جريدة الجرائد

المسيحية والمسيحيون في الشرق العربي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد خليفة

في العالم العربي اليوم دعوات كثيرة تقوم معظمها على أساس العصبية الدينية وتبعث الفوارق الملّيّة والمذهبية القومية التي تستهوي قلوب الشعوب، وهي دعوات غير صادقة، إذ إن من المحال أن تكون أي أمة فوق الجميع بسبب معتقداتها، وهي مع هذا تسيء إلى العالم وأصحاب الديانات الأخرى وتقلق الإنسانية، فمن الحقائق المسلّمة أن قضية الإيمان بالله قضية محورية تقوم عليها حياة الإنسان على هذه الأرض، بكل مقوماتها واتجاهاتها وواقعيتها، وسنة الله في إرسال الرسل منذ نوح إلى محمد - عليهم جميعاً السلام - أنهم جاؤوا برسالة إلهية واحدة ldquo;يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيرهrdquo; (الأعراف)، لهداية الناس في شتى الأوان والأزمان، لا يفرقهم نسب ولا جنس . هؤلاء الرسل والأنبياء هم حجة الله على الناس عبر التاريخ البشري لرسم منهج الهداية الربانية، وترسيخ قضية التوحيد، وتعميق مفهوم الدين، بما يشع منه من أمن النفس وأمن البشرية جميعاً .

فالدين والتدين عامة إنما يقومان على فكرة النبوة والأنبياء، وهي النزعة الإنسانية التي ترمي إلى الارتفاع بالقيم والأخوة الإنسانية، وتُعِدّ الناس للتطورات المتعاقبة على مدارج الزمن، فالدين غريزة في الفكرة البشرية، ويمثل المقصد الأساسي للطبيعة والماهية الجوهرية للإنسان . إلا أن المعتقدات الدينية المنحرفة أفسدت على بعض البشر، حين تستند إلى ldquo;الأناrdquo;، هذا الصفاء الإيماني، فصُوِّر لهم أنهم نواب عن الإله، وأعطوا أنفسهم الحق في تقرير صحة أو بطلان المقررات الدينية للأديان الأخرى، وبعضهم يريد إلغاء العقل ونفي دوره في الإيمان والهدى، ويمارس التعسف والتعثر، فيخبط فيها المتطرفون بالفعل ويمارسون الاضطهاد والتغرب والتشرد ضد إخوانهم من أصحاب الديانات الأخرى خاصة في عالمنا العربي، وهذا ظلم للحق ولعدل الله، وهم بذلك يفرقون بين الله ورسله، مع أن قدر هذه المنطقة أن تكون مهد الأديان، ومهبط الرسل، واختيارها لهذا الأمر لم يكن عبثاً ولا جزافاً، بل هي حكمة من حكيم خبير .

فأهل الشرق العربي يصفهم المسعودي في كتابه ldquo;مروج الذهبrdquo; عن بلاد الرافدين، بالأمة الوسطى في العالم، وأن أبناءها يجمعون بين الذكاء والحكمة والقوة والحلم، وبلاد الرافدين هي لب الشرق العربي ومهد رسالاته منذ النبي إبراهيم عليه السلام حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مهد السيد المسيح الذي جاء بإنجيله، وبشارته على أرض سوريا وتبعه الكثير من أهل الشرق وآمنوا برسالته .

ومن الشرق انطلقت المسيحية إلى كل العالم، وعندما جاء الإسلام تعايش المسلمون مع أتباع الأنبياء السابقين - خاصة اليهود والنصارى - بل حافظوا على أتباع هاتين الديانتين، تحت مسمى ldquo;أهل الذمةrdquo;، ويعني هذا المفهوم أن هؤلاء في ذمة المسلمين الذين يتعهدون بحمايتهم، وصيانة حقوقهم في البلاد الإسلامية مقابل أن يدفع هؤلاء الجزية، وهي مبلغ من المال يعطى لبيت المال مرة في السنة، وقد رضي اليهود والمسيحيون هذا .

وإذا كان الوجود اليهودي قليلاً - لاعتناق أغلبهم المسيحية - فإن أغلب المسيحيين كانوا يدفعون الجزية، وقد استمروا بدفع الجزية قروناً عديدة راضين متعايشين . ومصطلح ldquo;أهل الذمةrdquo; الذي نحته الفقهاء المسلمون، ارتبط في ذلك العصر، بانشغال المسلمين بالفتوحات والجهاد دفاعاً عن الوطن بأطيافه من اليهود والنصارى وسواهم من أتباع الديانات الأخرى وأتباع المعتقدات الأخرى يعيشون آمنين مطمئنين، وأن الجزية كانت تفرض فقط على القادرين، بينما يُعفى منها الشيوخ، والأطفال، والنساء، والعجزة، وغير القادرين، لذا فإنهم ظلوا متمسكين بولائهم لهويتهم الشرقية العربية، ورفضوا الانجرار وراء الصليبيين في إجرامهم بحق سكان الشرق من عرب ومسلمين في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، ولم يعترفوا بهؤلاء بوصفهم ممثلين عن المسيحية، أو مدافعين عن السيد المسيح، وعن كنيسة القيامة، أو صليب الصلبوت، ولذلك عندما زال الصليبيون واندحروا بشكل نهائي عام 1293 للميلاد، ظل المسيحيون العرب في قراهم ومدنهم لم يمسَّهم أحد بسوء .

وللحق، فإن الوالي المصري إبراهيم باشا كان أول من رفع التمييز ضد المسيحيين خلال الحكم المصري لسوريا بين عامي 1830 و 1840 فقد اعتبر رعاياه كلهم متساوين أمام القانون بما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات، فكان أول من أرسى مفهوم ldquo;المواطنةrdquo; في الشرق، وقد تعرض إبراهيم باشا، بسبب ذلك، لمناوشات بعض المتشددين المسلمين، ولاسيما في مدينة طرابلس التي اتخذها عاصمة لملكه، ما أدى إلى اندلاع الثورة ضده، والتي انتهت بجلاء المصريين عن سوريا، وعودتها إلى الحكم العثماني .

إن التاريخ، وإن لم يكن منصفاً - أحياناً- بدرجة كبيرة للمسيحيين في الشرق، لكنه بكل تأكيد، يعطي دليلاً على أن المسلمين كان بإمكانهم إجلاء المسيحيين من ديارهم بالشرق - كما فعل المسيحيون الإسبان مع مسلمي الأندلس- لكنهم كانوا يعملون دائماً في ضوء النصوص الشرعية المتعلقة بأهل الذمة، واليوم يتعرض المسيحيون في الشرق، من جديد، لهجمة من الأصولية الإسلامية تحت شعار ldquo;تطبيق الشريعة الإسلامية في ما يخص أهل الذمةrdquo; . ولا شك أن ذلك لن يؤدي إلى تطبيق هذه المفاهيم، بل سيقود إلى إفراغ الشرق من أي وجود للمسيحيين . فيجب الحذر من هذا الخطر الأصولي المتطرف الذي لن يقضي على المسيحيين العرب فقط، بل سوف يدمر المكتسبات الحضارية للأمة العربية والإسلامية، لأن التاريخ لا يعود إلى الوراء ولا يمكن إيقاف الزمن أو تغيير دورته .


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
صدقت
أحمد شاهين -

والله يا أستاذ أذا فرغ ألشرق من ألمسيحيين وهو ما يخطط له ألأستعمار للخمسين سنة ألقادمة ومع نضوب ألبترول وشح ألموارد سيعود ألشرق وأهله ألى ألعصر ألحجري ....... أنظر ألى مصر يريدون أن يحكموا كما يريدون دون أعتبار للأخر...

اذا الارض لكم وليس الا
يوحنا الاربيلي -

استاذ محمدكن منصفا مع نفسك ان ما تقوله عن ان المسيحيين العرب لم يكن لهم ولاء للمسيحيين الاوربيين ,بل دافعوا عن المسلميين العرب ضد حملات الفرنجة ,فلماذا تخلط الحابل بالنابل وتقارن طرد الاسبان للمحتلين العرب من بلادهم ظلما للمسلمين وتقارنه بان المسلميين لم يطردونا من بلادنا يبدو بان العسل الي في كلامك لايكفي لازالة طعم السم نحن اصحاب البلدان الاصليين تركنا بلداننا من شدة الظلم الاسلامي ,وها نحن نترك اخر الحصون لكم , ونحن لانرى سوى الخراب الذي تعملونه في هذه البلدان , وستقتلون بعضكم البعض الى يوم الدين انا من المؤمنين بان على كل مسيحي ان يترك ويهاجر من الشرق الاوسط

تصحيح معلومة
رمزي -

الأستاذ محمد خليفة المحترمشكراً جزيلاً لهذه المقالة الممتازة.. فقط أشير للفقرة الأخيرة قولكم "إن التاريخ، وإن لم يكن منصفاً - أحياناً- بدرجة كبيرة للمسيحيين في الشرق، لكنه بكل تأكيد، يعطي دليلاً على أن المسلمين كان بإمكانهم إجلاء المسيحيين من ديارهم بالشرق - كما فعل المسيحيون الإسبان مع مسلمي الأندلس- لكنهم كانوا يعملون دائماً في ضوء النصوص الشرعية المتعلقة بأهل الذمة" فأٌقول لا يمكن مقارنة ما قام به الأسبان تجاه المسلمين مع ما كان يمكن أن يفعله المسلمون مع المسيحيين، فالإسلام في أسبانيا كان احتلالاً وبمعنى أدق بلغة عصرنا، كان استعماراً.. بينما المسيحيين العرب هم أبناء الأرض قبل مجيء الإسلام.. هذا فقط للتنويهولكم كل المحبة والاحترام

الموت الطبيعي
برسوم الرشام -

المسيحيون المشارقة ينقرضون لامور لا شأن للمسلمين بها مثل الموت الطبيعي

ليسوا مسيحيين
فادي -

المسيحيون الحاليون مهام إلا بقايا الحروب الصليبية وفلول. الغزوات. الغربية لأرض الإسلام تركوهم خلفهم لما غادروا مدحورين. ولذلك المسيحيين. الحاليين هم خنجر مسموم في خاصرة المجتمعات المسلمة التي يعيشون فيها ومشاريع غدر وخيانة تنتظر اللحظة المناسبة لتكشر عن أنيابها.

لا أوافقك
أحمد شاهين -

يا أخ يوحنا لا أوافقك يجب على ألمسيحيين ألعرب وأركز على ألعرب أن يبقوا في بلادهم لآن طيور ألظلام جبنأ جبنأ.....عندما نتصدى لهم مع ألمسلمين ألمعتدلين أللذين يعرفون ألأسلام ألصحيح ألرحيم سيتراجعون ألى جحورهم لآنهم جبنأ ألأسلام دين نور ووضوح وكان دائما في ألنهار جهارا....

ألفادي=ألمسيح
أحمد شاهين -

حرام أن تحمل أسم ألمسيح.....أقرأ ألتاريخ ألمسيحيين هم أصحاب ألأرض قبل ألأسلام ب600 سنة؟؟؟تغلم يا شاطر....أقرأ عن ألمسيحي عيسى ألعوام أبان حروب ألقرنجة وسوف ترى بطولات ألمسيحيين... أقرأ يا فادي

هناك فرق كبير
عيسى ابوجودة -

عندما احتل المسلمين بلاد ما يسمى الان الشرق الاوسط كان الهدف اقتصادي بالدرجة الاولى ويعود الفضل لبقاء المسحيين في البلدان المحتلة اقتصادي بامتياز انت تعرف الضرائب الاسلامية الخراج الجزية , عندما بداء الاقباط اعتناق الاسلام هروب من الضرائب اصر المسلمين على ان يدفعوا الجزية و الخراج (عمر بن العاص) لذلك رجعوا لدينهم . الحجاج وسم بالصليب وبالنار اذرع المسيحيين عندما هربو الى العراق هروبا من الضرائب , فقط عمر بن عبد العزيز هو الوحيد الذي سمح بدخول الاسلام , اكيد لو اراد المسلمون ان لا يبقى ولا مسيحي لكان استطاعو ,لكن من اين بايدي عاملة رخيصة ولا تقاسم الجنود غنائم الحروب , حتى منع تحويل اراضي الخراج الى اراضي عشر ولو اسلم صاحبها. عزيزي اشكرك على نبل النوايا لكن لا استطيع الصمت امام حقائق التاريخ

بخست مقالتك
عراقي - السويد -

مع الاسف الشديد انك دحضت كل ما جاء بمقالتك عندما استخدمت مثالا جائرا ، بقولك إن التاريخ، وإن لم يكن منصفاً - أحياناً- بدرجة كبيرة للمسيحيين في الشرق، لكنه بكل تأكيد، يعطي دليلاً على أن المسلمين كان بإمكانهم إجلاء المسيحيين من ديارهم بالشرق - كما فعل المسيحيون الإسبان مع مسلمي الأندلس- أن الاحتلال الاسلامي الى اسبانيا أحتلالا جائرا بكل معنى الكلمة ، و الاسبان دافعوا عن بلادهم و أخرجوا المحتلين و رموهم بالبحر ، كما نحن شعوب الشرق الاوسط طردنا الاحتلال الاوربي بعد الحرب العالمية الثانية ، أن كنت تريد أن تقول كلمة حق يا سيد محمد خليفة عليك أن ترى بنظرتك للبشر بمنظار واحد فلا فرق بين انسان مسلم و أنسان مسيحي كي يفرض على الاخير الجزية ، بل ما هو أسوا من الجزية ، ففي بعض المدن العراقية على سبيل المثال الموصل ، فكان المسيحي يدفع الجزية و عليه أن يبقى بملابس رثة كي يكون اقل من باقي البشر الآخرين ، و أذا تجرا و ارتدى ملابس نظيفة فسيكون عرضة للاهانه من مسلميك الذين تقول عنهم عادلون . أنا ايضا ادعو المسيحيين المشرقيين لترك هذه البلاد التي لن ترى الخير مدى الحياة ما دامت قتلت أبنائها البرره و تكالبت عليها عصابات المافيا التي تتغطى برداء الاسلام و الاسلام منها برئ.