جريدة الجرائد

هل تبقي مجزرة حمص بشّار 30 سنة أخرى؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله


بعد الفيتو في مجلس الامن، وبعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدمشق، يتبيّن ان كلّ ما تسعى اليه موسكو يتمثل في تغطية مزيد من العمليات العسكرية التي تستهدف الشعب السوري. لعلّ اخطر ما في الامر ان الفيتو والزيارة مهدا للحملة التي تتعرض لها مدينة حمص واهلها في ما يشبه عملية تنظيف ذات طابع عرقي اكثر من ايّ شيء آخر.
في النهاية، ليس في استطاعة المريض الروسي توفير علاج من اي نوع كان للمريض السوري، اللهمّ الا اذا كان هناك في موسكو من يعتقد ان الرئيس بشّار الاسد قادر على البقاء في قصر الرئاسة بفضل القمع الذي يستخدم فيه السلاح الروسي ولا شيء آخر غير ذلك.
لم تشف روسيا بعد من عقدة الاتحاد السوفياتي رغم مرور عشرين سنة بالتمام والكمال على انهيار القوة العظمى الثانية في العالم وخسارتها الحرب الباردة. لم تتعلّم روسيا شيئا من تجربة سقوط الاتحاد السوفياتي واضطرارها الى الاكتفاء بالحدود الروسية بعدما كانت تسيطر على جمهوريات عدة استقلت تباعا عنها.
لم تستوعب روسيا الدرس. لا تزال تعتقد انها قوة عظمى بفضل امتلاكها مصانع اسلحة والسلاح النووي. لو كانت الاسلحة تصنع قوى عظمى، لكان الاتحاد السوفياتي حيّا يرزق. ما يصنع القوة العظمى تضافر عوامل عدة على رأسها الاقتصاد القوي والتعليم والتكنولوجيا المتطورة والمؤسسات الديموقراطية. لو استطاع الاتحاد السوفياتي بناء اقتصاد قوي ومؤسسات ديموقراطية، تمثل النقيض التام لما كان عليه نظامه، ولما عليه سورية الآن، لما استنزفته حرب افغانستان وكارثة تشيرنوبيل وتهديدات رونالد ريغان بالدخول في سباق للتسلح من نوع جديد تحت عنوان "حرب النجوم".
تكمن مشكلة روسيا في انه رغم مضي عقدين من الزمن على عودتها الى داخل حدودها، لا تزال تعتقد انها قوة عظمى وان من حقها التدخل الى جانب انظمة عفى عليها الزمن تقمع شعوبها ودعم هذه الانظمة. هذا في الظاهر. اما في الواقع، فانّ موسكو لم تستخدم الفيتو في مجلس الامن الاّ من اجل الدخول في مساومات مع واشنطن تصب في نهاية المطاف في مساعدة فلاديمير بوتين على الحصول على شرعية معيّنة بعد انتخابات الرئاسة المتوقعة في الرابع من مارس المقبل.
ما هذا النظام الروسي، الساعي الى لعب دور القوة العظمى، رغم انه فشل في اقامة مؤسسات ديموقراطية ولا يزال يبحث عن شرعيته في واشنطن؟ يفعل ذلك من منطلق ان واشنطن هي الجهة التي تؤثر على الشارع في موسكو ومدن اخرى وانها قادرة على الطعن في نتائج الانتخابات الروسية المقبلة وانها كانت، من وجهة نظره، وراء التظاهرات التي شهدتها مدن روسية قبل اسابيع قليلة احتجاجا على نتائج الانتخابات التشريعية.
مثل هذا النظام الروسي الباحث عن دور في سورية من اجل الدخول في مساومات مع الاميركيين والاوروبيين، على رأسهم الالمان، لا يستطيع توفير اي علاج ناجع للنظام السوري. كلّ ما يستطيع عمله، بالاتفاق مع الصين طبعا، يتمثل في توريط النظام السوري اكثر فاكثر في القمع وفي المواجهة مع شعبه. انه اختصاص روسي موروث عن العهد الستاليني. قاد هذا الاختصاص الاتحاد السوفياتي في الماضي الى دعم ديكتاتور دموي مثل منغستو هايلي مريم في اثيوبيا او سياد بري في الصومال وتشاوشيسكو في رومانيا وعشرات آخرين والى الاعتقاد ان في الامكان اقامة نظام ماركسي في ما كان يسمّى حتّى العام 1990 "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية"...
لا مجال لتعداد المآثر السوفياتية وصولا الى التدخل عسكريا في افغانستان لاسقاط نظام ملكي كان يمكن ان يطور البلد وان يحول دون وصول "طالبان" الى السلطة في مرحلة معينة. "طالبان" هي في النهاية نتيجة اخطاء ارتكبها السوفيات في افغانستان، مع الاعتراف طبعا انها صنيعة الاجهزة الباكستانية بالتفاهم مع الاميركيين في البداية!
لا مجال خصوصا لتعداد المآثر السوفياتية في المنطقة العربية، بما في ذلك المساعدة في توريط جمال عبد الناصر في حرب العام 1967 بعدما جرّه اليها النظام السوري المغامر جرّا. الاكيد ان لا مجال ايضا لشرح كيف تخلى السوفيات عن اعز اصدقائهم وحلفائهم في لبنان. على راس هؤلاء كمال جنبلاط الذي اغتاله النظام السوري في العام 1977 كي تسهل عليه السيطرة على لبنان وفرض وصايته على الوطن الصغير بضوء اخضر اميركي، فيما موسكو تتفرّج...
لم يتغيّر شيء في موسكو. لا تزال العقلية نفسها هي المهيمنة. لا يزال هناك من يعتقد ان في الامكان انقاذ النظام السوري كي يمعن في قتل السوريين واذلالهم. لم يقتنع بعد الحكام الروس بانّهم يسيرون ضد منطق التاريخ وان ليس في استطاعتهم اعادة عقارب الساعة الى خلف لا في سورية ولا في اي مكان آخر فيه ثورة شعبية حقيقية.
في النهاية، لا يمكن للسوريين الاّ ان يستعيدوا سورية بغض النظر عن الموقف الروسي. هناك نظام مريض انتهى منذ فترة طويلة. ليس في امكان مريض آخر، هو المريض الروسي انقاذ المريض السوري. كلّ ما يستطيع المريض الروسي عمله هو تشجيع المريض السوري على التعجيل في الرحيل اليوم قبل غد. هل من نظام قصف شعبه بالطريقة التي تقصف بها حمص يستطيع البقاء على قيد الحياة طويلا؟ ثم ماذا بعد السيطرة عسكريا على حمص؟ هل يمكن للنظام ان يستمر ثلاثين سنة اخرى على النهج نفسه لمجرد ان حافظ الاسد استطاع قتل الاف من اهل حماة وتسوية قسم من المدينة بالارض في العام 1982 والموت في سريره في السنة 2000؟
اثبت الشعب السوري انه شعب لا يقبل الذلّ الى ما لا نهاية. مرّت ثلاثة عقود على احداث حماة. ان كلّ سوري يتذكّر حماة وما حلّ باهلها. وقتذاك، في العام 1982، لم تتجرّأ صحيفة او وسيلة اعلام لبنانية على نشر كلمة عن المجزرة التي تعرّض لها اهل حماة رغم ان تفاصيل ما حصل بلغت بيروت.
بعد ثلاثين عاما، جاء دور حمص. كلّ الاعلام، في كلّ العالم، يتحدث عما تتعرض له المدينة الشهيدة التي حسمت بفضل صمودها، مع مدن ومناطق اخرى، مصير النظام السوري. الا تريد روسيا تعلّم شيء من هذه المفارقة التي تختصر التحولات التي شهدها العالم في العقود الثلاثة الاخيرة والتي جعلت الاتحاد السوفياتي ينهار فلم يبق منه الا روسيا، روسيا التي لم ترث منه سوى امراضه. ام ان موسكو تظنّ ان مجزرة حمص ستبقي بشّار الاسد ثلاثين سنة اخرى في السلطة؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
طبعا سوف تبقيه
سلطان -

وبكل تأكيد سوف تبقيه ولسبب بسيط جدا ... تشرذم وتسلط وتعصب وتطرف اقطاب المعارضة المختلفة داخليا وخارجيا ... همهم الوحيد السطو على السلطة وليس الشعب السوري وهذا ما كان في حظ الاسد ... كان الله في عون الشعب السوري

لا ٣٠ سنة ولا سنة
علي -

القتل لا يفيد في السنة ٢٠١٢. لن يبقى بشار لا ٣٠ سنة ولا حتى سنة واحدة. النظام انتهى. يجب ان تقبل بذلك يا استاذ خيرالله

نعم للحسم
احمد -

الذين يقتلون في حمص يرشون الرصاص على الجيش العربي السوري وليس ماء الورد.

اقتل كما تشاء
sam -

اقتل كما تشاء أيها الجبان ! والله لتندم أنت وكل المجرمين أمثالك ومن حولك . اقتل أيها الطائفي الحاقد المحتمي بمخابراتك وشبيحتك وعسكرك . لن تنفعك ايران ولن يحميك حزب اللاتولن يخفيك مقتدى الصدر من سيوف الثوار . لسوفنصل إليك أيها القاتل .

الله يهديكم
عاصم كامل -

الى الاستاذ خير الله خيرالله الفاضل, الاثيوبين يحنون الى نظام منغستو( المسلمين الاثيوبين يلقبونه بمحمد هايلي ميريام, لانه سمح لهم ببناء المساجد والتي الان وهي ظل النظام الارثودكسي الحالي يمنع بناء المساجد منعا باتا, وكانت البلاد في وضع اقتصادي جيد. افغانستان في زمن السوفيت كانت دولة مؤسسات و فيها البنى التحتيةالجيدة من المدارس والمستشفيات والمعاهد وعملة مستقرة وجواز جيد وطبقة مثقفة وواعية, وجيش مدرب وهل سمعت بعارك قندهار 1992 - 1993 عندما سحق الجيش الافغاني,فلول طالبان والمجاهدين ومن معهم من الجيش الباكستاني؟. سقطت الدولة لان دول كثيرة تكالبت عليها, من الامريكان الذين انتقموا من السوفيت على خسارتهم النكرة في فيتنام, تكالب عليهم الاعراب ودعموا المجاهدين الافغان ( الاخوة الاعداء) بالمال والسلاح. سبحان الله مااشبه البارح باليوم, لان نفس الشئ الان يتكرر بتوافق امريكي ودعم مالي عربي. اليمن الجنوبي كانت واحة فكرية خضراء في الجزيرة العربية, ودولة مؤسسات, يااخي مو احسن من حكم صالح, كانت دولة متطورة وشعب مثقف. وكن على يقين ان اي دولة دخل فيها السوفيت تجد فيها المستوى الثقافي عالي, انت اجلس مع يمني من الجنوب ويمني من الشمال وقارن ولاحظ الفرق!!!. انا اختلطت مع الجنوبي والشمالي ولاحظت الفرق ووجدت الجنوبي متكلم ومثقف ومنفتح. كل مشاكل اليمن من الطرف الشمالي, ومع احترامي للطيبين من الشمال.عبد الناصر كان يتكلم اكثر مما يفعل!. ولماذافشل العدوان الثلاثي على مصر وبمساعدة من افشل؟. الشغلة اللي انتم ماتفهموها هي ان واحدة من اسباب الفيتو الروسي, هو وضع حد للهيمنة الامريكية على العالم وانهاء سياسة القطب الواحد من خلال ظهور قوى اقتصادية جديدة على الساحة العالمية( الصين وروسيا والهند والبرازيل وافريقا الجنوبية). يااستاذ العالم هي ليست حديقة للفسحة الامريكية, يعني وين ما يوجد تمرد في بلد ما وتجد امريكا تتدخل كما في العراق(مو انتم جابهتم ووقفتم وبكل قواكم الاعلامية ضد الغزو الامريكي للعراق).دخلت افغانستان وهي التي ربت الطالبان والمجاهدين. العالم لها حرمتها وانا اؤمن بالمقولة او بيت الشعر للمرحوم ابو قاسم الشابي, اذا الشعب اراد الحياة فليستجيب للقدر. لان الشعب السوري الابي هو اللي يقرر مصيره. والمشكلة ان سوريا وقعت في فك كماشة التحالفات والمزايدات والعهر السياسي. بين ازدواجية السياسة الامريكي