاديميات بل تُنتج على المستوى الوطني من خلال التفاعلات الاجتماعية الشاملة انطلاقا من التربية والتعليم وصولا إلى مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب ومؤسسات الدولة والدوائر السياسية الرسمية، هذا مع وجود ثقافة متنوعة وإعلام حر ومسؤول. فالمجتمع النمطي الذي تغيب فيه التجاذبات والاختلافات الإيجابيّة والتنوع لا يتطور ولا يبدع ولا يتقدم، ويبقى تحت سيطرة الشعوب والأمم الأخرى.
ما نراه في تونس ومصر هو أقرب إلى المراهقة الإيديولوجية، وهذه المراهقة تصبح أكثر خطورة في غياب ثوابت متفق عليها بحيث لا تقمع الأغلبية الأقلية. وما يزيد الأمر خطورة هو غياب ثقافة الديمقراطية والاختلاف وكذلك انعدام الأرضية المناسبة لتسيير التناقضات والاختلافات الإيديولوجية، وهذا أمر طبيعي في مرحلة تأسيس وانتقال ديمقراطي. ويبقى الخروج إلى برّ الأمان مرهون بمدى تعقل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في كلا البلدين، فعليهم التصرف بتعقل بعيدا عن سكرة المراهقة السياسية والإيديولوجية لأن البلدان التي تعجز عن السيطرة على تناقضاتها الداخلية عبر تسييرها واستيعابها وتحويلها يكون مصيرها إما الانفجار أو التآكل الذاتي أو تدخل عناصر دخيلة على المشهد المدني (حكم العسكر مثلا) أو تدخل طرف خارجي لإحداث تعديل قسري للتناقض القائم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
التأمين على الحياة
ع/عطاالله -

؛ففي حيي أنا نؤمن ولائمنا فلا نبالي دون المآتم.لاتوجد شركات تؤمن البدع كما أعرفها فردية وجماعية .

التأمين على الحياة
ع/عطاالله -

؛ففي حيي أنا نؤمن ولائمنا فلا نبالي دون المآتم.لاتوجد شركات تؤمن البدع كما أعرفها فردية وجماعية .